* دورة الرباط لمهرجان المسرح العربي تضفي حلة جديدة وبهية على التجربة - ما أريده من خلال فعل الكتابة كامن في استمرار الحياة * الحاجة إلى المسرح لازالت قائمة.. - الخوف يأتي على المسرح إن تخلف عن الإدهاش وإن تخلف عن ملامسة روح الإنسان وحاجاته * الأستاذ إسماعيل عبد الله، الأمين العام للهيئة العربية للمسرح والكاتب المسرحي المرموق، نود في البداية أن نرحب بكم في المغرب، ونتمنى لكم مقاما طيبا بين ظهرانينا، ونحييكم ومن خلالكم نحيي الإخوة في الهيئة العربية للمسرح على تفضلكم باختيار بلدنا لاحتضان الدورة السابعة للمهرجان العربي للمسرح التي نتمنى أن تكلل أشغالها بالنجاح.. بداية نود أن نسألكم، ونحن نعيش وإياكم لحظات العد العكسي لانطلاق احتفالية المهرجان، أين وصلت الاستعدادات داخل خلايا النحل العاملة والملتئمة لإنجاح هذه التظاهرة الهامة.. - المهرجان يستعد للمرحلة الأخيرة قبل انطلاقه وهي استقبال المشاركين والضيوف، أما بقية التجهيزات فقد تمت في الموعد، الفضاءات تحت التجهيزات النهائية، المطبوعات تمت بكاملها، فعالية الافتتاح تخضع للتداريب النهائية، الإعلانات والإعلام والمؤتمرات الصحفية قد بدأت فعلاً... الجهود الكبيرة التي بذلت جعلت كل شيء في تمامه لانطلاق المهرجان. * طيب، بصفتكم أمينا عاما للهيئة العربية للمسرح، تتبعتم وواكبتم وأشرفتم على كل الدورات السابقة، ماذا يمكنكم ملامسته اليوم على سبيل المقارنة خصوصا على مستوى طبيعة المهرجان ونوعية البرمجة، بمعنى آخر ما هي القيمة المضافة لدورة الرباط؟ هل ثمة مقاربة أو حلة جديدة للمهرجان؟ هل تغيرت أو تبلورت بعض مسالكه وفقراته؟ ما رأيكم؟ - لقد سعينا، عبر الدورات المختلفة، إلى تحقيق تأثير المهرجان عند انعقاده في دولة من الدول، على أن ينتقل تأثيره إلى مناطق خارج العواصم التي شهدت كافة الدورات، حققنا وبشكل جزئي ذلك في لبنان عام 2011 ولم يتحقق لنا ذلك في باقي الدورات، لكننا اليوم وبكل الاعتزاز نستطيع القول بإن الشريك (وزارة الثقافة) المغربية قد أنجزت هذا من خلال برمجتها لتقديم أربعة وخمسين عرضاً مسرحيا مغربياً على امتداد التراب الوطني المغربي، مما يعني تنشيط واحد وخمسين مركزاً ثقافيا، وتفعيل حوالي ألف من الفنانين في هذه العروض إضافة لحوالي 200 من الأطر الفاعلة ضمن فعاليات المهرجان المباشرة، ناهيك عن 5 فرق مسرحية في البرنامج الرسمي للمهرجان، بالإضافة إلى عرضي الافتتاح والاختتام، هذا فضلا عن الأسماء الوازنة المشاركة في مختلف ندوات وفعاليات المؤتمر الفكري للدورة، كل هذا يدفعني للقول بثقة بأن هذه هي الحلة الجديدة والأبهى للمهرجان في دورة الرباط، وكان وزير الثقافة الأستاذ محمد الأمين الصبيحي قد وعد بذلك منذ لقائنا التنسيقي الأول في مارس 2014، وقد وفى هو ومن معه بما وعدوا. * لا شك أن برنامج المهرجان غني بتنوع فقراته وأشكال محتوياته.. ففضلا عن العروض المسرحية التي تعتبر القلب النابض لكل مهرجان، نلاحظ أن المادة الثقافية والفكرية تحتل حيزا وازنا في البرمجة العامة، كما وكيفا، بناء عليه هلا حدثتم قراءنا عن الرهانات الأساسية التي يعيشها اليوم المسرح العربي وتحاولون أنتم، كمنتظم ثقافي ومهني للمسرحيين العرب، ترجمتها إلى أسئلة وإشكالات بمقاربات مختلفة ومتعددة داخل الفضاءات الفكرية والتواصلية للمهرجان؟ - إن المؤتمر الفكري بندواته الست التي تتناول مواضيع هامة من قبيل: "مئوية المسرح المغربي" و"تناسج الثقافات" و"تفاعل الفرجات" و"مسؤولية التوثيق" و"البيانات المسرحية المغربية"، و"المسرح في المهجر"، يفتح أبوابا للتساؤل، كما يفتح منافذ للتداول والمناقشة وللإجابات المختلفة، وأنا كمنظم معني بطرق باب السؤال باستمرار، ليحدد المسرح العربي موقعه الإبداعي في صيرورة الفعل الثقافي . وهناك ما يجب النظر إليه بعين الاعتبار، وهو أن شبكات عمل بدأت تتفعل عبر الهيئة العربية، وهذه الشبكات ما جاءت خبط عشواء بل تحققت استجابة لحاجة مهنية وفكرية، فشبكة مسرحيي المهجر، وشبكة السينوغرافيين، وشبكة المواقع العربية للإعلام الإلكتروني العربي.. وطبيعة الورش (المعايشة الفنية) وورش الناشئة وحصص التنشيط الخاصة بالطفل، كلها تسعى لتخلق فضاءات ومسالك الواقع الجديد الذي نطمح لتحقيقه. * أود أن أسألكم، إذا سمحتم، لماذا يقتصر التنافس بين المسرحيين العرب في كل دورات هذا المهرجان على جائزة وحيدة وفريدة هي جائزة سلطان القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي، ألا تفكرون في جعل جائزة سلطان القاسمي متعددة الأبعاد والتخصصات حيث يتسع مجال التنافس حولها بين الفرق، والمؤلفين، والمخرجين، والممثلين والممثلات والسينوغرافيين، والمنتجين... - عندما أطلق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي جائزته عام 2011 أطلقها لأفضل عمل مسرحي عربي، وله في ذلك مقصد معرفي، وهو أن يتضامن كل العاملين في العمل المسرحي لإنجازه، وأن تكون القيمة المعنوية شاملة كل فرد في الفريق الفائز، إضافة إلى أن القيمة المالية ستشكل عوناً لهم في مسيرتهم، وإن هذا يشكل فرادة لهذه الجائزة التي باتت على أجندة المسرحيين العرب حيث تضاعفت أعداد الفرق المتنافسة عليها خلال الأعوام الأربعة الماضية. * لعلكم، بحكم موقعكم كمسؤول قيادي في الهيئة، وككاتب مسرحي، تدركون حجم الصعوبات والإكراهات التي يعيشها المسرح في العالم العربي، فنساء ورجال المسرح يكادون يقتسمون نفس الواقع الموضوعي ويشتركون في نفس المعاناة ولو بنوع من التفاوت الذي لا يلغي المشترك، فثمة مشاكل تنطرح على مستويات عدة في هذا البلد العربي أو ذاك، من قبيل العطب الذي يصيب آليات الإنتاج والترويج للفرجة المسرحية، مسألة ضعف مؤسسات التكوين والتعليم الفني، غياب مؤسسات الدعم والرعاية، التضييق على الحريات في بعض البلدان، الظروف القاسية لاشتغال الفنانين ولا سيما النساء، غياب قوانين منظمة للمهن الفنية في معظم الدول العربية... بناء على هذا الواقع الصعب، ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الهيئة العربية للمسرح في تجاوز هذه المعضلات، وهل ثمة اتصالات بينكم وبين الحكومات العربية لتحفيزها على إيلاء المسرح والمسرحيين العناية القصوى والأهمية اللائقة خصوصا أمام المد المتواصل للفكر التكفيري والإرهابي الذي ينتعش في الفراغ الثقافي المهول المنتشر في أوساط شبابنا العربي، ألم يحن بعد لحكامنا العرب أن يعوا بأن المسرح سلاح تربوي ناجع وفعال ضد العنف والتخلف والتطرف؟ - للسؤال بعدان هامان، فالهيئة التي وعت مبكراً هذه التحديات التي ذكرتم في سؤالكم من العطب في آليات الإنتاج والترويج، وضعف مؤسسات التكوين وغياب الدعم والرعاية، وغياب القوانين المنظمة للمهنة، لذا بادرت الهيئة، ومنذ مطلع 2011 وحتى منتصف 2012، إلى العمل على إنجاز مشروع التنمية الاستراتيجية للمسرح العربي بمشاركة 300 مسرحي عربي في 4 ملتقيات وملتقى خصص للخلاصات، وقد تم إنجاز المشروع الذي يشكل خارطة طريق للمسرح العربي أفراداً ومؤسسات رسمية ومؤسسات مجتمع مدني، وفيها مقترحات ومشاريع لا بد من توريط المؤسسات الرسمية بها، وفيها مشاريع تقع على عاتق الهيئة العربية للمسرح، وهذه قد بدأنا بتفعيلها من خلال مشاريع الدراسات والتوثيق والتأهيل ومشروع تنمية المسرح المدرسي ودعم مشاريع الشباب، ومن المفترض أن يكون المشروع على جدول اجتماع وزراء الثقافة والذي أجل من العام الماضي، وسينعقد في الرياض قريباً، وفي حال تمت المصادقة عليه فإنه سيسهل حتماً سبل التفاعل بين المؤسسات والقوى الفاعلة. بالنسبة للشق الثاني من السؤال فإنه يعتمد على التبني الكامل والواعي من قبل الفنانين للمشاريع والأفكار النهضوية والتي تمس مصلحة التنمية المجتمعية، وحينها سيكون من مصلحة الحكام والمؤسسات التعاضد والتبني للمشاريع المسرحية، من ناحيتنا فنحمد الله أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي مبدع مسرحي، يؤمن بالمسرح، ويعمل به، ولذلك فإن مبادراته العديدة والتي تشكل الهيئة العربية للمسرح إحداها ويشكل مشروع تنمية المسرح المدرسي في الوطن العربي واحداً من مشاريعها المهمة، تنبع من وعي سموه بأن المسرح مدرسة للأخلاق والحرية، كما دعانا لذلك في ختام رسالته التي وجهها في افتتاح الدورة السادسة من مهرجان المسرح العربي في الشارقة. * لعل رهانات الكتابة المسرحية اليوم تعرف تحولات عميقة في الرؤيا الفكرية والاختيارات الفنية لا سيما بعد تداعيات ما سمي بالربيع العربي، حيث بدأنا نستشعر أشكالا جديدة من الفرجة المسرحية، منها من يختار الشارع، ومنها من يستند إلى الصورة والوسائط السمعية البصرية الجديدة، ومنها من يقتل المؤلف.. أنتم ككاتب مسرحي ينتمي لجيل مجرب ومتتبع وعارف بالقضايا الأساسية للأمة، ماذا يمكنكم القول بخصوص الهدف من الكتابة اليوم؟ لماذا تكتب؟ وماذا تنتظر من النص المسرحي أن يحقق لك ولغيرك من فعل وتفاعل في الوقت الذي نعيش فيه هجمة ضاغطة لوسائط الاتصال الحديثة؟ هل مازالت ثمة حاجة للمسرح؟ - الحاجة للمسرح لن تنتفي، فالمسرح أقدم فنون الأداء، مر بتحديات ظهور الإذاعة والسينما والتلفزة، وصمد، والآن وسائط التواصل الحديثة، وها نحن نعمل على مهرجان وخلفه 500 فنان مشارك وعشرات الفرق المسرحية، ومئات الفرق المسرحية التي شاركت في إقصائيات التأهيل على مستوى الوطن العربي، وجمهور تكتظ به المسارح في كل مهرجاناتنا وعروضنا هنا وهناك، وجمهور الأطفال والناشئة في مهرجانات الشباب والطفولة التي نقيمها في الإمارات وفي عدد من البلدان... وقد أثبت المسرح أن لا خوف عليه، فهو الفن القادر على تحويل كل العلوم إلى فن، وهو القادر على الاستفادة من كافة الوسائط الحديثة، الخوف يأتي على المسرح إن تخلف عن الإدهاش