الصورة التي أبرزها حدث توشيح صاحبة السمو الملكي الأميرة للامريم لثلاثة من ممثلي الديانات السماوية "الإسلام واليهودية والمسيحية"بأوسمة ملكية، هي صورة المغرب المتفرد والمختلف عن غيره من بلدان المنطقة. في فضاءات معهد العالم العربي بباريس عاش جمهور من المدعوين، ضمنهم شخصيات سياسية وثقافية ودينية، الأحد الماضي، لحظة استثنائية صنعتها المملكة، وبعثت من خلالها رسالة مؤثرة للعالم كله... في زمن الجنون والتعصب وانتشار القتل والهمجية، يصر المغرب على الانتصار لحوار الديانات والحضارات، ويحتفي بالمشترك بين الديانات السماوية، ويبعث للعالم رسالة مؤداها أن الدين هو حامل قيم الخير والمحبة والصلاح، وأن التاريخ وما راكمته البشرية من منجزات تحققا بفضل الديانات كلها، وبفضل إسهام الشعوب كافة... عندما سلمت الأميرة للامريم أوسمة ملكية لكل من: خليل مرون، إمام مسجد إيفري، وميشيل سرفاتي، حاخام ريس-أورانجيس، وميشيل دوبوست، أسقف إيفري، كانت الالتفاتة بمثابة رسالة قوية من أجل التعايش السلمي والتسامح بين الديانات والشعوب والحضارات، ووحده المغرب يستطيع اليوم الإقدام على مثل الخطوة الكبيرة والشجاعة... هذا اللقاء، الذي ترأسته الأميرة المغربية في قلب العاصمة الفرنسية، كان يمكن اعتباره من ضمن الأنشطة الديبلوماسية والبروتوكولية العادية، ولا يبقى منه سوى بضع لقطات تنقلها التلفزة المحلية بأسلوبها النمطي المعهود، وسرعان ما تسقط من الذاكرة والبال، ولكن ما جرى خلاله وما حفل به من رمزيات يجعل منه فعلا لحظة قوية تتحدث عن الهوية الحقيقية للمغرب المتميز والمختلف عن سواه. وحتى نتمثل جيدا أهمية اللحظة وفرادتها، يمكننا التساؤل عما إذا كان بإمكان بلد عربي أو إفريقي أو مسلم، في الظرفيات المشتعلة اليوم، أن يقدم على مثل هذه الخطوة عدا المغرب، بل ويمكن التساؤل أيضا عما إذا كان في إمكان بلد أوروبي، هنا والآن، أن يوشح إماما مسلما إلى جانب شخصيات دينية أخرى... قد نكون في هذا الشطر الثاني من التساؤل دفعنا اللغة قليلا أبعد من الحدود، ولكنها تبقى قريبة جدا من الحقيقة ومن موضوعية التقدير، لأن التعصب والجنون المتربصين بِنَا هذه الأيام لا يسمحان لنا أن نرى مثل هذه الخطوة البليغة سوى في بلد عريق كالمغرب. ولهذا يهدد المتطرفون الجهلة المملكة، لأنها تفضح همجيتهم، وتؤكد أن الإنسانية بإمكانها أن تعيش مجتمعة وتصنع التاريخ والمستقبل والتنمية والسلام بعض النظر عن معتقداتها الدينية وهويتها الثقافية والحضارية... فرادة النموذج التاريخي والحضاري والمجتمعي المغربي تكمن أيضا هنا، أي في الاعتزاز بتعدديته الدينية واللغوية والثقافية والاجتماعية، وفي الانتصار للوسطية والاعتدال والتنوع والحوار والاختلاف و... الديمقراطية... الخطوة المغربية، التي جسدها حفل معهد العالم العربي بباريس، قدمت للعالم كله درسا قويا في هذا الزمن المتسم بالدماء والأحزان والحروب والتفجيرات... إنه درس... التميز. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته