تواصل معظم مساجد الضفة الغربية منذ بداية شهر يوليوز الماضي الامتناع عن قراءة القرآن الكريم التي كانت تستمر ما بين 10-15 دقيقة قبل رفع الآذان، إضافة لامتناعها عن إقامة الصلاة عبر المكبرات الخارجية للمساجد التي بات محظورا عليها كذلك الإعلان من خلال سماعاتها الخارجية عن حالات الوفيات التي تحدث في محيط تلك المساجد. وفي ظل امتناع المساجد عن قراءة القرآن وما أثارته مصادر إسرائيلية مؤخرا بأن السلطة الفلسطينية قررت خفض صوت الآذان في قرى الضفة ووحدت خطبة وصلاة الجمعة في مسجد واحد بتلك القرى أكدت مصادر فلسطينية بأن هناك قرارا فلسطينيا رسميا بمنع قراءة القرآن الكريم في المساجد من خلال السماعات الخارجية اتخذته حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي شكلت عام 2007 وبدأت حكومة الدكتور سلام فياض من خلال وزير الأوقاف الدكتور محمود الهباش بتفعيله منذ بداية شهر يوليوز الماضي حيث تخلت تلك المساجد عن عادة قراءة القرآن التي كانت تسبق رفع الآذان الذي ما زال محافظا على مستوى صوته كما كان سابقا الأمر الذي يتنافى مع الأنباء الإسرائيلية التي قالت بان السلطة قررت خفض مستوى صوت الآذان في المساجد بسبب احتجاجات إسرائيلية كونه يزعج المستوطنين الذين يقطنون في مستوطناتهم المنتشرة في معظم مناطق الضفة الغربية. ولعل عدم قراءة القرآن التي كانت تتكرر 5 مرات في اليوم عبر السماعات الخارجية للمساجد قبل رفع الآذان أكثر جدوى لمن هم منزعجون من صوت الآذان الذي قد يستمر لمدة دقيقتين أو أكثر، ولمعرفة ما إذا كان قرار منع قراءة القرآن قبل الآذان في المساجد هو نتيجة اتفاق فلسطيني إسرائيلي أو قرار فلسطيني. ولمعرفة صحة الأنباء الإسرائيلية التي أثيرت مؤخرا حول تخفيض السلطة مستوى الآذان في المساجد، والذي لم ألمسه أنا كصحافي، قال وزير الأوقاف الفلسطيني الدكتور محمود الهباش: (ما في اتفاق أصلا، الموضوع لم يطرح بيننا وبين الإسرائيليين ولم يبحث أو يناقش)، وأضاف «موضوع وقف قراءة القرآن له أكثر من شهرين الآن»، مشددا على أن خلفيات وقف قراءة القرآن من خلال مكبرات الصوت في المساجد هي دينية، وقال «قراءة القرآن عبادة، والعبادة لا تكون إلا على منهج النبي صلى الله عليه وسلم، وكما ورد عن النبي عليه السلام، وكثير من العلماء يرى أن قراءة القرآن في مكبرات الصوت بدعة وكثير من العلماء يعتبره أمرا ليس له داعي، والبعض يعتبرها شيء جيدا، ونحن أخذنا برأي غالبية العلماء، وهذا الأمر -عدم قراءة القرآن عبر مكبرات صوت الخارجية للمساجد قبل رفع الآذان- معمول به في كل أرجاء العالم الإسلامي بما في ذلك في الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، وبما في ذلك في قطاع غزة» الذي تسيطر عليه حركة حماس. وأشار الهباش إلى أن قرار منع قراءة القرآن عبر مكبرات صوت المساجد قبل رفع الآذان هو قرار قديم اتخذته حكومة الوحدة الوطنية برئاسة حماس عام 2007 عندما كان يتولى حقيبة الأوقاف وزير من الحركة، وقال «هذا قرار قديم كان قد اتخذ إبان حكومة الوحدة الوطنية عندما كان حسين الترتوري وزيرا للأوقاف وهذا وزير من حماس». وشدد الهباش على أن ما قام به هو تطبيق القرار الذي اتخذ في عهد وزير من حركة حماس بعدم قراءة القرآن عبر مكبرات الصوت الخارجية في المساجد، مضيفا «نحن فقط فعلنا القرار ونفذناه لأنه قرار سليم». وذكرت المصادر الفلسطينية بأن جميع مديريات الأوقاف في محافظات الضفة الغربية أرسلت في بداية شهر يوليوز الماضي قرار الهباش للمساجد حيث أمرتها بالامتناع عن قراءة القرآن من خلال السماعات الخارجية، واقتصار استخدام تلك السماعات على رفع الآذان فقط. وعند سؤال الهباش عن