وإن تخلف عن ملامسة روح الإنسان وحاجاته، أما النص فإن كافة المراحل التي مر بها الفعل المسرحي والتي بشر بعضها بموت النص وبشر بعضها بموت المؤلف مرت وبقي النص بمعناه المكتوب، وليس بالضرورة المنطوق. أما ما يريده كاتب مثلي من النص المسرحي ومن فعل الكتابة فهو كامن في استمرار الحياة. * قبل أن نختم هذا الحوار، أود منكم أن تحدثوا قراءنا عن الهيئة العربية للمسرح، مكوناتها، هيكلتها، برامجها، مجالات اشتغالها ومشاريعها.. - انطلقت الهيئة العربية للمسرح في عام 2008، من لدن إرادة المسرحي وعاشق المسرح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، والذي ألقى كلمة اليوم العالمي للمسرح عام 2007 في اليونسكو بباريس، فنهض فكره بالحلم لخلق مؤسسة عربية، تكون بيتاً للمسرحيين في الوطن العربي، تساهم في تفعيل المشهد العربي ولا تكون بديلا عن المؤسسات الشعبية أو الرسمية، بل تكون الشريك الفاعل والمفعل، فانطلقت الهيئة بعد عام من التشاور والدراسة والتمحيص من قبل عدد كبير من المسرحيين العرب والمؤسسات العربية المسرحية، ليكون العاشر من يناير عام 2008 هو يوم انطلاقها رسمياً وذلك في احتفال تم في الشارقة حيث ألقى الفنان الكبير الراحل يعقوب الشدراوي من لبنان، رسالة اليوم العربي للمسرح في العاشر من يناير 2008، مدشناً أول احتفال بهذا اليوم الذي صار موعداً للمسرحيين كل عام. وانطلقت الهيئة في مسيرتها التي شهدت تحولات وتطورات في طبيعة العمل وإدارة الدور، حتى وصلت إلى صيغة العمل الحالية التي تعمل بها، حيث تقف الهيئة على مسافة واحدة من جميع المؤسسات والفرق والتجارب والأفراد، ولا يحول حائل بينها وبين التعاون مع كافة المسرحيين في شيء، خاصة وأنها ومنذ عام 2010 قد نالت مصادقة وزراء الثقافة العرب على إنشائها، مما عزز دورها ومكانتها في المشهد العربي. يقود الهيئة العربية للمسرح مجلس أمناء يتشكل من مجموعة مسرحيين ذوي خبرة وإبداع، وقد تشكل المجلس في السنوات الأربع الأخيرة من: - الأستاذة سميحة أيوب من مصر. - الأستاذ علي مهدي من السودان. - الدكتور عبد الرحمن بن زيدان من المغرب. - الدكتور فاضل الجاف من العراق. - الأستاذ أحمد الجسمي من الإمارات. - الأستاذ روجيه عساف من لبنان. ولا يقتصر عمل الهيئة على عقد المهرجان وإن كان المهرجان يعتبر أهم المناسبات السنوية، إلا أن الهيئة تقيم مسابقة لتأليف النص المسرحي الموجه للكبار وكذلك الموجه للأطفال، وقد مضت من هذه المسابقة 6 نسخ حتى الآن، وتتوسع المشاركة فيها سنوياً، حتى بلغ عدد المشاركين في النسخة الأخيرة لعام 2014 مئتين وخمسة وثلاثين مشاركاً. كما أن الهيئة تعقد بالتعاون مع الجهات المختلفة ورشات تدريب تركزت في العام 2014 على تأهيل مدربي المسرح المدرسي، هذا المشروع الاستراتيجي الذي تعمل على وضع الخطط الخاصة به لجنة انبثقت عن ملتقيين كبيرين ضما مسؤولي المسرح المدرسي في وزارات التربية والتعليم العربية إلى جانب كوكبة من خبراء المسرح المدرسي، وستعمل الخطط في بعدين، عاجل لسنتين، وطويل المدى لعشر سنوات، وهو مشروع يلقى الاهتمام المباشر من لدن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، و يأتي انفاذا لاستراتيجية تنمية المسرح العربي.