من أنشطة «النجم الأحمر» ببلقصيري أسدل صبيحة مؤخرا الستار على فعاليات "مهرجان مشرع بلقصيري الوطني الحادي عشر للقصة القصيرة"، الذي صار تقليدا سنويا دأبت جمعية "النجم الأحمر للتربية والثقافة والتنمية الاجتماعية" على تنظيمه، بكلمة الأستاذ بنعيسى الشايب (رئيس الجمعية) شكر فيها المؤسسات الداعمة للمهرجان والمبدعين الذين سجلوا حضورهم بهذه الدورة، مشيرا إلى إصرار الجمعية على استمرارية المهرجان الذي أصبح علامة مميزة لمدينة مشرع بلقصيري وللقصة بالمغرب. تم افتتاح الدورة الحادية عشر بشريط حول مسار القاص إدريس الصغير الحياتي والإبداعي، تلاه شريط بعنوان: "المهرجان الوطني للقصة القصيرة بمشرع بلقصيري بعيون أصدقائه" تضمن شهادات الأساتذة: أحمد بوزفور، عبد الحميد الغرباوي، فاطمة الزهراء المرابط، سعيد منتسب. ثم أعطيت الكلمة لجمعية "الراصد الوطني للنشر والقراءة" بعد عرض شريط حول فعاليات الورشتين اللتين نظمتهما جمعية "النجم الأحمر" بثانويتي مولاي رشيد ومشرع بلقصيري التأهيليتين، من تأطير القاصين رشيد شباري وفاطمة الزهراء المرابط باسم "رونق" للإعلان عن نتائج المسابقة التي نظمت على هامش الورشتين التي شكلت إضافة نوعية لفعاليات المهرجان، وأفرزت أربعة فائزين: شيماء الدبدوبي عن قصة "المشروع" وعائشة الحسناوي عن قصة "العيد" من ثانوية مشرع بلقصيري التأهيلية، ونورا الشباني عن قصة "جرو" وسلمى الدريعي عن قصة "عائشة" من ثانوية مولاي رشيد التأهيلية، وتتويج الفائزين من طرف "النجم الأحمر" و"رونق" بجوائز رمزية وشواهد تقديرية. كما عرف حفل الافتتاح الإعلان عن نتائج جائزة أحمد بوزفور للقصة القصيرة في دورتها الثانية عشرة من طرف الأستاذ محمد صولة (لجنة القراءة)، وتتويج الفائزين بهدايا رمزية وشواهد تقديرية، حيث فاز بالجائزة الأولى القاص محمد النعمة بيروك من العيون عن قصته "قصة الرواية"، وعن قصة "نفوس حية" فاز بالجائزة الثانية القاص عماد شوقي من تنغير، في حين فاز بالجائزة الثالثة القاص إعلاء مشذوب من العراق، واختتم الحفل الذي تخللته معزوفات موسيقية من أداء الفنان عبد المالك مراس، بتكريم القاص إدريس الصغير من طرف الجمعية والمؤسسات الداعمة للمهرجان بهدايا رمزية. واحتفاء بأحد رموز القصة في المغرب، نظمت جمعية «النجم الأحمر» جلسة تكريمية للقاص إدريس الصغير، شارك فيها الأستاذ أحمد بوزفور بورقة عنونها ب: «الرجل والسماء»، تطرق فيها إلى علاقته الانسانية بالمحتفى به، مشيرا إلى انتماء إدريس الصغير لجيل السبعينات "جيل القنطرة" الذي نقل القصة من مراحل البلاغة والأخلاق والإيديولوجيا إلى مرحلة الفن والجمالية، حيث جرب هذا الجيل تقنيات جديدة في اللغة والعجائبية والتناص والتجريب. وفي هذا السياق ناضل إدريس الصغير من أجل قصة جديدة ذات مكانة متميزة بين الأجناس الأدبية الأخرى، بتأسيس إطار ثقافي مستقل للقصة حمل اسم "رابطة القصة القصيرة" والذي وضع الحجر الأساس للاحتفاء بالقصة في المغرب. وفي الجلسة نفسها، تحدث الأستاذ محمد امنصور في ورقته عن القاص إدريس الصغير باعتباره مظلة رمزية في الصمود والدفاع عن القصة القصيرة، على الرغم من إبداعه في الرواية، حيث ساهم