قال متابعون للشأن السعودي إن التعديل الذي أعلن عنه الملك سلمان بن عبد العزيز يهدف إلى ترتيب البيت الداخلي في المملكة بما يتماشى والدور الإقليمي الجديد الذي أصبحت تلعبه خاصة بعد التدخل العسكري في اليمن. وأشاروا إلى أن الملك سلمان، الذي عمل منذ توليه الحكم في يناير الماضي، على أن تستعيد المملكة دورها الحيوي إقليميا بدأ بتعديلات أولى ثم ثانية وقد لا تتوقف سلسلة التعديلات، والهدف هو ترسيخ أسس الدولة بجيل حازم يواصل المسيرة في منطقة متغيرة، وفي ظل رغبة منه في أن تقوم السعودية بدورها لمواجهة التمدد الإيراني ولبناء علاقة متوازنة تقوم على المصالح المتبادلة مع الدول الكبرى وخاصة الولاياتالمتحدة. وعين الملك سلمان ابن شقيقه الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية وليا للعهد، وهو الشخصية التي توصف بأنها الماسكة بالملفات الأمنية وخاصة معرفته بالملفين اليمني والسوري وبالشبكات المتشددة للقاعدة وداعش. وكان صعوده إلى ولاية العهد أمرا متوقعا في أوساط سعودية كثيرة. وولي العهد الجديد يشغل منصب وزير الداخلية منذ عام 2012 وقاد قوات الأمن في المملكة لعشر سنوات قبل ذلك وهي فترة قمع خلالها حملة لتنظيم القاعدة في السعودية. وامتدح مسؤولون أميركيون في أحاديثهم الخاصة التي سربها موقع ويكيليكس الأمير محمد بن نايف لدوره في القضاء على جناح القاعدة في المملكة قبل عشر سنوات والعمل معهم ضد المتشددين في اليمن وأماكن أخرى. وعين الملك سلمان ابنه الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد وأبقاه وزيرا للدفاع، وهو الذي أشرف بشكل مباشر على معركة عاصفة الحزم التي يرى خبراء ومحللون أنها أعادت المملكة إلى الواجهة ورسخت دورها كرقم مهم في قضايا المنطقة سواء في اليمن أو سوريا. والتحرك الجديد في اليمن الذي يربط كثيرون بينه وبين الأمير محمد بن نايف والأمير محمد بن سلمان يراه كثير من المحللين انعكاسا لنهج أكثر قوة للسياسة الخارجية السعودية تحت قيادة الملك سلمان وفريقه. وأعفى العاهل السعودي وزير الخارجية المخضرم الأمير سعود الفيصل من منصبه الذي يشغله منذ أكتوبر عام 1975 وعين عادل الجبير سفير السعودية لدى الولاياتالمتحدة وزيرا للخارجية وهو ثاني شخص من خارج الأسرة الحاكمة يشغل هذا المنصب بعد إبراهيم السويل الذي شغل المنصب في بداية الستينات من القرن الماضي. ويعطي هذا التغيير الفرصة للدبلوماسية السعودية كي تطور علاقاتها على ضوء ما يستدعيه الدور الجديد للمملكة في مواجهة التمدد الإيراني، وخاصة على ضوء ما يبدو من تقارب بين طهرانوواشنطن. والجبير صاحب التعابير الهادئة الذي يظهر باللباس الغربي في أكثر الأحيان من العارفين ببواطن المشهد الدبلوماسي في واشنطن، ودأبت وسائل الإعلام الأميركية على وصفه بأنه "العقل المدبر للعلاقات العامة" لدى المملكة. ووصف كريستيان كوتيس، الباحث في معهد بيكر لدراسات الشرق الأوسط التغييرات في قمة القيادة السعودية بأنها "خطوة جوهرية لتنحية الحرس القديم، وإشارة تعكس نوايا الملك سلمان لإسراع المرحلة الانتقالية أمام جيل جديد من القادة". ويرى الملك سلمان أن بلاده تحتاج إلى الشباب في منطقة يعصف بها صراع القوى الإقليمية وتحاول إيران فرض هيمنة على مقدراتها. ويرى فهد الناظر، المحلل في شؤون الإرهاب في مركز "جيه تي جي" أن الملك سلمان بن عبدالعزيز "يريد ضخ دماء جديدة في مراكز القيادة العليا في نفس الوقت الذي مازال يحافظ فيه على بعض المخضرمين أيضا". وأضاف الناظر الذي عمل في السابق محللا سياسيا في السفارة السعودية في واشنطن "الملك يتفهم أن هناك فجوة أجيال بين القيادة السعودية والغالبية العظمى من الشعب". ووصف الكاتب السعودي خالد المعينة التغييرات الجديدة في المملكة بأنها "تجديد ونقل للحكم إلى الجيل الثاني والثالث في العائلة المالكة"، مضيفا أن "العالم تغير (...) التحديات الجديدة تحتاج إلى دماء ومواهب جديدة". واختيار الأمير محمد بن سلمان الذي لطالما عمل مع والده واكتسب خبرة كبيرة في الحكم، لشغل منصب ولي ولي العهد لم يكن مفاجئا. وشمل التعديل أيضا القطاع النفطي الشديد الأثر على الأسواق المالية نظرا لأن السعودية هي أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم ولها دور مهيمن على إمدادات المعروض العالمية. ولم يتم تعيين رئيس تنفيذي جديد لأرامكو لكن محللين قالوا إنه من غير المحتمل أن تتغير سياستها النفطية. وتضمن المرسوم الملكي تعيين الفالح وزيرا جديدا للصحة.