تنوع البرمجة وإرساء ثقافة العرفان بمناسبة اليوم الوطني للمسرح نظمت المديرية الجهوية لوزارة الثقافة بجهة الغرب شراردة بني احسن والمركز الثقافي للقنيطرة بتنسيق مع ولاية الجهة وبتعاون مع المسرح الوطني محمد الخامس مهرجان القنيطرة للمسرح الاحترافي في دورته الأولى في الفترة الممتدة ما بين 14 و17 ماي 2015 بالمركب الثقافي والساحة الكبرى للمدينة. تميز حفل الافتتاح الرسمي للمهرجان الذي نشطته الممثلة المقتدرة فاطمة بوجو بقراءة الفاتحة ترحما على الروح الطاهرة للفنانة والممثلة المغربية فاطمة بنمزيان التي وافتها المنية ذاك اليوم، وفي كلمته بالمناسبة أكد السيد محمد سنور المدير الجهوي لوزارة الثقافة بجهة الغرب شراردة بني احسن أن المديرية تتوخى جعل هذا الحدث تقليدا سنويا للمساهمة في خلق دينامية ثقافية مرتبطة بالإبداعات المسرحية وتدعيم التواصل بين الفرق الوطنية والجمهور الواسع العاشق لأب الفنون، من جانبه أوضح مدير المهرجان الفنان أنور الزهراوي، أن هذا المهرجان جاء تماشيا مع الإرادة الملكية السامية للنهوض بالشأن الثقافي والفني في جهات المملكة على العموم، وللمساهمة أيضا في الحركية المسرحية والثقافية التي تعرفها الجهة، أما ممثل النقابة المغربية لمحترفي المسرح الأستاذ الحسين الشعبي فقد أعرب من جهته عن سعادته بمساهمة النقابة في أنشطة المهرجان والذي يأتي بتزامن مع احتفالات المسرحيين المغاربة باليوم الوطني للمسرح الذي تشهد فيه جل خشبات المملكة عروضا مسرحية، كما لم يفته تهنئة ساكنة القنيطرة بافتتاح معلمة مسرحية بالمدينة الشيء الذي سيمكن المسرحيين من تقديم أعمالهم في قاعة مسرحية تليق بالمسرح. كما شهدت ساحة البلدية عشية نفس اليوم عروضا فنية للنقر على الطبول وألعابا بهلوانية استحسنها الجمهور الغفير الذي غصت به الساحة. هذه الدورة حملت اسم الفنان العربي الساسي حيث قدم الفنان محمد الزيات كلمة في حق المحتفى به أشار فيها إلى خصاله إذ يعتبر منارا وعنوانا فنيا كبيرا شرب من تراث الإنسانية وبقي دائما معتزا بوطنه وساهم في بنائه فنيا من خلال مسار فني كبير، كما تتلمذ على يديه العديد من المسرحيين، ونظرا لتواجد الفنان العربي الساسي خارج أرض الوطن للعلاج فقد نابت عنه ابنته نزهة الساسي في تسلم درع المهرجان وشهادة تقديرية من يد السيد محمد سنور المدير الجهوي لوزارة الثقافة بجهة الغرب. وفي ختام اليوم الأول من المهرجان تتبع الجمهور القنيطري مسرحية "شغل العيالات" لفرقة مسرح أرلكان التي أبدع في كتابتها وتألق في إخراجها الفنان عمر الجدلي، وشارك في تشخيصها كل من: سعاد خويي، عبد الرحيم المنياري، بشرى اهريش، وحسنا طمطاوي، أما السينوغرافيا فكانت من توقيع يوسف العرقوبي. فرقة أرلكان عمدت من خلال عملها هذا، وكما دأبت في معظم إنتاجاتها، على استثمار التراث المغربي على المستوى الموسيقي والسينوغرافيا والملابس (من تصميم عبد الله عدوي)، وكذا على مستوى إبراز مواطن قوة النص المسرحي الذي من المفترض أن يقوم على لغة انسيابية تحتفي بالكلمة