ذلك القرار الذي أرسل لجميع المساجد في بداية شهر يوليوز قال: القرار هو كالتالي: «يقتصر استخدام مكبرات الصوت الخارجية في المساجد على الآذان وخطبة الجمعة وصلاة التراويح في رمضان، ونحن أضفنا إليه قراءة القرآن لمدة 5 دقائق قبل صلاة الفجر و 5 دقائق قبل صلاة المغرب في شهر رمضان فقط». وشدد الهباش على أن قرار منع قراءة القرآن عبر مكبرات الصوت في المساجد قبل الآذان ليس له علاقة بالقضايا السياسية، وقال «هذا الموضوع ليس له علاقة لا بقضايا سياسية ولا قضايا غير سياسية ولا له علاقة بالاحتلال ولا له علاقة بالمستوطنات ولا له علاقة بالإسرائيليين ولم يتم أصلا الحديث فيه مع الإسرائيليين». وحول اقتصار إقامة صلاة الجمعة في بعض القرى الفلسطينية على مسجد واحد مثل ما يجري في قرية أبو شيخدم غرب رام الله بقرار من وزارة الأوقاف قال الهباش «هذا صحيح بعض القرى الصغيرة التي عدد سكانها قليل وفيها أكثر من مسجد. والمساجد فيها لا تمتلئ. يعنى يكون هناك في كل مسجد صف أو صفين، فنحن اتخذنا قرارا بالاتفاق مع الأهالي ومع المجتمع المحلي في القرية لتوحيد خطبة صلاة الجمعة في مسجد واحد وهو يكون اكبر مسجد بالقرية، وهذا مطابق للسنة النبوية أصلا لان الأصل في صلاة الجمعة أنها صلاة جامعة لكل أهل البلد، ولذلك سميت الجمعة بهذا الاسم لأنها تجمع الناس». وأشار الهباش إلى قرية أبو شخيدم بالقول « يعني قرية صغيرة مثل قرية أبو شخيدم فيها مسجدان والمسجدين لا يمتلئان بالمصلين يوم الجمعة ومعروف أن القرية هذه يكفيها مسجد واحد ويزيد لذلك اتخذ قرار بان تكون صلاة الجمعة في مسجد واحدة حتى تكون جامعة لأهل القرية»، نافيا بشكل قاطع أن يكون لذلك القرار علاقة بقضية عدم إزعاج المستوطنين في المنطقة خلال إلقاء خطبة الجمعة عبر مكبرات الصوت في أكثر من مسجد. وكان الهباش نفى ما نشرته صحيفة « يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية قبل أيام أن السلطة الفلسطينية قررت خفض صوت الآذان في قرى الضفة الغربية القريبة من المستوطنات وأنها أصدرت تعليمات بتوحيد صلاة الجمعة في مسجد واحد في هذه القرى. وشدد الهباش في تصريحات صحافية نشرت الخميس على أن الهدف من تلك الأخبار الإسرائيلية «نشر البلبلة والإرباك في المجتمع الفلسطيني والسعي إلى شق الصف الفلسطيني وإثارة الخلافات والنعرات وفبركة الأكاذيب لتشويه صورة السلطة والقيادة وإيجاد شرخ بين القيادة والجمهور». وعند إبلاغه بوجود اتهامات فلسطينية للسلطة بأن قرار وقف قراءة القرآن عبر مكبرات الصوت في المساجد قبل الآذان والتي كانت تستمر ما بين 10 - 15 دقيقة هو نتيجة اتفاق فلسطيني إسرائيلي أفضى لوقف قراءة القرآن في المساجد وليس خفض مستوى صوت الآذان، قال الهباش: « من يقول ذلك؟ حماس؟ هم يقولون بان هناك اتفاق، هذا معناه إما أنهم كانوا حاضرين في الاتفاق أو أن اليهود أخبروهم أن هناك اتفاق أو أنهم يكذبون»، مضيفا « أنا لا استغرب من إقدام الإعلام الإسرائيلي على فبركة الأكاذيب والأخبار الملفقة لنشر البلبلة في المجتمع الفلسطيني. أنا لا استغرب ذلك، ولكن ما استغربه أن بعض الجهات وبالذات حماس وبعض وسائل الإعلام وبعض الكتاب سرعان ما يتلقفون الفبركات الإسرائيلية والأكاذيب الإسرائيلية وينسجوا عليها مواقف ويعتبروها من المسلمات التي لا يتطرق إليها الشك ويبنون مواقفهم وتصريحاتهم وعلاقاتهم على هذه الفبركات مع أن ابسط قواعد الدين تقول : يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين». وشدد الهباش على أن قرار منع قراءة القرآن عبر مكبرات الصوت في المساجد هو تماشيا مع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومع ما هو