مسؤولون وخبراء يستعرضون ملامح الوضع البيئي وآثاره على الصحة العمومية بالمغرب تفعيلا للمخطط الإقليمي للتكوين نظمت مصالح عمالة انزكان ايت ملول دورة تكوينية لفائدة الفاعلين المحلين حول "موضوع البيئة والممارسات البيئية والاجتماعية الجيدة لحاملي المشاريع المدرة للدخل والجمعيات". واشتمل الملتقى على عدة مداخلات وعروض لامست مختلف المحاور والقضايا البيئية الراهنة. كما تخلل البرنامج عرض أفلام وورشات ولقاءات تقييمية وزيارات استطلاعية . واستعرضت خديجة السامي، مديرة المرصد الجهوي بجهة سوس ماسة درعة، أنشطة المرصد ومهامه الأساسية في رصد وتوفير المعلومة البيئية. وناقشت مجال دراسات التقييم المندمج للبيئة بالجهة، ومختلف القوانين البيئية المغربية خصوصا القانون- الإطار 12/99 الذي يحدد المسؤولية الجماعية لمختلف المتدخلين والمواطنين والمجتمع المدني فضلا عن آفاق تحيين قانون التأثير على البيئة رقم 03/12. وأفاد عبد الرحمان عمور رئيس لجنة البيئة بجهة سوس ماسة درعة بالمستوى الإيجابي للاستراتيجية البيئية المعتمدة بالجهة وبالمشاريع الناجحة بالجهة على مستوى الفعالية الطاقية. وأكد الدكتور سعيد بوجلابة مندوب وزارة الصحة بعمالة إنزكان آيت ملول خلال كلمته التوجيهية أن المغرب يعاني من التلوث البيئي، الذي أصبح يهدد طبيعة هذا البلد الغني بتنوع مناخه وتضاريسه رغم الجهود المبذولة، إذ أن مشكلة التلوث لا تزال تشغل بال المغاربة، سواء في المدن الكبيرة التي تعاني من الاكتظاظ وكثرة المصانع، أو في القرى والبراري التي تحولت إلى مدافن للنفايات المتنوعة. وأشار إلى أن دراسة رسمية تهدف إلى تقييم تأثير تلوث الهواء على صحة المواطنين بجهة الدارالبيضاء الكبرى وبعض مدن المغرب،أكدت بأن هناك علاقة وطيدة بين مؤشرات التلوث الهوائي المتمثلة في الأدخنة السوداء والوفيات وأزمات الربو والالتهابات التنفسية عند الأطفال. ولاحظت الدراسة أن ارتفاع نسبة الأدخنة السوداء من 9 إلى 87 ميكروجرام بالمتر المكعب يؤدي إلى ارتفاع الوفيات بنسبة 9%، وارتفاع نوبات الربو بنسبة 6%، مع ارتفاع إصابة الجهاز التنفسي لدى الأطفال أقل من 5 سنوات بنسبة 8.37%. وحاولت دراسة أخرى، يضيف الدكتور بوجلابة سعيد، الوقوف على مدى تأثير تلوث الهواء بمدينة المحمدية التي تضم عددا من المصانع، على صحة الأطفال المصابين بالربو والأكثر حساسية للتلوث، فتوصلت إلى أن ارتفاع نسبة ثاني أوكسيد الكبريت من 1 إلى 5.70% ميكروجرام بالمتر المكعب يؤدي إلى ارتفاع تردد نوبات الربو بنسبة 3.41%، وارتفاع السعال الليلي بنسبة 9.53%، كما أن ارتفاع نسبة أول أكسيد الآزوت من 2 إلى 5.18 ميكروجرام بالمتر المكعب يؤدي إلى ارتفاع تردد نوبات الربو بنسبة 3.33%، وارتفاع السعال الليلي بنسبة 9.32%، وارتفاع الإحراجات التنفسية بنسبة 6.14%، بالإضافة إلى ارتفاع الالتهابات التنفسية مع الحمى بنسبة 8.33%. وحسب مجموعة من الأطباء المتخصصين في علاج الأمراض المتعلقة بالأمراض الجلدية فإن التلوث يتسبب في إصابة الأشخاص المعرضين لمختلف أنواع التلوث، لحساسية شديدة للجلد وحكة، ناهيك عما يحدثه التلوث من مضاعفات وخيمة على الكبد، بحيث يصاب هذا الأخير بالتليف عند استفحال الوضع الصحي للمصاب. وتشكل الأمراض المتنقلة عبر الماء أحد أهم المشاكل الصحية بالمغرب، يوضح بوجلابة، فقد أظهرت الإحصاءات الصادرة عن وزارة الصحة حول الأمراض الوبائية وجود مستوطنات للأمراض الطفيلية، خاصة في بعض الجهات من العالم القرو، كحمي التيفوئيد والبلهاريسيا والملاريا والتهاب الكبد الفيروسي. ويعتبر حجم إنتاج النفايات بالمغرب نقطة سوداء بحيث ينتج نحو 800 ألف طن من النفايات الصناعية في السنة، 63% منها تنتج