تسليط الضوء على مرحلة تؤرخ للحظة عظيمة من صفحات أمجاد المنطقة نظمت جمعية الأطلس لشرفاء سيدي علي بن ابراهيم بمقر الزاوية ببني عياط باقليم أزيلال، يوم السبت الماضي، ندوة فكرية بمناسبة حلول الذكرى102 لمعركة سيدي علي بن ابراهيم الخالدة، تحت عنوان: دور الحركة الوطنية في نشر الوعي الوطني (المؤسسة الملكية - رواد الحركة الوطنية - أعضاء المقاومة وجيش التحرير- معركة سيدي علي بن إبراهيم نموذجا). الندوة، استهلت بكلمة افتتاحية للشيخ محمد البوعزاوي، رئيس جمعية الأطلس لشرفاء سيدي علي بن إبراهيم، قال فيها إن الهدف من تخليد الذكرى الثانية لمائة سنة وسنتين (1913-2015 )هو تحيين هذا الحدث سنويا وتسليط الضوء على مرحلة تاريخية، تؤرخ للحظة عظيمة من صفحات أمجاد المغرب عامة وبني عياط خاصة..، لحظة سجل فيها المجاهدون بدمائهم وتضحياتهم تاريخ مقاومة بطولية تُعبّر، وبشهادة المستعمر الغاشم، عن أعنف المعارك التي خاضتها قوات جيوش المستعمر الفرنسي في غزو المغرب، والتي تجرعت خلالها مرارة الهزيمة على يد المقاومين من أبناء المنطقة بدعم لا مشروط من قبائل ايت عتاب، أيت بوزيد، ايت عطا، ايت نتيفا، وغيرها من القبائل المجاورة لهذه الزاوية العريقة بتاريخها، والأصيلة في مبادئها والمتشبعة بروح الإسلام . اما كلمة المعطي حدادي، ممثل النيابة الإقليمية لقدماء المقاومة وأعضاء جيش التحرير، فقد أكد على أن إحياء ذكرى هذه المعركة الشهيرة، هو مسعى يتغيى ربط الماضي بالحاضر، والوقوف على تاريخ المغاربة المجيد الذي لم يتوان في الحفاظ على استقرار المغرب والذود عن وحدته أمام كافة الأطماع الأجنبية، وقال إن مسؤولياتنا اليوم تقتضي الحفاظ على هذا التاريخ ونقله إلى الأجيال الحاضرة في سبيل الحفاظ على الذاكرة التاريخية الوطنية والائتمان على الموروث الحضاري للمنطقة، ومن أجل التأريخ لهذه المشاهد الدرامية البطولية، حيث أبان أبناء قبائل ايت عياض وايت عتاب وايت بوزيد وايت عطا نومالو وانتيفا..، عن بسالتهم في مواجهة المستعمر الفرنسي، منذ أن وطأت قدماه منطقة البروج، مثلما تشهد على ذلك معارك» العين الزركة وأولاد زيدوح وسيدي صالح. الحدادي، أكد أيضا على أن فشل المستعمر الذي تجاوز عدده 5000 جندي مدعم بأحدث الأسلحة، في كبح جماح أبناء المنطقة الأشاوس على مدى ثلاثة أيام (27 و28 و29) يعود الى إيمان القبائل المقاومة بعدالة قضيتهم، وتمسكهم المتين بقيمهم الوطنية ومبادئهم الدينية٬ وتشبثهم بوحدة الصف بدعم من شيخ الزاوية سيدي علي بن ابراهيم . من جانبه تطرق ذ محمد خويا، ممثل الفضاء التربوي والمتحفي للمقاومة وجيش التحرير بأزيلال، إلى معارك سيدي علي بن إبراهيم ببني اعياط بين استراتيجيات الاحتلال الفرنسي وبسالة المقاومة، لمجموعة من الخطط الاستباقية لمواجهة الاستعمار، كما فعل إبان احتلال الجزائر كالتعرف على المجال وتوظيف البحث العلمي وسن سياسة استمالة الزعماء المحليين وضرب