حذر خبراء دوليون من أنّ النفايات الإلكترونية المنتجة في بعض البلدان قد تزداد حتى 500 بالمئة، خلال السنوات العشر المقبلة، ومن شأن النمو السريع لهذه النفايات أن يخلق مشاكل لصحة الناس وللبيئة تصعب معالجتها عندما تتحلّل تلك المخلّفات، لا سيما أنّ الكثير منها يحتوي مواد سامّة. لم تستطع عدد من الاتفاقيات الدولية، الخاصة بمنع التخلص العشوائي من النفايات الإلكترونية، أن تحدّ من مشكلة بيئية أخذت في التفاقم مع استعمال بلايين الناس إلكترونيات متطوّرة، ثمّ التخلّص منها في اتجاه فقراء العالم. وتشهد مشكلة النفايات الإلكترونيّة حدّة خاصة في كلّ من الصين والهند وغرب أفريقيا، التي تصدِّر إليها البلدان الغربية المتقدمة نفايات إلكترونية تأتي بها السفن بشكل غير مشروع، ويتولّى مواطنون فقراء، بينهم أطفال، تفكيكها بشكل غير مأمون لاستعادة مواد ثمينة يمكنهم بيعها. ويدعو خبراء الإلكترونيات والبيئة إلى اعتماد خطط وطنية سليمة لجمع النفايات الإلكترونية وإعادة تدويرها من أجل استعادة المواد الثمينة وحماية الصحة والبيئة. الحل في إعادة التدوير وجاء في دراسة للأمم المتحدة، نشرت الأحد، أن الولاياتالمتحدةوالصين ساهمتا أكثر من أي دول أخرى في النفايات الإلكترونية مثل الهواتف الخلوية ومجففات الشعر والبرادات (الثلاجات) عام 2014، مشيرة إلى أنّ أقل من سدس هذه المخلفات يخضع لإعادة تدوير في جميع أنحاء العالم. وقالت جامعة البلدان المتحدة إن العالم تخلص في الإجمال عام 2014 من 41.8 مليون طن من النفايات الإلكترونية التي تشمل أي جهاز له سلك كهربائي أو بطارية، وأن حجم إعادة التدوير 6.5 مليون طن تقريبا فقط. وأشار ديفيد مالون، رئيس جامعة البلدان المتحدة وأحد مساعدي الأمين العام، "تشكل النفايات الإلكترونية في جميع أنحاء العالم منجما حضريا قيما واحتياطيا كبيرا محتملا للمواد القابلة لإعادة التدوير". وقدّر التقرير قيمة المواد التي تمّ التخلص منها ومن بينها الذهب والنحاس والحديد والفضة بنحو 52 مليار دولار. وفي 2013، كان مجموع النفايات الإلكترونية 39.8 مليون طن، وبالإحصائيات الحالية، يمكن الوصول إلى 50 مليون طن في عام 2018. وتصدّرت النرويج قائمة إنتاج الفرد من النفايات، العام الماضي، بإنتاج 28.4 كيلوغرام للفرد الواحد. وتلتها سويسرا 26.3 كغ للفرد الواحد، وأيسلندا 26.1 كغ، ودنمارك 24 كغ، وبريطانيا 23.5 كغ، وهولندا 23.4 كغ والسويد 22.3 كغ، وفرنسا 22.2 كغ والولاياتالمتحدة الأميركية والنمسا 22.1 كغ للشخص الواحد لكل منهما. في المقابل، تحظى أفريقيا بأقل نسبة إنتاج من النفايات الإلكترونية للفرد ب1.7 كيلوغرامات للشخص الواحد، ولا تنتج سوى ما مجموعه 1.9 مليون طن من النفايات. وهو ما يعكس أيضا تخلّفها عن الدول الأخرى في حجم تصنيع الإلكترونيّات رغم أنّها تعدّ أكثر منطقة تستورد تلك النفايات الخطرة. ومن حيث الحجم، تتصدر كل من الولاياتالمتحدةوالصين إنتاج معظم النفايات، لا سيما أنهما تمثلان معا 32 بالمئة من إجمالي سكان العالم، تليهما اليابان وألمانيا والهند في حجم تصدير تلك النفايات. وذكر باحثون أنه من المجدي اقتصاديا استعادة المعادن التي تحتوي عليها الأجهزة الإلكترونية المهملة في الكثير من الأحوال، فهي تشمل 16.5 مليون طن من الحديد و1.9 مليون طن من النحاس فضلا عن 300 طن من الذهب. وقدرت قيمة كمية الذهب المهملة بنحو 11.2 مليار