أقر محمد مبدع وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة بأن ما تحقق على مستوى تأنيث الحكامة وتواجد النساء في مراكز القرار والمسؤولية خاصة في الوظيفة العمومية لازال دون المستوى المأمول بل ودون الطموح، قائلا إن أهم التحديات المستقبلية تتمثل أساسا في مواصلة الجهود والمساعي على مستوى جميع القطاعات والفاعلين في هذا المجال، "معلنا أن الوزارة ستسعى من جانبها لاتخاذ التدابير الرامية إلى النهوض بوضعية المرأة وتمكينها من ولوج مختلف المجالات على قدم المساواة مع الرجل ولاسيما مناصب القرار والمسؤولية في الوظيفة العمومية وتنزيل مضامين الخطة الحكومية للمساواة المسماة"إكرام". وأكد الوزير، في كلمة ألقاها صباح أمس الخميس بمقر المدرسة الوطنية للإدارة بالرباط، خلال افتتاح المنتدى المغربي الفرنسي للإدارة العامة الذي يطلق عليه اختصارا اسم "مجموعة"، على أهمية تمكين النساء من مراكز القرار خاصة وأن الموضوع أضحى مطروحا بحدة على الأجندات الوطنية والدولية خلال العشرية الأخيرة باعتباره مدخلا أساسيا من مداخل دمقرطة وتحديث المجتمع ليس في المنطقة المغاربية أو العربية بل في مجموع بقاع العالم، حسب الوزير. وشدد المسؤول الحكومي، في افتتاح هذا المنتدى الذي ينظم بشراكة مع وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة والمدرسة الوطنية للإدارة والجمعية المغربية لقدماء تلاميذ المدرسة الوطنية للإدارة بفرنسا والسفارة الفرنسية بالمغرب، حول موضوع"الحكامة بصيغة المؤنث، على أن تقدم المجتمعات وازدهارها رهين بإعطاء المرأة المكانة الأساسية التي تستحقها وتمكينها من المشاركة الفعالة على قدم المساواة في دينامية التنمية الشاملة، من خلال الرفع من تمثيليتها السياسية بمختلف الهيئات التقريرة والمنتخبة وتيسير ولوجها إلى مراكز القرار والمسؤولية بالمجالين العام والخاص. وأكد في هذا الصدد على أن المغرب قطع أشواطا في مجال النهوض بواقع المرأة والرفع من مستوى مشاركتها السياسية والاقتصادية حيث تم اتخاذ مجموعة من الإصلاحات القانونية والسياسية العميقة والتي توجت بدستور 2011 الذي شكل منعطفا حاسما على مسار حقوق الإنسان والتنصيص على المساواة بين الجنسين والنوع الاجتماعي، والسعي إلى تحقيق المناصفة وإحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. وجدد في هذا الصدد التذكير بالمعطيات الرقمية التي تخص تواجد المرأة في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقطاع العام والخاص ، حيث أبرز أن من أصل 395 برلمانية توجد 67 امرأة بمعدل 17 في المائة، وأن الحكومة تضم 6 وزيرات ، معتبرا ذلك حجة على وجود إرادة سياسية قوية للمضي قدما نحو المساواة في أفق المناصفة، مشيرا أن نسبة التأنيث داخل الإدارة العمومية بلغت 39 في المائة، توجد نسبة 16 في المائة منهن في مناصب المسؤولية، في حين نسبة التأنيث في القطاع الخاص تصل إلى 34 في المائة ، 10 في المائة منهن تتواجدن في مراكز القرار، كما أن صبغة التأنيث طالت المؤسسات النقابية حيث أن 21 في المائة من النساء هن مندوبات نقابيات للموظفين أو الشغيلة بالقطاع الخاص. ومن جهتها أكدت حكيمة الحيطي الوزيرة المكلفة بالبيئة، أن المغرب حقق مكتسبات هامة على مسار حقوق النساء والارتقاء بأوضاعهن وتمكينهن السياسي ، مبرزة أن النهوض بأوضاع النساء وتمكينهن السياسي ووصولهن إلى مراكز القرار والمسؤولية معركة لاتخص النساء حصريا، بل هي معركة مجتمعية تخص الرجال والنساء، لكن رغم ذلك فإن النساء مطالبات ببذل المزيد من الجهد للترافع وفرض مبدأ الولوج المنصف لمراكز القرار السياسي والاقتصادي". واعتبرت الوزيرة أن مسألة إقناع المجتمع بحق النساء وتمكينهن السياسي ووصولهن إلى مراكز المسؤولية ، تهم أساسا الرجال ، مقترحة على وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة أن ينظم السنة القادمة احتفاء باليوم العالمي للمرأة لقاء يحضره فقط الرجال ويخصص لموضوع تأنيث الحكامة. ومن جانبه، أكد شارل فريس سفير فرنسا