في تحديد مفهوم القصة في تلك الفترة والتجديد والكتابة عن الطبقة الاجتماعية التي اعتبرت اضافة نوعية للقصة، مشيرا إلى نماذج من قصصه التي تطرقت إلى الواقع الاجتماعي المسكوت عنه، وتميزها باللغة والسجع والعجائبي والسياسي وحبك الكلمات والجمل، وهي قصص تواجه تجهم الواقع من خلال السخرية لكشف الأعطاب التي يعرفها المجتمع. وفي ورقة حملت عنوان: «كيف أن الحاج إدريس فضل القص على ضربة المقص» تحدث الأستاذ المصطفى اجماهري، عن انتماء إدريس الصغير إلى القصاصين المغاربة (جيل السبعينات) الذين ساهموا في تطوير جنس القصة القصيرة بالمغرب، مشيرا إلى مواكبته الدائمة لمستجدات تجربته القصصية المتميزة، قبل أن يتعرف عليه عن قرب - خلال أداء مناسك الحج – فاكتشف حرص إدريس الصغير على متابعة مجريات الحياة واهتمامه بمستجدات الشأن الثقافي وولعه بالمجال الرياضي. وقد تطرق الأستاذ محمد صولة في ورقته إلى القص عند إدريس الصغير وقدرته على خلق الفنية القصصية، إذ يحرص الكاتب في قصصه على تشكيل رهانات التاريخ فينهل من معين التاريخ والواقع، حيث يعتبر النص عنصرا محايدا بلغة وطقوس خاصة، مشيرا إلى حضور مدينة القنيطرة والذات والآخر في مختلف أعماله القصصية وكذا رصده للواقع الاجتماعي بعين فاحصة. واختتمت الجلسة بكلمة المحتفى به، عبر فيها عن سعادته بهذا التكريم الذي يعتبر الأول في مساره الإبداعي، وشكر جمعية "النجم الأحمر" على هذا الاحتفاء، كما شكر الأساتذة الذين ساهموا في هذه الجلسة بشهاداتهم وقراءاتهم في مساره الحياتي والإبداعي والمبدعين والمبدعات على مساهمتهم القيمة في هذا الاحتفاء. ولأن المهرجان ارتبط بجنس القصة، فقد ارتأى منظموه أن تكون ندوته المركزية ذات الصلة بهذا الجنس الأدبي وعلاقته بالبادية، وفي هذا الإطار تحدث الأستاذ الحبيب دايم ربي في ورقة عنونها ب: «من قصة البادية إلى بادية القصة» عن انحدار القصة من البادية وإن كانت قد ظهرت بالمدينة، استنادا إلى الأصول الجغرافية للكتاب (أصول بدوية)، وإن كانت بعض القصص عن البادية تتحاشى الافصاح عن الهوية البدوية لكُتابها فكانت مشوبة بإيحاءات قدحية جعلت من البدوي شخصية نمطية تثير الضحك والسخرية، إلى أن جاءت كوكبة من المبدعين تصالحوا مع أصولهم البدوية وتخلصوا من استيلاب المدينة. مستثمرين الغنى المحلي الذي تتمتع به جغرافيات المغرب العميق في النصوص القصصية، خاصة وأن جغرافية الإبداع تلعب دورا حاسما في تشكيل طبيعة الفعل الإبداعي والفني على صعيد التيمات وأنساق التفكير والتعبير. أما الأستاذ محمد محبوب فقد ركز في ورقة بعنوان: «فضاء البادية بين جمالية المحكي النوستالجي وبؤس الواقع: قراءة في مجموعة "خبز أسود خبز أبيض" لمحمد الحاضي»، على صورة البادية في "خبز أسود خبز أبيض" من خلال اقتناص لحظات الطفولة في البادية وفضح واقع مرير يرشح بالفقر والبؤس والحرمان...