دولار في ظلّ استخدام هذا المعدن الثمين في الأجهزة الكهربائية كونه ناقلا جيدا للكهرباء وغير قابل للتآكل. مع ذلك نبّه مالون إلى أن "المواد الخطرة التي تحتوي عليها النفايات الإلكترونية تمثل منجما ساما يجب التعامل معه بأقصى درجات العناية"، في إشارة إلى مكونات مثل الرصاص والزئبق. ورجح التقرير ارتفاع الحجم العالمي للنفايات الإلكترونية بنسبة تفوق 20 بالمئة على مستوى العالم أي ما يعادل 50 طنا في عام 2018، جرّاء ارتفاع المبيعات وقصر أعمار المعدات الإلكترونية. واعتبر الخبراء الذين أعدّوا التقرير أنّ تطوير برامج وطنية فعّالة لإعادة التدوير عملية معقدة، مستبعدين نجاح تمويل وتحويل معدات وتكنولوجيات عالية التقنية من البلدان المتقدمة. وتفتقر الصين إلى شبكة شاملة لجمع النفايات الإلكترونية، فضلا عن المنافسة الرخيصة من القطاع غير الرسمي، ما عرقل إنشاء مصانع متطوّرة لإعادة تدويرها. وفي المقابل، نجح مشروع تجريبي في بنغالور بالهند في تحسين عمليات جمع النفايات الإلكترونية وإدارتها والتصرّف فيها. واستنتج التقرير أن لدى البرازيل وكولومبيا والمكسيك والمغرب وجنوب أفريقيا إمكانات كبيرة لاعتماد تكنولوجيات متطورة لإعادة تدوير النفايات الإلكترونية، لأن القطاع غير الرسمي لهذه النفايات صغير نسبيا في هذه البلدان. ولدى كينيا والبيرو والسنغال وأوغندا حاليا أحجام منخفضة نسبيا من النفايات الإلكترونية، لكن يحتمل أن تزداد. وسوف تستفيد هذه البلدان الأربعة من بناء القدرات في ما يدعى "تكنولوجيات ما قبل المعالجة"، مثل التفكيك اليدوي. ونصح الخبراء جميع البلدان بإقامة "مراكز متفوقة" لإدارة النفايات الإلكترونية، بالبناء على مؤسسات قائمة تعمل في مجال إعادة التدوير وإدارة النفايات. وتشمل هذه المؤسسات تلك التي تدعمها الأممالمتحدة، بما في ذلك أكثر من 40 مركزا وطنيا للإنتاج الأنظف أسستها منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)، والمراكز الإقليمية التي تأسست بموجب اتفاقية بازل للتحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها. النموذج السويسري تعدّ سويسرا من البلدان الرائدة في مجال إعادة تدوير النفايات الإلكترونية، فقد تمكّنت من استباق المشكلة. ومنذ عام 1991، وقبل أن يتدخّل المشرع في هذا الشأن، أنشأت الشركات الصناعية وشركات التوزيع أنظمة لإعادة تدوير المنتجات الإلكترونية، بدءا بالثلاجات ثم الآلات الأخرى. وكان من المنطقي إذن أن يفيد السويسريون دولا أخرى بتجربتهم: فمنذ أربعة أعوام، تشارك المؤسسة الفدرالية السويسرية للأبحاث والفحوصات على المواد "إيمبا" في ثلاثة مشاريع في كل من الصين وجنوب أفريقيا والهند. ويهتم رولف فيدمير، الخبير في مؤسسة إيمبا، بإنشاء نظام لإعادة التدوير في "المدينة الإلكترونية" لبانغالور الهندية، وهي عبارة عن مجمع يضم 150 شركة تشغل زهاء 70 ألف شخص. ويقول فيدمير "من المهم جدا بالنسبة لنا متابعة ما ينجزه في القطاع غير الرسمي. فهنالك أشياء يقوم بها الهنود بشكل جيد جدا، مثل تجميع النفايات من أبواب المنازل، وتفكيك الأجهزة باليد". ويحذر فيدمير من بعض المخاطر، مشيرا إلى أن "طريقتهم لاستعادة المعادن غير فعالة وخطيرة في الآن نفسه، لذلك لا نشجعهم عليها، لكن هذا لا يكفي إذ يجب أن نعرض عليهم أسلوبا بديلا". ويتمثل البديل في توفير معمل لإعادة تدوير الأجهزة الإلكترونية، حاصل