خطط مرتبكة لمواجهة مأزق تراجع العائدات النفطية تواصلت الاحتجاجات في جنوبالجزائر على خلفية إصرار الحكومة على خطط استغلال الغاز الصخري، رغم تراجع الجدوى الاقتصادية من إنتاجه في ظل تراجع أسعار النفط العالمية، التي دفعت الكثير من الشركات العالمية إلى خفض الإنتاج. فلم يتأخر نشطاء الاحتجاجات المستمرة في عين صالح كثيرا، للرد على محاولات رئيس الوزراء عبدالمالك سلال إقناعهم برؤية الحكومة حول مشروع إنتاج الغاز الصخري. وعبروا عن تمسكهم بالوقف غير المشروط للمشروع، ورفضهم للمساومات التي تتعرض لها المنطقة من أجل ثنيها عن خيارها الرافض لأي مساس بالطبيعة والبيئة والمقدرات المائية، تحت أي سبب من الأسباب. وتواصلت المظاهرات في بلدة عين صالح التابعة لمحافظة تمنراست "800 كيلومتر جنوب العاصمة "، للتعبير عن رفضها لرسائل سلال، لتفشل بذلك الحكومة مجددا في احتواء غضب السكان، وتتكرس حالة الاحتقان الشعبي. وقال الناشط المدني طارق زقزاق لوسائل الإعلام إن سكان المنطقة يرفضون تبريرات رئيس الحكومة، الذي يحاول طمأنة الرأي العام بشأن خطة الحكومة لمواجهة تداعيات أزمة النفط الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك واصلوا الاحتجاجات للأسبوع الثالث على التوالي. وأضاف زقزاق بعد إنهائه مداخلة عبر التلفزيون الحكومي أن "رئيس الوزراء ووزير الطاقة والمناجم ومسؤولي شركة سوناطراك، غير واعين بما يفعلون وبما يطالب به السكان". وأشار إلى تخبط الحكومة في التعامل مع احتجاجات الجنوب، والتضارب في تصريحات المسؤولين بين متمسك بالمشروع وبين متفهم لمطالب السكان وبين من يدعو لمواصلة الحوار بين الجانبين. ويستغرب الخبراء إصرار الجزائر على استغلال الغاز الصخري رغم تكلفة الإنتاج المرتفعة، وانهيار الجدوى الاقتصادية من إنتاجه بسبب تراجع أسعار النفط، مما دفع الكثير من الشركات لخفض الاستثمارات وتقليص الإنتاج. وكان أحد نشطاء الاحتجاجات ويدعى عبد الحميد سليماني قد أكد في الأسبوع الماضي أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مستعد لإعلان وقف المشروع في وقت قريب. وتوقعت مصادر مطلعة حينها أن يتم الكشف عن القرار بعد زيارة وفد رسمي للمنطقة. لكن مواقف رئيس الوزراء وممثلي الاحتجاجات أعادت الأزمة إلى المربع الأول، في وقت تتأرجح فيه القضية بين التجميد أو الإلغاء النهائي. وقد خفف سلال موقفه في الأيام الأخيرة حين قال إن "استغلال الغاز الصخري لا يوجد حاليا في برنامج الحكومة، وإنما يتعلق الأمر بالشروع في دراسات للتعرف على التقنيات التي تخص هذا المجال. وأضاف أن البلاد لم تدخل "مرحلة استغلال الغاز الصخري، وأن الملف غير مسجل في جدول أعمال الحكومة". وأعادت تلك التصريحات خلط الأوراق وتأكيد أن الحكومة لم تحسم أمرها بين الإلغاء النهائي أو التجميد المؤقت، وبين الإستكشاف والدراسات وبين الاستغلال، رغم مصادقة مجلس الوزراء منذ أشهر على قانون الغاز الصخري. ويتداول الجزائريون حديثا عن صفقة غير معلنة بين سوناطراك وشركة فرنسية لمباشرة الاستغلال. لكن سلال أكد أن سوناطراك تسعى لاكتساب الخبرة اللازمة للتحكم في تقنيات الغاز الصخري، مضيفا أن أجل الدراسات يمتد حتى عام 2022، لمعرفة نوع الغاز الصخري المتوفر وكمية الاحتياطات التي تملكها البلاد بالضبط. وأكد أن اكتساب الخبرة يكمن خلف انطلاق التنقيب عن الغاز الصخري بحفر بئر أولى في منطقة عين صالح، وأن ذلك أعطى نتائج إيجابية. وأكد الحرص على عدم المساس بالمياه الجوفية والإضرار بصحة المواطن. وكشف عن الشروع في حفر بئر ثانية، على أن يتم التوقف نهائيا بعد ذلك للدخول في الدراسات التي ستستغرق أربع سنوات، يتم خلالها أيضا إعداد الكوادر الجزائرية، من خلال إنشاء مركز تدريب في عين صالح. وحاول سلال طمأنة سكان الجنوب، للعدول عن حركتهم الاحتجاجية التي دخلت أسبوعها الثالث، دون أن يتناول من بعيد أو قريب، تلبية حاجات سكان الجنوب المتمثلة في التنمية المحلية والخدمات، وعدم استفادتهم من عائدات الثروات الباطنية التي ينامون عليها وتضخ في الشمال. وقد أثار ذلك الشكوك حول صدقية تصريحات عبدالمالك سلال، ويجعلها حيلة من الحيل التي دأبت على تطبيقها في إطفاء غضب المحتجين، خاصة في ظل القلق الذي يهيمن على الشارع، نتيجة غياب خطة بديلة لمواجهة تداعيات أزمة النفط. وتعمقت الشكوك بسبب تضارب تصريحات أعضاء الحكومة، بعد أن أشار وزير المالية محمد جلاب إلى إمكانية لجوء الحكومة لتطبيق قرارات مؤلمة تتعلق برفع الدعم عن المواد الاستهلاكية والتعليم والصحة والإنهاء التدريجي لدور الدولة في الضمان الاجتماعي. وقد نقض سلال تلك التصريحات وأكد استمرار الدولة في سياسة الدعم الاجتماعي ومواصلتها تنفيذ الخطة الخمسية 2014 – 2019، الأمر الذي فاقم حيرة الجزائريين وعمق مخاوف وشكوك الشارع بنوايا الحكومة بسبب هذا التخبط. وأكد سلال في هذا الشأن أن "الحكومة لن تتراجع عن تنفيذ المشاريع الاجتماعية، المتعلقة بالسكن والصحة والتعليم والتربية، رغم تراجع عائدات النفط، وأنها ستواصل تمويل المشاريع الطموحة المدرجة في الخطة الخمسية". لكن سلال لم يكشف عن آليات واضحة لتعويض التراجع الحاد في عوائد الخزينة العمومية، في ظل محدودية التمويل الذي يقدمه صندوق ضبط الإيرادات واحتياطيات النقد الأجنبي لمواجهة تداعيات أزمة النفط.