تعزيزا للامركزية وتكريسا للديمقراطية المحلية أوصى المشاركون في أشغال مناظرة دولية حول التعمير، أول أمس الأربعاء بالصخيرات، بضرورة الارتقاء بالحكامة الترابية في إطار ما يفتحه ورش الجهوية المتقدمة من آفاق واعدة، تعزيزا للاتمركز واللامركزية وتكريسا للديمقراطية المحلية. وأكدوا في اختتام أشغال المناظرة التي نظمتها وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني تحت شعار "مئة سنة من التعمير في المغرب، الآفاق والتحديات"، على ضرورة التوفيق والتنسيق والتمفصل بين توجهات التهيئة ذات البعد الوطني ومضامين المخططات ذات البعد الجهوي والمحلي. واقترحوا خلال هذا الاجتماع الدولي، المنظم تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس بمناسبة تخليد الذكرى المئوية لإقرار أول نص قانوني متعلق بالتعمير بالمغرب "16 أبريل 1914"، وضع آليات للتخطيط مرنة، تمكن من التعامل مع المجالات حسب خصوصياتها وحجمها ومدى إسهامها في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشددين على ضرورة توفير إطار قانوني ومؤسساتي ومالي لتدبير فضاءات التجمعات الحضرية الكبرى بالنظر لإسهام هاته المجالات في المنظومة الاقتصادية ووقعها الاجتماعي. كما دعا المتدخلون إلى التفكير في وضع آليات جديدة لتمكين المواطنات والمواطنين من التعرف وتتبع السياسات والمشاريع التعميرية التي تهم مجال عيشهم وخاصة تلك المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة، مؤكدين على ضرورة إعمال مبدأ إلزامية التشاور القبلي مع جمعيات المجتمع المدني بالنسبة لإعداد وثائق التعمير والسياسات والبرامج الحضرية. وشددوا على ضرورة وضع أسس تعمير تضامني يضع في صلب اهتماماته أنسنة المجالات والاستجابة لانشغالات المواطنات والمواطنين ويعمل على إشراكهم في اتخاذ القرار، موصين بتطوير نماذج متجددة للشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام والاستفادة من التراكمات في هذا الميدان لتقاسم تكاليف تمويل التعمير. وأكد المشاركون على ضرورة توفير فضاءات عمرانية مندمجة، تسعى إلى تحقيق التمازج الاجتماعي من خلال إنجاز برامج سكنية متجددة تتوفر فيها المرافق والخدمات الضرورية الكفيلة بضمان توفير فضاءات عيش كريم وصون كرامة المواطن. ودعوا إلى وضع إطار واضح المعالم لتمويل التعمير يمكن من توفير مجالات عمرانية متجمعة لتفادي توسعات عمرانية متفرقة يصعب على السلطات العمومية الاستجابة لمختلف حاجياتها وخاصة بالضواحي، مبرزين أهمية وضع إطار يضمن أفقية المناهج والتقائية البرامج وذلك من أجل تحقيق النتائج المرجوة وترشيد وعقلنة الموارد المرصودة. وأوصوا ببلورة استراتيجية شمولية للتهيئة الرقمية للمجالات وتأهيل مختلف القطاعات وكافة المتدخلين للتمكن من الاستغلال الأمثل لما تتيحه التكنولوجيات الحديثة في تدبير ورصد واستشراف مختلف الظواهر المجالية، داعين إلى تبني الممارسات الناجعة على الصعيد الدولي وتشجيع البحث والابتكار في إيجاد الحلول الكفيلة للمتطلبات المتزايدة التي تفرضها حركية التمدن المتسارعة. وأجمع الحاضرون على أن التعمير بالمغرب يعد حصيلة تراكمات تاريخية هائلة منذ أقدم العصور، داعين إلى ضرورة تثمين هذه التجربة الغنية واستثمارها عبر الاستفادة من المشاريع والتدخلات الناجحة ومن التراكم المعرفي والعلمي الذي طبع هذه الحقبة المتميزة من تاريخ المغرب الحضري والهندسي سواء على مستوى البحث العلمي أو الممارسة المتخصصة. كما أجمعوا على أن السياسة التعميرية تعد ورشا بامتياز لأجرأة مرتكزات الجهوية المتقدمة واللاتمركز الذي تبناه المغرب ومناسبة لتثمين الرأسمال اللامادي الذي يزخر به المغرب، موضحين أن هذه السياسة تعتبر ورشا يؤسس لمشروع مجتمعي متكامل، حداثي وديمقراطي، يحافظ على الهوية والذاكرة ويسعى إلى توفير فضاء عيش كريم في إطار تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة. وخلصوا إلى أن تنفيذ هذه السياسة التعميرية يستوجب إرادة قوية من الدولة والجماعات الترابية وباقي المتدخلين المعنيين وفي مقدمتهم الهيئات والفعاليات المؤطرة للمجتمع المدني، ويجعل المواطن كمرتكز لوضع السياسات العمومية، مع تعزيز شعوره بالانتماء إلى فضاء عيشه، وبالتالي إلى وطنه وقيمه المشتركة. وشكل اللقاء، الذي شارك فيه نخبة من الفاعلين والممارسين والمهتمين المغاربة والأجانب ومؤسسات وهيئات دولية، وممثلين عن الإدارات العمومية، والسلطات الترابية والمجالس المنتخبة والهيئات المهنية والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والباحثين الجامعيين، فرصة سانحة لاستعراض تاريخ التعمير في المملكة وفهم واستيعاب الحاضر بعمق واستشراف مستقبل أفضل لهذا القطاع الحيوي. كما أتاحت هذه المناظرة التي شارك فيها، أزيد من 600 مشاركة ومشارك، فضاء للتفكير العلمي حول تحديات ورهانات التعمير، وأرضية لتبادل وتجميع المساهمات الفكرية والعلمية والتقنية وكذا صياغة توصيات عملية من شأنها إرساء أسس تعمير مستدام ذي خصوصيات مغربية. وبحثت هذه المناظرة الدولية، ضمن ثلاث جلسات ، مواضيع "التعمير والتماسك الاجتماعي"، و"التعمير المستدام والقدرة على مواجهة التحديات"، و"التعمير والحكامة الترابية".