لوحاتي تؤرخ لحقب تاريخية مهمة من تاريخ المغرب يستلهم الفنان التشكيلي المغربي صلاح الدين الطوبي جل لوحاته من الواقع المغربي، عكس ما يفعله العديد من الفنانين التشكيليين الذين اختاروا عوالم أخرى لاستلهام لوحاتهم، فلوحاته الرائعة بحق تحملك إلى أمكنة وأزمنة مغربية متعددة، « كناوة بالصويرة ، الغزل بالرشيدية الأبواب بفاس ... «. التقيناه على هامش حفل افتتاح معرضه الأخير برواق «النادرة» بالعاصمة الرباط، وفتح لنا عوالمه الفنية عبر نوافذ متعددة مفعمة بالأحاسيس المرهفة والجميلة. ما هي أهم الدروب التي أوصلتك إلى الفن التشكيلي؟ كانت لقاءاتي الأولى مع الفن التشكيلي في المدرسة؛ حيث توطدت هذه العلاقة الحميمية بالثانوي في مرحلة الستينيات، لأن مادة الرسم وكذا الموسيقى كانتا تلقنان ضمن المواد المقررة الرسمية (إجبارية)، ومع توالي السنوات، وأثناء دراستي الأكاديمية في الطب وجدت نفسي منجذبا أكثر نحو الفنون التشكيلية، ومن هنا كان الاستمتاع بزيارة معارض الفن التشكيلي، الشيء الذي مكنني من ربط الاتصال ببعض مدارس هذا الفن الراقي. أما بخصوص مسك الريشة فقد جاء تدريجيا من خلال بعض الأصدقاء من الفنانين مغاربة وأجانب. وكانت الانطلاقة الفعلية من خلال مشاركتي في فعاليات أسبوع الفن التشكيلي الفرنسي / المغربي، الذي نظم بالرباط العاصمة تحت إشراف جمعية رباط الفتح برواق الباب الكبير بالأوداية، وشارك فيه فنانون مغاربة وفرنسيون سنة 1995. هذه التجربة الغنية مكنتني من كسب خبرات في الميدان وأطلع من خلالها على أعمال متميزة ورائدة ساعدتني على صقل موهبتي وتطوير أسلوب اشتغالي. ما الذي تريد طرحه من خلال لوحاتك في معرضك الحالي برواق "النادرة"؟ في هذا المعرض يتوزع الاهتمام بين الواقع كالاهتمام بالمرأة المغربية من خلال اللباس وبعض المهن التقليدية ( الغزل، الزربية، الحيك ... )، والفن التقليدي المعماري المغربي كالأبواب والأزقة بالمدن العتيقة.. التي تؤرخ لحقب تاريخية مهمة في تاريخ المغرب، وكذا الطبيعة وغيرها من التيمات المهمة التي تعكس غنى الموروث الثقافي المغربي، والحضارة الإنسانية العميقة من حيث الدلالات والمعاني. والمعرض أعتبره عودة قوية بعصارات وتجارب جديدة ومتفردة. هل ترى أن هناك ارتباطا وثيقا بين اختصاصك كطبيب والفن التشكيلي؟ الطب في حد ذاته فن جميل، هكذا تجدني بعد أيام طويلة ومضنية / شاقة من العمل أبحث عن لحظات عشق باذخة، أجدها في مرسمي، حيث الصباغة والفرشاة والبياض، يمنحني الدفء ويسافر بي إلى عالم الإبداع الراقي الذي يحضن صراخي العنيف للذات المبدعة التي تترجم في لوحاتي. طريقة المشاهد / المتلقي للوحاتك في رؤية اللوحة هي الفحص والتأمل. كيف تتجسد لغة التواصل بين رؤية الفنان ورؤية المشاهد؟ أنا أحاول أن أجعل لوحاتي تخاطب ذكاء المتأمل ... سواء كان إنسانا عاديا أو فنانا، وهو ما يتيح لكل أن يحلل تجاويفها بطريقته الخاصة، وحسب هويته وتراكماته وأيضا تجربته الإنسانية، وعلى العموم فالنظرة هي التي تحدد قراءة اللوحة ومن هنا تتعدد القراءة بتعدد نوعية المتلقي. هذا يصح دائما على مستوى الفن التجريدي، وبالرغم من كوني لا أثق دائما في العين الناقدة، فإنني أقر أن الفن إحساس داخلي عميق من دون شك، وعليه يصعب تقييمه دون التوغل في تجاويف إحساسات المبدع. انجازك للأعمال الفنية، هل تسبقها مرحلة التخطيط أم هي حالة انفعالية تدفعك إلى الولادة ؟ بمعنى آخر كيف تبني لوحتك الفنية؟ كل لوحاتي تأتي مرة واحدة، على الأقل المعروضة حاليا، هذا لا يعني أنها رسمت بخبطة واحدة، فأنا أرسم وأعيد وأزيد، وبعد تفكير وتمحيص كما أسلفت، تتواتر الأفكار والمعاني، ولكن الفكرة المؤطرة تأتي كما قلت مرة واحدة. ولا أخفيك القول، أن اللوحة في بعض الأحيان تأتي لوحدها، وتأخذ طريقها الذي يصعب علي التحكم فيه، إنها المغامرة الفنية بكل معانيها وتداعياتها، لكل هاته الأسباب، أخذ مني إبداع هذه اللوحات وقتا طويلا ( ستون لوحة في عشرين سنة ). كما أنه لابد من التأكيد على أن البحث مهم في التشكيل، وهو يستغرق وقتا طويلا أيضا بالنسبة لي على وجه الخصوص، وعامة أبدأ الرسم الأولي، أخضع المحاولات الآتية لعدة تصحيحات حتى أحصل على النتائج المرجوة.