والمعنى، وتنقل الجمهور من لغة اليومي إلى لغة الإبداع وتشكيل الصورة الفنية والجمالية. وفي اليوم الموالي عاش الجمهور بالساحة الإدارية مع العرض المسرحي "الطاكسي" لفرقة أونكور، وبرواق المركز الثقافي تم توقيع كتاب "محمد بسطاوي.. البسيط الوازن" الذي جمع شهادات لفنانين وإعلاميين وأصدقاء الراحل لتخليد وتوثيق اسم وتجربة ومسار فناننا الكبير، أطر حفل التوقيع الأستاذ الحسين الشعبي عن النقابة المغربية لمحترفي المسرح، الذي ركز على أربعة جوانب في شخصية الراحل: الممثل، المثقف، المناضل، الإنسان الطيب الخلوق, وفي المساء قدمت فرقة (فيزاج) من الرباط، مسرحيتها الناجحة "الرابوز" والمسرحية إحياء لجو الحلقة التقليدية وإعادة تطوير تقنيات هذا التراث القديم غير المادي، بطريقة أكثر عمقا، عبر تخليد رواده من الصاروخ وفليفلة وبقشيش في قالب فني، مع خلق علاقة متميزة ومباشرة بين الممثل والمتفرج. في اليوم الثالث من أيام مهرجان القنيطرة للمسرح الاحترافي وبالساحة العمومية الكبرى وسط المدينة التقى جمهور المهرجان مع عرض مسرح الشارع لفرقة أونكور بعنوان "فين" وهي فرقة مسرحية احترافية راكمت تجربة مهمة في مجال فرجات الشارع. وفي الجانب الثقافي للمهرجان وبرواق المركز الثقافي عقدت ندوة فكرية حول "الدعم المسرحي في صيغته الجديدة: الطموح والرهانات" بمشاركة الأساتذة أمين نسور، بوسرحان الزيتوني ونور الدين زيوال خلصت إلى أن تجربة الدعم المسرحي عرفت مدا وجزرا، غير أنه مع وزير الثقافة الحالي تم تحقيق مجموعة من المكتسبات، أخذا بعين الاعتبار أن له إرادة مبنية على مقاربة تشاركية مع الهيئات المهنية التي لها تمثيلية أكبر في القطاع المسرحي في أفق الانخراط التدريجي في الصناعات الثقافية والإبداعية. بعد ذلك استمتع جمهور المركز الثقافي بمسرحية "السي شوية" للمخرج رشيد جدواني والفرقة المسرحية القنيطرية لافابريكا، والتي تضم ممثلين شباب: السهام ازطوطي – رشيد برئم – نرجس الرمش عبدو بنطامو – ياسين الشعلي رفقة الفنانة فاطمة بوجو.. واعتمد العرض توظيف حركة الجسد من منطلق قناعة المخرج بأن حركة الجسد هي لغة تتكامل مع لغة الحوار المنطوق. البرمجة لم تغفل الجمهور الناشئ حيث خصصت صبيحة الأحد لعرض مسرحي للطفل بعنوان "نمولة والصرصور" لفرقة محترف بناصا للفنون. وفي الختام ينبغي الاعتراف أن المهرجان حقق جملة من الأهداف أهمها المساهمة في تطوير المعرفة والوعي بالفنون المسرحية، استنطاق المادة الثقافية والموروث الثقافي المتجذر في أساليب متنوعة، تعويد الجمهور على أدبيات التلقي الفني، ترويج المنتوج المسرحي خلال أيام المهرجان، خلق حركة فنية بالمدينة مع لفت انتباه الساكنة من خلال أنشطة المسرح والمساهمة في التنشيط الثقافي والفني للمركز الثقافي المدشن مؤخرا والذي أجمع كل المهرجانيين والضيوف على اعتباره مكسبا مهما. ولعل الرهان الذي يبقى على المنظمين تجسيده هو جعل هذا الحدث تقليدا وموعدا سنويا قارا مع المزيد من الانفتاح على الطاقات المبدعة بالمدينة خاصة وبالجهة عموما.