، مشيرا إلى حضور متخيل الطفولة في جزء كبير من المجموعة كوسيلة لطرح أسئلة الكينونة والانسلال إلى عمق البنية المجتمعية البدوية، لتسليط الضوء على المفارقات والتناقضات والأعطاب الاجتماعية والتهميش والاقصاء. حيث اختار الكاتب الغوص في عمق الانسان البدوي، والتقاط عدة صور تبين حجم القهر والمعاناة في البادية، بلغة كاشفة ومستنفرة مع توظيف سخرية لاذعة مسلطة على الشخوص الغارقة في البداوة والجهل والفقر . في حين تطرق الأستاذ عمر العسري في ورقته المعنونة ب: «الهوية السردية للبادية في القصة المغربية المعاصرة: قراءة في نماذج قصصية مغربية» إلى المكان باعتباره أكثر الأنساق الفكرية في بناء العمل الفني تعقيدا، والإطار الذي ينمو فيه السرد وبالتالي الشخصيات وتشكل الأحداث والدلالات. وأن الكتابة السردية حول البادية ومشاهدها وفضاءاتها قد تحرك أفكارا شاملة لها علاقة بالانحطاط والتغير الاجتماعي في حديثها عن المشهد البدوي. مشيرا إلى صورة البادية في القصة من خلال نماذج قصصية: "مشي" لمحمد زفزاف، "عكاز " لإدريس خالي، "عروس المساء" للمختار الغرباني، "استقرار" لمحمد الشايب، وهي نماذج تبرز مكانة البادية ضمن الأمكنة التي برزت في الانتاجات الأدبية الأخرى، على اختلاف اتجاهاتها ومنطلقاتها. وفي السياق تحدث الأستاذ أحمد الجرطي في ورقته التي عنونها ب «تمثيل عالم البادية في القصة القصيرة المغربية مقاربة في التيمات والأنساق الفنية» عن التحول اللافت الذي عرفته القصة المغربية في تيماتها وأنساقها المرجعية خلال العقدين الأخيرين، حيث انتقلت من مرحلة الهم الوطني السياسي إلى النزعة الواقعية الاجتماعية ثم استراتيجيات التجريب، والانفتاح على مشاكل الانسان والحياة، وتنوع الرؤى لعالم البادية داخل المنجز القصصي المغربي، في ظل واقع انساني متحول تعصر فيه العولمة والتكنولوجيا الذات البشرية وتفرغها من إنسانياتها، ثم تحدث عن حضور البادية في القصة المغربية من خلال مجموعتي "دخان الرماد" للقاص محمد الشايب و"خبز أسود خبز أبيض" للقاص محمد الحاضي، فقد جاءت البادية في المجموعة الأولى باعتباره فضاء مثاليا ورومانسيا مفقودا في عالم المدينة، في ظل طغيان العولمة وتشييئ الحياة الانسانية وتبخيس ما هو فني ومعرفي، في حين جاءت البادية في المجموعة الثانية باعتبارها عالما هامشيا يعج بالفقر والبؤس والتخلف والسذاجة وذلك من خلال اقتناص لقطات من حياة الانسان البدوي، وما يطال هذا المجتمع من هشاشة ونسيان في ظل التراتبية المجتمعية وتعسف المؤسسات. وقد تخللت فقرات الملتقى قراءات قصصية، شارك فيها أصوات قصصية لها صيتها في المشهد الثقافي وأخرى تتلمس خطواتها الأولى في المجال الإبداعي القصصي: أحمد بوزفور، إدريس الصغير، فاطمة الزهراء الرغيوي، محمد الشايب، عبد السلام الجباري، ربيعة عبد الكامل، عز الدين الماعزي، ليلى بارع، إدريس الواغيش، علي بنساعود، ليلى مهيدرة، فضيلة الوزاني، أبو الخير الناصري، مليكة صراري، حميد الراتي، محمد البغوري، مصطفى الموذن، رجاء خديري، سعيد بن سعيد، إبراهيم أبويه، صخر المهيف، عبد الهادي الفحيلي، أحمد شكر، محمد العتروس، محمد العياطي، محمد لغويبي، تريا بدوي، سعيد منتسب، محمد الحاضي، مصطفى أجماع، نورا الشباني. وحرصا من الجمعية على ترسيخ قيمة الإبداع وتنمية المهارات في الكتابة القصصية تم تنظيم ورشة تكوينية في جنس القصة لفائدة التلاميذ، أطرها الأستاذ عبد الغني عارف باسم "جمعية أجيال 21 للثقافة والمواطنة" بالمحمدية.