لاقت فرقة طنجة البهلوانية رواجاً كبيراً حينما قدمت أحدث عروضها «شوف وشوف» في مهرجان مدينة أفينيون (جنوبفرنسا) المسرحي الذي يعد من أهم المناسبات المسرحية عالمياً، وتترأس الفرقة سناء الكموني التي أسستها في عام 2003، مستعينة بفنانين خاضوا تجاربهم الأولى في دنيا السيرك. وهؤلاء ملمون بالحركات البهلوانية والرياضية وقادرون على المزج الماهر بين هذه الحركات بالتحديد وكيفية تقديم تمثيلية أمام الجمهور. وأدهشت الفرقة حضور المهرجان بقدرتها على اعتماد البساطة في ما تقدمه، وذلك منذ لحظة بدء دخول الجمهور إلى مكان العرض في الهواء الطلق. إذ سرعان ما شعر المتفرج بنوع من الاندماج مع أفراد الفرقة الذين يتدربون أمام عينيه ويبتسمون له ويجلسون ليرتاحوا ويشربوا الماء أو العصير قبل استعادة التمرينات، وذلك حتى بدء الاستعراض رسمياً عندها يتحول هؤلاء الهواة في المظهر إلى محترفين يمارسون أخطر الألعاب البهلوانية ويدفعون بأجسامهم الرياضية إلى أبعد الحدود الممكنة من أجل سرد حكاية عربية من أصل مغربي وتقديم الدليل على مستواهم الفني والرياضي القادر على منافسة أشهر الفرق العالمية في هذا الميدان. ويروي العرض الحياة الاجتماعية في المغرب بحسناتها وسيئاتها ويتناول وضع المرأة وكيان الرجل في الزمن الحالي وكيف يستغل الموظف رتبته من أجل أن يمارس سلطة ولو صغيرة على المواطن المحتاج إليه من أجل إتمام معاملة ما... وغيرها من التفاصيل الصغيرة التي تصنع حياة كل يوم في أي مجتمع والتي إذا ركبت بعضها مع بعض تتحول إلى سيناريو طويل ومثير للاهتمام لما يتميز به من وعي على واقع الناس اليومي. وتلخص ديكور العرض في مجموعة من البطاقات البريدية المتتالية المطروحة في شكل سينمائي فوق جدار ترمز إلى مناظر مختلفة من مدينة طنجة، بينما تأرجحت الموسيقى المصطحبة للحكاية المقدمة فوق المسرح بين إيقاع عربي تقليدي وآخر مستمد من موسيقى الراي. وأسندت الكموني الإخراج المسرحي إلى الثنائي السويسري مارتن زيمرمان وديميتري دو بيرو المتخصص في هذا اللون منذ سنوات طويلة، إلا أن الثنائي هنا بدى وكأنه كان في وضع من الخجل أمام الفرقة، فترك لها العنان لتقدم أفضل ما عندها على طريقتها، ما خفف من حدة تماسك الحبكة المقدمة، ولكنه أضاف إلى براعة الفنانين نبرة من الاستقلال الذاتي أفادت النتيجة النهائية بلا أدنى شك. وتعترف الكموني، وهي مديرة اتحاد المسارح في المغرب، بأنها أسست فرقة طنجة البهلوانية بهدف كسر الإطار التقليدي للفرق الاستعراضية في بلدها، وهي تعتبر أنها أنجزت هذه المهمة بنجاح. وتتكون الفرقة من عشرة رجال وامرأتين أكثرهم من عائلة حميش المتخصصة في ألعاب السيرك وصاحبة الخبرة الطويلة في هذا الميدان بما أنها تعود إلى سبعة أجيال إلى الوراء. وتلقت الفرقة عرضاً مغرياً بتقديم عرضها في حدائق «باليه روايال» الباريسية، وذلك في إطار مهرجان المسرح الصيفي السنوي. لكن الكموني طلبت من المخرج المسرحي الفرنسي أوريليان بوري تولي إدارة عرض «طاووب» في حلته الفرنسية المقبلة من بعد نجاحه الكبير فوق أحد أكبر مسارح برودواي في نيويورك حيث قدم لمدة شهر كامل عروضاً مختلفة في مدن مختلفة من العالم وفي حدائق المندوبية في طنجة والتي بلغ عددها الإجمالي 360 عرضاً. ولا شك في أن فرقة طنجة البهلوانية ستدهش الجمهور الفرنسي مرة جديدة بهذا العرض بعدما اكتشفها وأحبها وصفق لها طويلاً في مناسبة «شوف وشوف».