على اعتراف الحكومة، ويتيح للعمال في القطاع غير الرسمي بيع القطع التي لا يمكنهم معالجتها بأنفسهم. وهو "نموذج سيجد فيه كل واحد مكانه"، حسب تعبير رولف فيدمير. وتعمل مؤسسة إيمبا وشركاؤها حاليا على تجميع العناصر الكفيلة بتوفير هذا النموذج الذي قد يعرض لاحقا على مدن هندية أخرى. أما مبادرة القطاع الخاص السويسري، فتحمل اسم "سوليداركوم"، وهو نظام لتجميع الهواتف النقالة المستعملة التي يمكن أن تستكمل حياتها في أحد بلدان القارة السمراء أو آسيا أو أوروبا الشرقية. في هذا السياق، يقول جون لوك بيتي، الأمين العام للفرع السويسري لمنظمة أرض البشر، أحد شركاء العملية، "في عين المكان، يعرضون بديلا ممتازا للهواتف المقلدة البراقة التي ستتعطل أو تتوقف بطارياتها عن العمل بعد بضعة أشهر". لكن فور بيع هذه الهواتف، تفقد منظمة أرض البشر السيطرة على ما سيحلّ بها عندما تتوقف عن العمل. تبييض النفايات بالتبرع ويكشف خبراء أنّ هناك العديد من المنظمات ضالعة في تصدير تلك النفايات، بما تحويه من مواد خطرة، إلى البلدان الفقيرة، متخفيّة تحت شعار "التبرّع" بالإلكترونيّات لمن يحتاجها وتعوزه الإمكانيّات لاقتنائها بأسعار السوق. ومن ثمّة يتم تبييض عمليّة تصدير النفايات تحت غطاء العمل الخيري. وحسب تقرير الأممالمتحدة، فإنّه خلافا لبعض منظمات التبرّع التي تخفي في الواقع عمليات تصدير غير شرعي للنفايات الإلكترونية، لا ترسل سوليداركوم سوى هواتف نقالة تعمل على أكمل وجه وذات جودة جيدة. وقد تحالفت المنظمة في واغادوغو مع منظمة غير حكومية محلية توزّع هواتف سوليداركوم وتعرض على المستهلك استعادة البطاريات، مقابل مبلغ أكثر من رمزي بقليل. وإلى حد الآن، تخزّن هذه البطاريات لأن بوركينا فاسو لا تتوفر على معمل لإعادة تدوير القطع الإلكترونية. ويوضح بيتي في هذا الصدد أن مساهمتهم لا تعد "سوى مشروع تجريبي، فنحن ننطلق في هذا العمل بشكل متواضع جدا، لكن الفكرة هي إظهار أنّ هذا شيء ممكن". ومع ذلك فإنّ هذا التحرّك كان يفترض أن يكون ممكنا منذ عام 1989، وهو تاريخ توقيع معاهدة بازل التي تحمّل كلّ بلد مسؤولية إدارة نفاياته الخاصة، وتحظر تصديرها دون موافقة مسبقة من الدولة المستقبلة، غير أنّ نص هذه الاتفاقية -التي لم توقعها الولاياتالمتحدة- لم يمنع أبدا ترحال النفايات السامة، دائما انطلاقا من الشمال إلى الجنوب، وأكثر فأكثر باتجاه الصين. ومن هذا المنطلق، جاء إطلاق مبادرة مشتركة بين الأممالمتحدة وعدد من الشركات العملاقة في قطاع الصناعة الإلكترونية. ويقول رولف فيدمر الذي يدير مجموعة العمل الخاصة ب"إعادة التدوير" ضمن هذه المبادرة: "نحن ناد يطور مشاريع بحث للإجابة على الأسئلة الحارقة. ففي صفوف الصناعيين، نشعر بأن هنالك من يوجدون هنا لمجرد الحضور، لكن هنالك آخرين يعملون بصدق حقا". هل هم صادقون لدرجة الرغبة في إحداث تغيير؟، يجيب رولف فيدمير "إن محاورينا يعملون في أقسام ‘البيئة' في تلك الشركات متعددة الجنسيات، ونحن نتفاهم معهم ونتحدث نفس اللغة، لكنهم بالتأكيد ليسوا سوى صوت يعمل ضمن آلة كبرى". رغم ذلك يظل الباحث السويسري متفائلا نسبيا، إذ يعتقد أنه بمقدور الخبراء البيئيين التابعين للشركات متعددة الجنسيات أن يظهروا لإداراتهم أنّ التدبير الصحيح للنفايات الإلكترونية فعّال، ومربح أيضا، إذن نعم ستنتهي الأمور إلى حدوث تغيير، حسب ما ذهب إليه.