بعد غياب طويل وقسري، عن شاشة التلفزة المغربية، يعود الفنان المقتدر البشير السكيرج، في دور شخصية تراثية : «الحراز»،التي تبثها خلال هذا الشهر الكريم، القناة الأولى للتلفزة المغربية، حيث سيظل وفيا لطابعه التشخيصي، المتسم بالفكاهة والمرح. فمنذ انطلاقة مسيرته الفنية، منذ ما ينيف عن أربعة عقود، عرف الفنان السكيرج، بأدائه للأدوار الكوميدية، وفي واقع الأمر، فإن هذه الأدوار لا يتقمصها، بل هي ساكنة تحت جلده، علما بأنه في حياته اليومية، يظهر باستمرار بروحه الخفيفة وحرصه الدائم على إشاعة المرح في محيطه. وعندما تقرر إنجاز أشرطة سينمائية فكاهية لأول مرة في تاريخ السينما المغربية، جرى التفكير في هذا الممثل بالذات، لأداء دور البطولة. لقد بصم الدراما المغربية بلكنته الشمالية، ورغم إقامته المديدة في الغربة، وبالأخص بالولايات المتحدةالأمريكية، فإن هذه القارة لم تسرق لهجته ولا أسلوبه في العيش. هكذا كانت مشاركته في أول شريط سينمائي طويل يدخل في خانة الفكاهة، وكان هذا الشريط الذي حمل عنوانا مثيرا: «البحث عن زوج امرأتي»، قد ساهم في تعزيز مصالحة الجمهور مع السينما المغربية، باعتبار جدته وجرأته وشعبيته كذلك، وتم بذلك تمهيد الطريق لأفلام سينمائية أخرى ذات طابع فكاهي. كان السكيرج حاضرا أيضا في جلها، ليس حضورا عاديا أو ثانويا، بل حضورا بطوليا، كما هو الحال بالنسبة لغراميات المختار الصولدي، الذي قام بإخراجه مصطفى الدرقاوي، مع التذكير بأن الشريط السابق، من إخراج محمد عبدالرحمن التازي،وهذان المخرجان، يعدان من بين الأسماء الوازنة في الإخراج السينمائي، حيث لم يخوضا شريطهما الفكاهي الأول إلا بعد أن راكما مجموعة من الأفلام المختلفة. ولم يكن صدفة أن يقع اختيارهما معا على شخصية البشير السكيرج، لتدشين مسيرتهما في ما يخص الإنتاج السينمائي الفكاهي. وكان من المفروض أن يشارك السكيرج في الجزء الثاني لشريط البحث عن زوج امرأتي، غير أن خصلة أخرى برزت خلال هذه الأزمة، وهي ثقته الكبيرة في نفسه وفي قيمته الفنية،وهو ما جعله يفرض على منتج هذا الشريط –وهي رسالة موجهة إلى غيره من المنتجين- توفير شروط مادية تراعي الوضع الاعتباري والرمزي للفنان، وقد عجز ذلك المخرج، عن الامتثال لتلك الشروط، وبالتالي تقرر الاعتماد على وجه سينمائي آخر، للعب دور السكيرج في الجزء الثاني من الشريط. لم يتحقق تراكم كبير في مجال السينما الفكاهية، نظرا لتهيب جل المخرجين السينمائيين من خوض هذه المغامرة. لقد تنبه البشير السكيرج، لهذا العجز، فشمر على ذراعيه، وقرر أن يتولى بنفسه إخراج شريط سينمائي طويل، ذي طابع فكاهي، وأداء دور البطولة فيه. شكل هذا العمل الفكاهي بالفعل، إضافة نوعية إلى هذه الذخيرة من إنتاجنا لسينمائي، وكان الشريط قد حمل عنوانا طريفا، وتكمن طرافته في طوله:» كان واحد المرة، كان جوج المرات»، وقد أثار هذا الشريط في حينه، ضجة كبيرة، نظرا لجرأة مشاهده، التي وصفت بالوقحة، بالرغم من إثارتها للضحك، وكان هذا هو الهدف الكامن وراء خلق تلك المواقف التي أثارت حفيظة بعض المتشددين، وهنا ستبرز خصلة أخرى من الخصال الحميدة للبشير السكيرج، وهي الإنصات إلى الآخر والدخول في حوار معه، حيث دافع عن شريطه في الندوات التي أقيمت على هامش عرضه، بدون تشنج أو استبداد بالرأي. في مقابل ذلك، ظل الفنان السكيرج، يشكو من جفاء التلفزة المغربية تجاهه، حيث كان قد وضع لدى قسم الإنتاج، مجموعة من المشاريع دون أن يكتب لها الظهور. غير أنه خلال هذا الشهر الكريم، تم الإفراج عن واحد من تلك المشاريع، يتعلق الأمر، كما سلفت الإشارة إلى ذلك، بسلسلة «الحراز»، التي من السابق لأوانه، تقييم مستواها الفني والموضوعي، ما دمنا في إبان متابعة حلاقاتها الأولى. غير أن التجربة التي اكتسبها السكيرج، في أداء الأدوار الفكاهية، تؤهله أكثر من غيره في التفوق في أداء شخصية تراثية، من طينة الحراز.