اللف باللف. وعن حضور المرأة في المقاومة، أكدت المتدخلة «لالّة فاطمة الزهراء» ممثلة الشريفات لجهة تادلة ازيلال على أن معركة سيدي علي بن ابراهيم، عرفت مشاركة فعالة للمرأة عبر حضورها القوي إلى جانب الرجل في المعارك، وذلك من خلال ملء البنادق بالرصاص وصنع القنابل اليدوية ومساعدة الرجال على تنفيذ مخططاتهم الفدائية، والتجسس على المستعمر في زي رجل زيادة على أنها كانت تساعد الجرحى، وتعمل على تطبيبهم وإسعافهم بعيدا عن ساحة المعركة ناقلة للسلاح والمعلومات حينا وموفرة للمؤونة و الملجأ أحيانا أخرى.. أما الأستاذ الباحث في التراث القديم عادل علاوي، فقد استهل حديثه بمقولة «إذا كانت بلاد المشرق هي بلاد الرسل والأنبياء، فإن بلاد المغرب هي أرض الصالحين والأولياء». وهي المقولة التي يقول لم تولد من فراغ، وإنما كانت لها مبرراتها وبراهينها الواقعية والموضوعية المتمثلة أساسا في أركيولوجيا الزوايا والرباطات والأضرحة والمشاهد والمزارات التي تؤرخ للأولياء في المغرب، ودور الزوايا عموما في محاربة الاستعمار الأجنبي، ومنها زاوية «سلطان العابدين» سيدي علي بن إبراهيم. وأشار العلاوي، إلى أن الزاوية المغربية، هي مؤسسة دينية وعلمية واجتماعية، تبلورت أنشطتها وخصوصياتها منذ القرن 8 /14م، ثم توسع نشاطها وتجذّر داخل المجتمع المغربي مما جعلها تساهم في مختلف اهتماماته المادية والمعنوية بل والتعبير عنها بكل صدق وموضوعية، ولاشك أن من أهم تلك المهام وأنبلها، ما قامت به الزاوية المغربية من تدعيم وترسيخ للثقافة الإسلامية الصحيحة والأصيلة، سواء تعلق الأمر بالمعتقدات أو الفقهيات أو التربية الصوفية، ذلك أنها في كل تلك المهام، ظلت تستمد أصولها ومنابعها من الكتاب والسنة والسلف الصالح. وقال العلاوي، إن الزاوية، كانت في الأصل مدرسة ومقر إسترشاد ومستودعا مؤمنا ومحلا لإطعام الطعام وملجأ أمان. بيد أن هذه الوظائف، وبقدر ما كانت تعبر عن أدوار محددة بقدر ما كانت تخفي في طياتها أسرار تطور الزاوية وتفاعلها مع المجتمع والسلطة على حد سواء. كما أن تلك الوظائف لم تكتسب قيمتها الفعلية إلا حين تمكنت الزاوية من تقوية رساميل رمزية وسلطات معنوية، وسعت من نفوذها وأدوارها داخل المجتمع وهو ما وفر لها مسؤوليات دنيوية ودينية. وخلص المتحدث إلى أن الزاوية من خلال مختلف أنشطتها، مثلت خليّة حيّة نشطت عبر مختلف أطوار التاريخ في لحم عناصر المجتمع وجمع شتاته، حول قيمته ومثله وحول قيادته السياسية والدينية، ولم تكن عنصر تفتيت كما زعمت الكتابات الأجنبية. وأكد على أن تمثل الزاوية المغربية للمذهب السنّي، لم يكن أكثر من انعكاس لتطلعات وغيرة الشعب المغربي على دينه ووحدته وحضارته وأرضه ومقدساته التي لم يبغ عنها بديلا، ولذلك اعتبرت الزاوية المغربية والتصوف المغربي في سنيته والتزامه وطابعه العملي البعيد عن التفلسف، انعكاسا صريحا لهذا المجتمع واستجابة حتمية لخصوصياته.