عن الصناعات الزراعية. وتزايدت خطورة التلوث البيئي نتيجة توسع الصناعة الكيماوية المعدنية القائمة على تحويل الفوسفاط المحلي والكبريت إلى حامض فوسفوري وتحويله إلى أسمدة، وأيضا نتيجة لعدم توفر التجهيزات الأساسية للتطهير في بعض المناطق، وعدم التحكم في مياه الصرف الصحي. ويحذر مختصون من تفاقم مشكلة النفايات الصلبة بفعل التطور المستمر في تعداد السكان من جهة وتطور نظم الإنتاج والاستهلاك من جهة أخرى. كما نبه الباحثون إلى أن القوانين التي تهم التطهير والتخلص من النفايات أصبح معظمها متجاوزا، بل لم يعد يساير التحولات التي شهدتها البيئة والتطورات الجديدة، الشيء الذي انعكس سلبا على صحة المواطن والموارد الطبيعية. وتتسبب النقاط السوداء للنفايات المتواجدة بالمدن والتي أصبحت أغلبها غير قادرة على استيعاب المزيد من النفايات في إحداث وضع بيئي خطير، أما الموارد المائية فتتعرض بدورها لتلوث حاد بسبب تفريغ المقذوفات الصناعية والمنزلية دون معالجة مسبقة، وبسبب الاستعمال المكثف للمبيدات والأسمدة ومطارح النفايات، التي غالبا ما تتركز على ضفاف المجاري المائية. كل هذه العوامل تؤدي إلى تدهور جودة المياه السطحية والجوفية ما ينعكس سلبا على صحة الإنسان عند استعماله لمياه الشرب من دون معالجة، أو السقي بمياه الآبار في الفلاحة، أو عند الاستحمام في مجاري مياه ملوثة. واستعرض مندوب وزارة الصحة مختلف المجهودات التي بذلها المغرب خلال السنوات الأخيرة في المجال البيئي، والتي توجت بمشروع الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، تنفيذا للتوجيهات الملكية الداعية إلى الانكباب على إعداد مشروع ميثاق وطني شامل للبيئة بهدف الحفاظ على مجالاتها ومحمياتها ومواردها الطبيعية، وبهدف الوقوف على حقائق الإشكالية البيئية وخصوصياتها الجهوية في تدبير الشأن البيئي. وأكد بوجلابة أنه تم وضع الصحة في مقدمة المحاور التي تدارسها الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، ذلك أن عددا لا يستهان به من الأمراض التي تصيب الإنسان يعود سببها الرئيسي إلى تلوث البيئة واختلال عناصرها، كما ورد في أول تحليل أصدرته منظمة الصحة العالمية بخصوص الآثار التي تخلفها العوامل البيئية على الصحة. كما أن وزارة الصحة، يقول المسؤول، ارتأت ألا ينحصر دورها فقط في معالجة الأمراض الناتجة عن التلوث دون الاهتمام بعوامل ومسببات الأمراض، بل أيضا المساهمة في إعادة التوازن إلى البيئة وتصحيح عناصرها ومعالجة آثارها السلبية.وهذا ما يتماشى ومجموعة من البرامج في خطة عمل الوزارة للفترة 2008-2012 و2012-2016، للتخفيف من التأثيرات السلبية للبيئة على صحة الإنسان. وتناول بوجلابة البرامج التي تنشد الحفاظ على جودة المياه الصالحة للشرب، إذ تقوم الوزارة سنويا بإجراء أزيد من 20 ألف تحليل بكتيري، و75 ألف تفتيش صحي، فضلا عن تطهير أزيد من 55 ألف نقطة مائية، إلى جانب مراقبة سلامة الأغذية من خلال القيام ب300 ألف تفتيش صحي لمحلات الأطعمة وتحاليل بكتيرية لأزيد من 10 آلاف عينة غذائية. هذا وتعمل الوزارة على مكافحة نواقل الأمراض خصوصا في المناطق التي تعرف نسبة مرتفعة من الأمراض الطفيلية كاللشمانيات والأمراض الحيوانية. وذكر مندوب وزارة الصحة مجالات التربية على التنمية المستدامة والتحسيس لتسخيرهما لخدمة التنمية المستدامة. فضلا عن الالتزام باعتماد المغرب برامج دولية للتربية والتحسيس، من ضمنها على وجه الخصوص برنامج "المدارس الإيكولوجية" الذي تمت بلورته بشراكة مع وزارة التربية الوطنية ويتم نشره عبر جميع المؤسسات المدرسية بالمملكة، والذي يهدف إلى جعل التربية على التنمية المستدامة جزءا لا يتجزأ من المنهج المدرسي.