بالمغرب، أن وضع المرأة قد تحسن في جوانب عديدة بمجموع بقاع العالم، و لكن المساواة في الوظيفة العمومية لازال الطريق فيه طويلا وصعبا، مذكرا بالمسار الذي عرفته النساء بفرنسا، حيث لم يحصلن على حق التصويت في الانتخابات إلا سنة 1945، مبرزا أن القوانين التي تنص على المساواة والمناصفة حديثة العهد وأن فرنسا تعرف توجها إيجايبا على هذا المستوى لكن الأمر يستدعي مواصلة الجهود بشكل حثيث. وثمن السفير الفرنسي المسار الذي سنهجه المغرب بشأن الارتقاء بأوضاع النساء ، وأشار في هذا الصدد إلى ما تضمنه التقرير السنوي المتعلق بالنوع الاجتماعي والتدابير التي تم اتخاذها للحد من التمييز ضد النساء والعمل على إحداث الهيئة الوطنية لمكافحة كل أشكال التمييز ، معلنا أن كل تلك التدابير تعتبر خطوات أساسية وتدعمها فرنسا بالرغم من وجود التحديات والإكراهات. وكشف في هذا الصدد أن فرنسا قدمت غلافا ماليا يصل إلى 2 مليون أورو سنة 2014 خصص لدعم المرأة والنوع الاجتماعي ، عبر العديد من المشاريع التي تهم المساواة القانونية ومكافحة التمييز ودعم مسألة القيادة النسائية أو وصل النساء إلى مراكز القرار. أما نادية البرنوضي مديرة المدرسة الوطنية للإدارة ، فقد أشارت إلى أن تنظيم هذا اليوم الدراسي يأتي في إطار الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة الذي تزامن مع الاحتفاء بالذكرى الخمسين لصدور إعلان بيجين زائد 20، مبرزة أهمية مقاربة موضوع تأنيث الحكامة،وتمكين النساء من الوصول إلى مراكز القرار، خاصة على المستوى المؤسسي بالنسبة لبلدان في الضفة الجنوبية للمتوسط التي عرفت ما يسمى بالربيع العربي والذي كان نضالا حقيقيا من أجل النوع الاجتماعي والمساواة بين النساء والرجال ومحاربة العنف . وأوضحت أن في إطار هذا المسار تم اتخاذ تدابير تمييزية ، لكن مازالت تحفه إكراهات، و مجموعة من العراقيل الثقافية التي تقف في وجه تمتع النساء بحقوقهن،مبرزة أنه بالرغم أن هناك خطابات مافتئت تؤكد على تسجيل تقدم حقيقي على المستوى المساطر وعلى مستوى المؤسسات لتمكين النساء ،قائلة" لكن على مستوى التفعيل لازال لايتم ولم يتم الأمر بصفة إجرائية، فهناك بعض التردد والأرقام تبين ذلك و تعكس بالفعل هذا التأخر المسجل فيما يخص وصول النساء إلى مراكز القرار والمسؤولية". وفي مقاربة ذكية ، ذكرت نادية البرنوصي ببعض التواريخ الأساسية التي عرفها المغرب والتي تؤرخ للنضال الذي قامت به الحركة النسائية المغربية ، مقروة بأن اختيارها قد يبدو أنها انتقائيا ولكنها كانت تواريخ حاسمة، ،فالأمر يتعلق بسنة 1947 ، التي شهدت ألقاء الملك محمد الخامس لخطاب بطنجة والذي طلب فيه آنذاك من ابنته الأميرة للاعائشة أن تلقي خطابا بوجه مكشوف ودعا فيه الفتيات إلى ولوج التعليم ، ثم تاريخ 1960 والذي عرف تصويت النساء لأول مرة ومشاركتهن في العملية الانتخابية، وتاريخ سنة 1975 تاريخ المسيرة الخضراء التي شهدت مشاركة مكثفة للنساء ضمن 350 ألف شخص،يليها تاريخ سنة 1993 التي انضم فيها المغرب لاتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة ، ثم دستور 2011 الحالي ذي النفحة الأنثوية حينما نص على المساواة والمناصفة ، وأخيرا سنة 2015 الحالية التي تم فيها إطلاق نقاش عمومي حول الإجهاض ،ووضع بشكل قطعي الحد للتميز ضد النساء. هذا ويروم هذا اليوم الدراسي الذي شارك فيه الكتاب العامون لبعض القطاعات الوزارية ومديرون بها، وأساتذة جامعيون وممثلين عن هيئات المجتمع المدني والحركة النسائية والحقوقية، الوقوف على واقع الحكامة النسائية بالمغرب مقارنة مع بعض التجارب بدول حوض البحر الأبيض المتوسط و تشخيص المعيقات وتثمين التجارب الناجحة في مجال ولوج مناصب اتخاذ القرار ، وكذا العمل على خلق وتقوية الشراكات من أجل تعزيز المساواة بين النساء والرجال ، هذا فضلا عن الخروج بتوصيات من شأنها خلق دينامية من أجل تحقيق مساواة فعلية بين النساء والرجال وتلمس السبل الكفيلة لتطوير الآليات السياسية والقانونية لتفعيل مبدأ المناصفة.