أتحدى أيا كان أن يأتيني بكاتب سيناريو واحد جيد في المغرب أخرج السينمائي المغربي محمد مفتكر شريطه السينمائي الطويل الثاني «جوق العميين»، في هذا الحوار يتحدث لبيان اليوم عن هذا الشريط الذي كان له هدف واحد من وراء إخراجه حسب قوله، هو أن «يغادر المتفرج المغربي قاعة العرض وهو فخور بممثليه، بسينماه، بثقافته، بماضيه، بتراثه، أن يخرج وهو متصالح مع هذه الأشياء..». كما يتحدث مفتكر في هذا الحوار عن موقفه من الدعم السينمائي والجوائز وقيمة الفيلم المغربي والعلاقة بين الأدب والسينما وغير ذلك من القضايا ذات الصلة بهذا القطاع الفني. جوق العميين هو ثاني فيلم سينمائي طويل في تجربتك السينمائية، ما هي خصوصيات هذا العمل؟ لكل تجربة خصوصيتها وظروفها، فبصفتي سينمائيا، أنا أشتغل دائما على الكتابة السينمائية وسرد الأفلام، جوق العميين يمكن اعتباره بالفعل ثاني فيلم سينمائي طويل أقوم بإخراجه وإنتاجه وكتابته كذلك، هذه تجربة مختلفة عن التجارب السابقة، لأن لها خصوصيتها، هذه الخصوصية تتمثل في محاولة الدفع بالسينما أكثر نحو مزيد من المغامرة الإبداعية، والرجوع إلى سيرة ذاتية تعاملت معها سينمائيا، ولكن أردت من خلال ذلك الخروج مما هو ذاتي إلى ما هو كوني. ولو أن العمل هو أوطوبيوغرافي، فقد حاولت من خلاله الانفتاح على عوالم أخرى وثقافات أخرى.. تم النظر إلى الحصيلة السينمائية لهذه السنة من خلال النقاش الذي يدور بين النقاد وغيرهم من المهتمين، بأنها دون مستوى التطلعات، ما هو تقييمك الخاص لهذه الحصيلة؟ أي إنتاج معين، نجد فيه ما هو جيد وما هو أسوأ، إقصاء الأسوأ بالنسبة إلي لا يطمئنني، لأن الأسوأ له كذلك مكانته، إذ لا يمكن لنا أن ننتج الجيد إذا لم يكن هناك ما هو سيئ، فمن الأخطاء نتعلم، ليس هناك انطلاقة إذا لم يكن هناك تعثر، السينما المغربية في اعتقادي لا تزال في طور التأسيس. كيف يمكن أن نحكم على فيلم سينمائي بأنه رديء أو غير رديء؟ أنا لا أتكلم عن الرداءة، السيئ ليس هو الرديء، الرديء هو شيء قدحي، في حين أن السيئ يمكن أن يكون أقل جودة، يمكن أن يكون عملا غير متكامل، يمكن أن يكون أحسن، لكن الفيلم الرديء يكون عرضة للمحاكمة، أنا لا أتكلم عن الرداءة، أنا أتعامل مع الفيلم السيئ باعتباره شيئا إيجابيا. لكن الفيلم السينمائي لا بد أن تتوفر فيه خصوصيات معينة تجعل منه عملا جيدا أو غير جيد، كيف تفصل في ذلك؟ الفيلم الجيد هو الذي يخاطبني على ثلاثة مستويات: يخاطب العقل والوجدان ويجعلني أفكر، وربما قد يشكل مرحلة حاسمة في حياتي، مشاهدة هذا الفيلم قد يكون منعطفا، هذا هو تعريفي لأي عمل جيد. لا يزال الفيلم السينمائي المغربي عاجزا عن منافسة الأفلام الأجنبية على الجوائز الكبرى، على سبيل المثال في دورات المهرجان الدولي للسينما بمراكش، لم يحدث أن نال فيلم مغربي الجائزة الكبرى، لماذا في رأيك؟ خطأ كبير نقع فيه، هو أننا نحكم على قيمة فيلم سينمائي ما انطلاقا من الجوائز التي يحصل عليها، هناك مجموعة من الأفلام في تاريخ السينما العالمية لم تحصل على جوائز قط، لكن أثبت الزمن أنها ذات قيمة عالية، الجوائز هي مسألة نسبية، تدخل فيها مجموعة من العوامل، ذاتية وموضوعية، سياسية، إلى غير ذلك، قد تعكس الجائزة جودة الفيلم، لكن لا يعني هذا أن الفيلم غير قابل للنقاش حول قيمته، وهذا ما أعيبه على النقاد والصحافيين حين يعتقدون أن الفيلم المغربي إذا لم يكن يحصل على الجوائز فهو أقل قيمة، لا بل هناك أشياء أخرى تتحكم في تلك النتيجة، السينما المغربية لا تزال فتية، و لا تزال في بدايتها ولا يمكن لنا أن نحاسبها، انطلاقا من الجوائز التي قد تحصل عليها وقد لا تحصل عليها. من الملاحظ أنك تكتب أفلامك بنفسك، ولا تتعامل مع الأدب المغربي، شأنك شأن معظم السينمائيين المغاربة، لماذا هذا التغاضي عن الرواية المغربية بالرغم من أن هناك نماذج عديدة منها تصلح لأن تحول إلى شاشة السينما؟ الأدب ليس هو السينما، السينما تتعامل مع الحكي بطريقة مختلفة عن الأدب، السينما لا تأخذ من الأدب إلا ما هو ليس أدبي، تأخذ الحركات وما إلى ذلك، وهذا اختصار للأدب، أعتقد أن مثل هذا السؤال لا نطرحه إلا في المغرب، جل المخرجين العالميين الذين نعترف بهم ونؤمن بسينماهم، هم يكتبون وينتجون أفلامهم، أنا لا أفهم لماذا نطرح في المغرب هذا السؤال على المخرج السينمائي، وأنا أتحدى أي صحافي وأي ناقد أن يأتيني بكاتب سيناريو واحد جيد في المغرب، لم نتعامل معه. من خلال قراءة في الحصيلة السينمائية لهذه السنة، يفرض سؤال المجتمع نفسه مرة أخرى، حيث أن العديد من الأفلام لا نجدها تعكس المجتمع المغربي، أين يكمن الخلل؟ هناك أفلام سينمائية مغربية من الصعب أن نقول إنها لا تعكس المجتمع، حتى لو لم يكن هذا هو الهم الأساسي لمخرجيها، ففي مشروعي السينمائي عندما قمت بإخراج فيلم جوق العميين، كان لي هدف واحد، هو أن يخرج المتفرج المغربي من قاعة العرض وهو فخور بممثليه بسينماه بثقافته بماضيه بتراثه، وأن يخرج وهو متصالح مع هذه الأشياء بشكل إيجابي، إلى أي حد نجحت في هذه التجربة؟ لا أعرف، ولكن أعتقد أن الفيلم يجب أن يعكس ثقافته، أن يكون محليا، وفي نفس الوقت منفتحا على العالمية. سنة بعد أخرى، يتم مراكمة الإنتاج السينمائي، وهذا يفرض علينا طرح السؤال الآتي: إلى أين يسير الفيلم السينمائي المغربي؟ هناك أفلام تحاول، ليس كل الأفلام بطبيعة الحال، قد تفشل وربما تحاول مرة أخرى، وهكذا.. حاليا ننتج خمسا وعشرين فيلما سينمائيا طويلا سنويا، لكن خمسة بينها هي التي قد تتوفر فيها نسبة من الجودة، والبعض الآخر متوسط، وما تبقى أقل جودة. هل يجوز لنا بعد هذا المسار الذي قطعته السينما في المغرب، الحديث عن مدرسة مغربية أو اتجاه مغربي على غرار تجارب في بلدان أخرى صارت معروفة ولها بصمتها الخاصة التي تدل على البلد الذي تنتمي إليه؟ أنا ضد المدرسة في السينما، الفن لا يتم من هذا المنطلق، أن أقول إنني أنتمي إلى المدرسة الإيطالية أو المدرسة الإنجليزية، أو المدرسة الأمريكية.. أو التيار السوريالي.. لا، كل فيلم سينمائي يفرض إيقاعه وزاوية تناوله، وقد تختلط مجموعة من المدارس في فيلم واحد، نحن لا نسعى إلى تأسيس مدرسة مغربية معينة، نحن نسعى إلى الصدق في الطرح الموضوعي والجمالي. يجري النقاش حول تطوير آليات دعم الإنتاج السينمائي المغربي، كيف ينبغي في نظرك أن يتم توجيه الدعم لهذا لفيلم أو ذاك و حرمان آخر منه؟ الدعم السينمائي يجب أن يتشكل داخل سياسة معينة، وأن لا نركز مثلا على السيناريو، بمعنى أن يتم العمل على دعم الفيلم بالارتكاز على قيمة السيناريو، بل يجب الاعتماد بالإضافة إلى السيناريو، على مجموعة من العناصر: على شركة الإنتاج، على مسار المخرج، هل له رؤية سينمائية، إلى غير ذلك، وأعتقد أنه يجب كذلك أن نحاسب المخرج أو الممثل، علينا أن نحاسب التجارب الفاشلة، وأن لا تغمض لجنة الدعم عينيها عليها وتدعمها مرة أخرى، يمكن على الأقل توجيه تحذيرات لأصحابها، من الواجب أن تكون هناك متابعة للأفلام التي تنال الدعم من طرف الدولة. ما هي نظرتك المستقبلية للسينما المغربية خصوصا في ظل تعدد وسائط الاتصال؟ السينما المغربية لا يصنعها فقط السينمائي، بل يصنعها الناقد والصحافي وغيرهما من الفاعلين في هذا القطاع، هي رغبة مجتمع، حين تكون هناك رغبة معينة، فإن السينما ستذهب بعيدا، إذا كانت هذه السينما ثانوية مهمشة، فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة.