احتفلت الدورة الرابعة لصالون أسماء للثقافة والفنون بأكادير السبت 04 أبريل 2015 باليوم العالمي للمسرح حيث كرمت الفنان المسرحي عبد الحق الزروالي بحضور نخبة من المثقفين والمبدعين والمهتمين بالميدان الثقافي من مدينة أكادير ومن مدن أخرى.. وقد تميز هذا اللقاء بحضور ضيف الشرف الموسيقار الكبير سعيد الشرايبي الذي وقع ألبومه الموسيقي الجديد «مولد». كما أتاح للحضور فرصة الاستمتاع بسمر مسرحي موسيقي غنائي شاعري تناغمت فيه إشراقات إبداعية كان لها صدى قوي مطبوع بالحميمية والصدق في الإبداع وارتقت فيه قابلية الإنصات والاستمتاع إلى حد النشوة. كما تميز اللقاء بمشاركة الحضور من خلال مداخلاتهم وأسئلتهم العميقة. الدكتور عز الدين بونيت قدم ورقة في التجربة الحياتية والفنية لعبد الحق الزروالي، كما قدم الأستاذ الإعلامي حسن بنمنصور الموسيقار سعيد الشرايبي أبرز من خلالها أبعاد الاشتغال على آلة العود والترنيمات اللحنية، فيما شاركت المطربة سامية أحمد بوصلات غنائية جالت من خلالها بصوتها الرخيم رفقة العازف يونس الأزلي. وعلى العموم، فقد حققت الدورة الرابعة للصالون الأدبي بأكادير نقلة نوعية في مسار هذا التقليد الثقافي والفني. نأمل أن تتوسع رقعة هذا اللقاء وتشمل سائر المدن المغربية وذلك بهدف رد الاعتبار للثقافة الرصينة والإبداع الحقيقي الذي يخاطب الروح والوجدان ويوفر للمتلقي راحة الروح. الدكتور الصديق عز الدين بونيت خص بيان اليوم مشكورا بالكلمة / الشهادة التي قدمها في هذا المحفل تكريما للفنان عبد الحق الزروالي، ننشرها فيما يلي: عبد الحق الزروالي.. طين الله، كلما احترق ازداد صلابة نبدأ حديثنا عن ضيف الصالون هذه الليلة بالشق الذي يهم الأمن والدرك والسلطات المحلية والقضائية والمكتب المركزي للتحقيقات بسلا، والعدول والورثة، قبل أن ننتقل للانفراد بعبد الحق الزروالي الشخصية الواقعية/الخيالية، المنتشرة في النصوص المسرحية وتحت أضواء الخشبة وفي الظلال المتلألئة لشاشة التلفزيون وشاشة السينما، وفي التهدجات المتسربة عبر دبدبات الأثير إلى مسامع عشاق الراديو. 1 - نبذة عن حياة المحتفى به ولد عبد الحق الزروالي بمدينة فاس سنة 1952 وعاش فيها طفولته وبعض شبابه، قبل أن ينطلق في غزو آفاق المغرب وتخومه، اكتشف فن اللعب بالكلمات وقدرتها السحرية على التحكم بأحلام الناس وأهوائهم في أزقة فاس العتيقة، مع الحلايقية، هؤلاء المروضين الحقيقيين للخيال قبل تروض الحيوانات.. ومن النادي الثقافي لحزب الاستقلال بفاس (في زمن كانت فيه للأحزاب السياسية مشاريع ثقافية حقيقية)، انبثقت شرارة المسرح في وجدان الطفل عبد الحق وهو في التاسعة من عمره. ومنذ ذلك الحين لم يفارقه الولع بالخشبة وزواياها الساحرة، إلى اليوم. عمل في مسرح الطفل ومسرح الهواة من 1961 إلى 1976، حين قرر أن يجعل من المسرح شريك حياته الثقافية. ولأن كليهما شديد الغيرة على رفيقه، فإن الزروالي والمسرح لم يرضيا أن يتقاسما بعضهما مع الآخرين. بالإضافة إلى نشاطه المسرحي اشتغل الزروالي أيضا في الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي، حيث كان محررا بجريدة الأنباء وبجريدة العلم وكتب في عدد من