في ندوة حول «الكتابة المسرحية اليوم» أكد باحثون مسرحيون، الإثنين الماضي، بالدار البيضاء، أن الكتابة المسرحية المغربية الراهنة تتميز باتجاهها نحو تغييب الكاتب، وتبني منهجية تقوم على إلغاء المعنى من بنية النص المسرحي. وأجمع هؤلاء الباحثون، في ندوة نظمت ضمن فعاليات الدورة الحادية والعشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب حول "الكتابة المسرحية اليوم"، على أنه لا يمكن، بدعوى الانخراط في الحداثة، الاستغناء عن المتن المسرحي، مهما تعددت تقنيات التواصل الحديثة، ولا حتى الابتعاد عنه حتى في حالة الارتجال، معتبرين أن "الرهان على المغايرة والحداثة لا ينبغي أن يكون رديفا لقتل الكاتب". وفي هذا الصدد، أعرب الكاتب والناقد المسرحي الحسين الشعبي عن اعتقاده بأن النص الذي لا يتجه إلى المعنى، لا يمكن أن ينتج عملا مسرحيا متكاملا، مشددا على أن "المسرح الذي لا يتجه للمعنى لا يمكن أن يكون مسرحا".. إذ برأيه، "الرهان على الذات في الكتابة، رهان خاسر"، فالكاتب يحقق ذاته من خلال المتلقي الذي يقوم بدوره بإعادة إنتاج النص المقدم على الخشبة، باعتباره كاتبا فاعلا في حركية النص المسرحي، وأيضا نجاحه في تمثله للنص وتفكيكه من حيث المعنى والمبنى، هو ما يحقق للكاتب النشوة الإبداعية التي يرتجيها. ومن عمق المعنى ينبثق مفهوم الالتزام بالنسبة إلى الكاتب الحسين الشعبي الذي أوضح أن "الالتزام بقضايا الناس والوطن، وبقضايا الإنسانية والكون، لا يعني إلزاميا التقيد باختيارات مدققة أو تحديدات دون أخرى أو وصفات مقننة... كما لا يعني معيرة جاهزة يتعين الخضوع لها، وإنما الالتزام في المسرح هو الالتزام بالمسرح أولا.. والمسرح في نظري، يقول المتدخل، فرجة خيالية تتمثل الواقع وتختزل معاني ومواقف من الحياة والعالم بواسطة التمثيل أساسا ووسائط تمثيلية.. من ثمة فالمعنى، عكس ما يتبادر غالبا إلى الذهن، ليس هو المضمون فقط، إنما المعنى هو المزج الخلاق الذي ينسج الخيط الرفيع بين المضمون والصيغة التي يأتي بها هذا المضمون.. فلكل مضمون شكل، وما ثمة شكل بدون مضمون. وعليه، فالمعنى مندمج ومتماه ومنساب في ثنائية الشكل والمضمون". وعندما نتحدث اليوم عن الكتابة المسرحية اليوم، في راهنها، فإن الحديث، يقول الشعبي، لا يستقيم من دون استحضار الهدفية العليا من الكتابة وأفقها الاستراتيجي. بمعنى آخر، أن راهنية الكتابة تكمن في رهانها. والرهان الحقيقي يكمن في معادلة الجدة والمغايرة، مضمونا وشكلا. واستحضر المتحدث بعض التجارب الجديدة في الكتابة المسرحية بالمغرب، معتبرا أن "النصوص المسرحية الجديدة التي نقرأها أو نشاهدها اليوم، من قبيل نصوص عبد اللطيف فردوس وعصام اليوسفي والزبير بن بوشتى ومحمد الحر وخالد ديدان وحسن هموش وبوسلهام الضعيف والزهرة مكاش وعبد الحق الزروالي ورشيد أوترحوت.. وغيرهم من كتاب الحساسيات الجديدة، لا تعدو أن تكون فسيفساء من المتون والاختيارات الجمالية التي ظهرت في زمان ومكان يتسمان سياسيا وثقافيا بفترة الانتصار لقيمة التنوع والاختلاف.. وبذلك فهي ليست بالضرورة تيارا مسرحيا، ولا مدرسة فنية يجمعها تصور متجانس، أو معجم مفاهيمي موحد، لكنها تتقاطع أو تكاد في هاجس مشترك ينم على رغبة أكيدة في المغايرة والاختلاف، بل إن معظم هؤلاء الكتاب الدراميين يشتغلون بالإخراج ويتحولون، في نطاق صياغة مسرح بشكل مغاير، إلى دراماتورجيين يعيدون قراءة ومراجعة نصوصهم ويعدونها للعب على الخشبة.. ومن جهته أشار الباحث عبد المجيد شكير إلى أن الخريطة الدرامية للكتاب الشباب، ورغم بروز تيارات حداثية عمدت إلى تغيير بنية النص المسرحي، انتصرت في عموميتها لنص المؤلف، مبرزا تجارب مسرحيين شباب من بينهم على الخصوص عصام اليوسفي والزبير بن بوشتى وعبد المجيد الهواس، الذين استطاعوا أن يخلخلوا بنية السلط في النص المسرحي، فكان الانتقال من سلطة المؤلف ثم سلطة المخرج إلى تحقيق ثنائية المخرج المؤلف، مظهرين وعيا جيدا بالمسافة الفاصلة بين النص بعد كتابته بقليل وقبل عرضه بكثير (مسرحيات "دموع بلكحول"، "النار الحمرا"، "زنقة شكسبير"، "شيزوفرينيا"). كما أن فئة ثانية اختارت الحفاظ على البنية التقليدية، يضيف شكير، ما يجعل من الصعب تنميط الكتابة المسرحية المعاصرة والتقعيد لها، بل يجدر الحديث في هذا المقام عن كتابات مسرحية تخلق سيرورة المسرح المغربي، والذي انسلخ من صيغة المفرد نحو البنية المركبة، إضافة إلى بروز عنصر جديد يتمثل في الكتابة المرئية للمسرح، والتي أضفت نفسا جديدا على الكتابة المسرحية المعاصرة جعلت المؤلف يكتب للخشبة. فيما شدد الكاتب المسرحي الزبير بن بوشتى على أهمية إحداث مؤسسة للإنتاج المسرحي تضطلع بمهمة النهوض بالتأليف المسرحي وتنشيط الحركة المسرحية، معربا عن اعتقاده أن وجود مؤسسة بهذا الشكل سيكون حافزا لبروز مؤلفين مسرحيين مهنيين يوفرون عرضا مسرحيا يستجيب للحاجيات الجمالية والإبداعية للفرق المسرحية الوطنية التي تعاني حاليا من ندرة النصوص المسرحية القابلة لتجسيدها على الخشبة. وعن علاقة المخرج بالمؤلف، ذهب الممثل والمخرج المسرحي عبد الإله عاجيل إلى أن مخرج النص المسرحي يشتغل من خلال رؤية ووعي المؤلف، ويسعى إلى تجسيد هذه الرؤية عبر أدوات مسرحية احترافية، مشددا على أن قيمة النص المسرحي تكمن في مدى قدرة المخرج على قراءة النص الذي يشتغل عليه، "فالمخرج هو الذي يمكن أن يعلي من قيمة النص أو يضعفه". وجاء تنظيم هذه الندوة، التي أدارها الناقد والكاتب البشير القمري، للإجابة على تساؤلات تهم واقع الكتابة المسرحية اليوم، ومدى قدرة النصوص على تجسيد حقيقة الوضع المسرحي في المغرب، وقابلية المسرحيات المنشورة كمتن أدبي على أن تتحول إلى أعمال مسرحية تغري الجمهور بمتابعتها.