موجود في معظم البلدان العربية والإسلامية. وأضاف الهباش «لا توجد قراءة قرآن عبر مكبرات الصوت بالمساجد في معظم الدول العربية، فهذا غير معمول به في قطاع غزة. وفي مصر لا توجد قراءة قرآن في معظم المساجد، وفي الأردن كذلك وفي السعودية وفي اليمن والإمارات وفي دول شمال إفريقيا وفي ماليزيا واندونيسيا ما في مثل هذا الكلام». وشدد الهباش على أن وزارة الأوقاف الفلسطينية تحاول تعميم قرار وقف قراءة القرآن عبر مكبرات الصوت الخارجية في المساجد قبل الآذان على جميع مساجد الضفة الغربية، مضيفا «نحن نحاول أن نعمم هذه التجربة وهذا الالتزام على كل المساجد امتثالا للسنة النبوية واحتراما للقرآن الكريم لأنه لا يجوز أن يقرأ القرآن ولا احد يستمع» في إشارة إلى مواصلة المواطنين والناس حياتهم اليومية دون الاستماع للقرآن الكريم الذي يقرأ من خلال مكبرات الصوت الخارجية للمساجد، وأضاف الهباش قائلا «الله عز وجل يقول: مالكم لا ترجون لله وقارا»، متابعا «كلام الله يتلى ولا أحد يستمع والله عيب». هذا وأوضحت مصادر فلسطينية أخرى من المرتادين للمساجد بان قرار منع قراءة القرآن يشمل كذلك منع إقامة الصلاة، ومنع المساجد من الإعلان عن حالات الوفيات التي تحدث في المنطقة التي يقام فيها المسجد. ولا بد من الذكر بان المساجد في الضفة الغربية كانت تتولى الإعلان عن حالات الوفيات بعد قراءة القرآن لعدة دقائق، حيث ينتظر المواطنين سماع اسم المتوفي من خلال سماعات المسجد التي كانت توحي للمواطنين بان هناك حالة وفاة نتيجة شروعها بقراءة القرآن في وقت غير معتاد عليه. هذا وبات الشارع الفلسطيني منقسم ما بين مؤيد لقرار وزارة الأوقاف الفلسطينية منع قراءة القرآن عبر السماعات الخارجية قبل الآذان بحجة أن هذه العادة هي بدعة ولم تكن موجودة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا ما هو حاصل في كل الدول العربية والإسلامية وفق ما قال المواطن موسى الحرباوي وهو يتسوق في رام الله. وأشار ذلك المواطن إلى أن المساجد في كل العالم العربي والإسلامي فقط ترفع الآذان وانه لم يسمع المساجد في الأردن التي يزورها بشكل مستمر تقرأ القرآن على حد قوله. إلا أن موقف ذلك المواطن واجه معارضة من قبل بعض المصلين في مسجد أبو عبيدة في بلدة العبيدية شرق بيت لحم الذين اعتبروا منع قراءة القرآن هو منع لذكر الله على حد قول احدهم الذي عرف على نفسه بابو محمد والذي قال «حسبنا الله ونعم الوكيل. هذا منع لذكر الله لا يجوز». وفي ظل تأكيد الهباش بان قرار منع قراءة القرآن في المساجد هو قرار يتماشى مع السنة النبوية ويحترم القرآن الكريم تسري إشاعات في الشارع الفلسطيني بأن القرار سياسي جاء بعد احتجاج المستوطنين اليهود، في مستوطنة جبل الطويل (بسغوت) المقامة على أراضي مدينتي رام الله والبيرة، وفي مستوطنات عدة في الخليل بأن قراءة القرآن تزعجهم، وتربك حياتهم. وكان قاضي قضاة فلسطين السابق، الشيخ تيسير التميمي قال: من الناحية الشرعية فإن قراءة القرآن جائزة بل ومحببة في كل مكان ما دامت شروط قراءتها متوفرة، ومنها الإنصات وتدبر المعاني والخشوع، مضيفا أنه من غير الجائز قراءة القرآن في أماكن اللهو وارتكاب المعاصي ولكن في المساجد التي هي بيوت الله فإنه من المحبب من الناحية الشرعية قراءة القرآن فيها ما دامت الشروط متوفرة. هذا وعبر أحد أئمة المساجد في مدينة رام الله، فضل عدم ذكر اسمه ،عن استغرابه وقال : نحن نقرأ القرآن، ونبث تسجيلات لمقرئين معروفين من مصر والسعودية وغيرها قبل خمس أو عشر دقائق من الأذان لنبث الخشوع في قلوب المارة، وندفعهم إلى التفكر في كلمات الله، وهذا لا يريده الهباش وحكومته على ما يبدو.