المنابر الأخرى، وأعد وقدم عددا من المواد والبرامج الإذاعية لعل أشهرها برنامجه الذي دام عدة سنوات متقطعة على أثير الإذاعة الوطنية "إشراقات فكرية". الذي كان يبث قبل منتصف الليل. شارك الزروالي أيضا كممثل وكمشارك في السيناريو في عدد من الأعمال الدرامية التلفزية وفي السينما. كما خاض مغامرة الكتابة الشعرية في مجمعة شعرية بعنوان: "نشوة البوح"، وسمها، كعادته، في مشاغبة الحدود القائمة ب "ما بعد الشعر". كما اقتحم مجال الكتابة الروائية، بتشجيع من الروائي عبد الرحمن منيف في روايته التي عنونها ب "الريق الناشف". يمكن القول إن عبد الحق الزروالي من أكثر المسرحيين المغاربة شهرة في الأفق العربي، نظرا لتجواله في عدد من البلاد العربية مقدما أعماله المسرحية، في مغامرات بعضها غريب، ربما تحين فرصة للحديث عنها هذا المساء، فقد جاب كلا من المغرب والجزائر وتونس وأجزاء من ليبيا على متن سيارته المسحورة من نوع R4 محملا إياها بديكورات مسرحياته، أيام كان المشترك بين شعوب المنطقة هو الفن والجمال والتطلع إلى المستقبل، قبل أن توصد الحدود وتزداد صلابة بين أوصال هذا الوطن الكبير الممزق، وقبل أن نستبدل سيارة الزروالي المسحورة بالسيارات المفخخة والقنابل والمقاتلين الدواعش المنطلقين من كتب التاريخ كما تنطلق العفاريت من قماقمها المرصودة. 2 - نصوص عبد الحق الزروالي "الوجه والمرآة" (1976)، "صالح ومصلوح" (1979)، "ضريبة العشق" (1980)، "شجرة الحي" (1980)، وهي مسرحية للأطفال، "جنائزية الأعراس" (1982)، "رحلة العطش" (1984)، "عكاز الطريق" (1985)، "سرحان المنسي" (1986) "برج النور" (1986)، "افتحوا النوافذ" (1992) "زكروم الأدب" (1993)، "انصراف العشاق" (1994)، "عود الريح" (1996)، "عتقوا الروح" (1997)، "كدت أراه" (2001)، "هاملت مرة أخرى" (2004)، "واش فهمتي" (2009)، "انقب واهرب" (2013)... ديوان ما بعد الشعر "نشوة البوح" (2000). رواية "الريق الناشف" (2001) 3 - الزروالي في أفقه الثقافي الإبداعي يرتسم الزروالي في أذهان متتبعي تجربته المسرحية كأحد أبرز رواد المونودراما في المسرح العربي، إن لم يكن الوحيد الذي جعل من التفرد على الخشبة صيغة عمل شبه دائمة في مساره الإبداعي على مدى أربعين سنة تقريبا. لكنني شخصيا لا أضع تجربة الزروالي تحت عنوان المسرح الفردي، لأن في ذلك اختزالا كبيرا لغنى هذه التجربة وديناميتها. وربما ينتهي الأمر بناقد تائه إلى الحكم على هذه التجربة، وقد أخضعها لحدود وتقاليد المونودراما الكلاسيكية، بأنها لا تستجيب لهذه الحدود ولا تنضبط داخلها. ومثل هذا الناقد سيكون محقا في استنتاجه؛ لأن تجربة الزروالي هي رؤية للمسرح، لا تستند إلى الحدود النقدية والتنظيرية المستقرة في عمق خطابنا النقدي عن مسرح المونودراما. نصوصه كثيفة الحوارية، تتحاور شخصياتها المتعددة وغير المرئية داخل النص، وتتصادم مقاطعها الحوارية مع بعضها لتخلق المفارقات التي تقوم عليها الفرجة المسرحية، عنده؛ تستدعي مواقف متعددة، وأحيانا متناقضة، داخل الموقف الواحد. شخصيات الزروالي في أعماله ليست أبدا شخصيات وحيدة، ولذلك فإن نصوصه ليست مديحا للعزلة، كما توحي بذلك المونودراما عادة. وبالإضافة إلى هذه الدينامية الداخلية، فإن نصوص الزروالي، في كل جزئياتها، نجدها تتحاور مع نصوص خارجية، تقع ضمن خانة المشترك الثقافي مع جمهوره. وهنا لا بد من الإشارة إلى إحدى خاصيات البناء الدرامي التي تميز أعمال الزروالي: إنها تعتمد على ذكاء المتفرج، وبالتالي فهي تقحمه دون استئذان في دينامية العرض، وتجعله شريكا في التأويل والتوقع، وربما في التفاعل المباشر، كما كان يحصل دائما في عدد من المواقف المرتجلة التي تنفجر مباشرة أثناء العروض مع بعض المتفرجين، ويعمل الزروالي ببديهته اليقظة واحترافية على استيعابها واحتوائها في مسار الفرجة. وفضلا عما سبق، يمكن القول إن الزروالي لا يمثل نصوصه المسرحية، بالمعنى الكلاسيكي للتمثيل، بل يعيش إعادة كتابتها فوق الخشبة. ولذلك، فإنني أنصح من أراد أن يرى الزروالي الممثل، بالمعنى التقليدي، أن يبحث عنه، حين يكون مجرد ممثل في نصوص أخرى غير تلك التي يكتبها، سواء في المسرح أو التلفزيون أو السينما؛ أو حين ينضبط بمحض إرادته لسلطة مخرج يعيد قراءة أحد أعماله ويرسم له أسلوب أداء ينسجم مع هذه القراءة. أما في غير هذه الحالات، فمن الصعب أن تميز بين الزروالي الناطق والزروالي مؤدي دور الشخصية المسرحية بحدودها المرسومة. كل هذه العناصر هي التي تجعلني لا أوافق على وضع تجربة الزروالي تحت عنوان المونودراما أو المسرح الفردي كما تعودنا أن ننعتها في تقليدنا النقدي. إنني أميل بالأحرى، إلى إعادة ربطها بنسق أشمل من المسرح، في حدوده الضيقة، إنها تنتمي إلى ما أسميه ب "فيض الفرجة"، حيث تتشابك الأنساق والقوالب الفرجوية (التقليدية منها والحديثة) معيدة رسم الحدود بينها، وخالقة لأنماط فنية جديدة عابرة لحدود القوالب الفنية المرسومة. في تجربة الزروالي يحضر نوع من الاستناد الحاذق على مخزون الطاقة الإبداعية الكامن في الحلقة، والذي طالما حلم مسرحيونا بإدماجه في تجاربهم المسرحية، كنوع من التجاوب مع دعاوى التأصيل، التي غمرت المشهد المسرحي العربي خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. لم ينتبه أحد إلى أن الزروالي ظل يمارس استنطاق هذا الشكل الفرجوي واستبطانه بنجاح كبير، دون أن ينمق ذلك في بيانات تأصيلية أو يرفقه بأعمال تنظيرية فذة. يمكننا اليوم أن نضع عناصر الفرجة المسرحية عند الزروالي على محك التحليل النسقي، جنبا إلى جنب الحلقة، وسنكتشف أعاجيب وأسرارا، ربما كان الزروالي نفسه لا يخطر بباله يوما أنها موجودة. في الوقت الذي كان فيه الزروالي يجترح تجربته المسرحية المنفردة في أواسط السبعينيات، كانت تجربة المجموعات الغنائية التي انطلقت سنة 1972 قد بدأت تبلغ أوجها. وهي تجربة ينبغي أن نلاحظ أنها انطلقت من المسرح، وكان كل روادها تقريبا من المسرحيين، بل إن أغانيها الأولى كانت في الأصل ترديدات غنائية في مسرح أواخر الستينيات وبداية السبعينيات. من الضروري أن ينتهي بنا تحليل هذه الظاهرة إلى إعادة ربطها بالمسرح باعتبارها صيغة من الفرجة الغنائية، التي لم تعرف مثلها أي منطقة أخرى من العالم العربي، وانفرد بها النسق الثقافي المغربي، تماما كما انفرد بتجربة عبد الحق الزروالي غير القابلة للتكرار. تندرج هذه التجارب معا، إذن، في أفق جمالي جدير بالتحليل من زاوية غير مألوفة هي زاوية علم الجمال الفينومينولوجي، حتى نتمكن من إدراك المشترك بينها ونواحي تفردها وقوتها الإبداعية الخلاقة. هناك تفكير اليوم، لدى بعض أكاديميي المسرح، في البحث عن صيغة لإدماج الحلقة ضمن نسق فرجوي حديث، مستلهمين تجربة الصينيين مع أوبرا بيكين، والأشكال الفرجوية التقليدية التي استطاعوا إدماجها في صيغ تنظيم وتقديم معاصرة، دون أن تفقد طاقتها وطابعها التقليديين. وأنا أقول لهؤلاء الأكاديميين، إنه في إطار هذا المشروع الطموح، لا بد من دراسة تجربة عبد الحق الزروالي في الإطار الذي اقترحته أعلاه، لأن لدينا الكثير مما نتعلمه منها. وستكون هذه التجربة عندئذ قد توجت مسارها الإبداعي بإسهام واع في تأصيل الفرجة المغربية، دون ادعاء نظري زائد. قالوا عن عبد الحق الزروالي: عبد الحق الزروالي، صانع لحظات مسرحية، تستجيب لأفق انتظار الجمهور، وذلك من حيث طرافة موضوعاتها وعمق أبعادها الفكرية، وكذا من حيث القدرات الجسدية واللغات الفنية التعبيرية التي يعتمدها، "ممثلا" يقف وحيدا فوق الخشبة لينصهر في أدواره المتعددة، لا سلاح له سوى الجرأة بمعناها الحقيقي: جرأة الأداء دون التعثر في استحضار جزئيات النص وتفاصيله، وتحريك الأكسسوارات بدقة متناهية؛ وجرأة مواجهة المشاغبين من الجمهور، لأنه ليس ممثلا عاديا، وإنما هو من حفدة الرواة الذين كانوا يقدمون مقاطع من الإلياذة والأوديسيا في كل أنحاء اليونان. حسن المنيعي- شيخ النقاد المسرحيين المغاربة تجربة مسرحية تجاوزت نصف قرن من العطاء المتواصل، المنتظم والمتشابك. مسار مليء بالانعطافات والتحولات والانتقالات بين المتون والسجلات والنصوص والأداءات والجماليات وأنماط الفرجة الأدبية والفلسفية والسياسية والوجودية والصوفية والتاريخية وغيرها. حسن يوسفي – باحث مسرحي وناقد لأن إصراره كان حاسما في انتصاره للمسرح الفردي، فقد ظل حريصا، منذ مسرحيته الأولى على التنقل بين مدن المركز والهامش، لم يستثن منها أبعد القرى والمداشر من المغرب العميق، حتى أهلته رحلاته التروبادور لنسج أواصر قربى بمختلف أجيال ممارسي المسرح المغربي، هواة كانوا أو محترفين، لا فرق عنده في ذلك بين مسرحي مبتدئ وآخر مكرس إلا بتقوى المسرح. الزبير بن بوشتى–كاتب مسرحي إن الزروالي يجسد قلقا أنطولوجيا داخل ما قد نسميه "سجل" أو "مدونة" المسرح المغربي المعاصر، ويمثل مسرحه نوعا من ذلك المسرح الذي لا ينغلق، ولا يريد أن ينغلق على نفسه أو يتيه في جحيم التنظير الذي لا يفيد عندما تكون الممارسة غير القناعة الفعلية: إنه مسرح يستنشق الواقع ويفجره بإمكاناته الذاتية، ويسعى في نفس الوقت إلى التخلص من جاذبية المساءلة المطنبة بشير قمري - كاتب مسرحي وناقد إن تتبع المسيرة المسرحية للزروالي انطلاقا من أول نص ألفه وأخرجه، وقام بتشخيصه، وهو "الوجه والمرآة"، مرورا بنصوص أخرى مثل "جنائزية الأعراس"، "رحلة العطش"، "زكروم الأدب"، "عكاز الطريق"... تؤكد بالملموس أنه يجرب ويجدد في كل محطة من محطاته الإبداعية، سواء في بنية النص المسرحي ومضامينه، أو في إخراجه وتجسيده على الركح. سعيد كريمي – باحث وناقد مسرحي