عشرات الوفيات وانهيار للمنازل والقناطر بمدينة كلميم وعزلة تامة للمدن المجاورة خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات، إجبار المئات من المواطنات والمواطنين على المبيت في العراء أو في خيام تنعدم فيها أدنى شروط الوقاية من شدة البرد والحماية من غضبة الطبيعة التي اختارت الجنوب والجنوب الشرقي للمغرب بعد عقود من الزمن، انقطاعات في التيار الكهربائي وندرة المياه الصالحة للشرب والغاز الخاص بالاستهلاك المطبخي، وعزلة مدن وقرى بأكملها عن العالم الخارجي، ووفيات بالعشرات، ومسح منازل من الخريطة الجيولوجية للمنطقة، تلكم أهم مخلفات التساقطات الاستثنائية، والأمطار العاصفية والفيضانت المهولة التي ضربت الجزء الجنوبي لململكة خلال الأسبوع الذي ودعناه. هشاشة البنية التحتية والغش وراء خسائر مادية كبيرة شهد جنوب البلاد، خاصة مدينة كلميم، خسائر مادية كبيرة لم يسبق أن عرفتها على الإطلاق، الشيء الذي أكده محمد حصاد وزير الداخلية خلال ندوة صحفية بخصوص مخلفات الأمطار والعواصف الرعدية والفيضانات التي تضررت منها المنطقة بشكل غير مسبوق . فمن حوالي 7500 قنطرة منتشرة عبر تراب هذه الربوع، 200 منها مهددة بالانهيار و800 تستلزم تدخلا سريعا لصيانتها و200 محدودة الحمولة حسب مصادر رسمية. ولعل سقوط قنطرة تلوين والتي أدت إلى تعطيل الطريق الوطنية رقم 10 التي تربط اكادير بورززات لأيام، لدليل قاطع على وجود خلل كبير في الصفقات العمومية المرتبطة بمجال التجهيز والبناء، لاسيما، وأن الميزانية المخصصة لهذا المشروع كبيرة ومدة انجازها استغرق وقتا أطول، وأن فتحها في وجه حركة المرور لم تمر عليه إلا أربعة أشهر مع العلم أن الوزارة الوصية لم تصادق بعد، على انتهاء أشغال إنجاز هذه القنطرة، حيث تقول بعض الأنباء بأن عملية إعطاء انطلاق فتح القنطرة كانت من عامل إقليمتارودانت لتيسير عملية المرور وتسريعه على مستوى هذه القنطرة . وفي درعة، فقد أدى ارتفاع منسوب مياه وادي درعة إلى مستوى قياسي لم يشهده منذ أزيد من 50 سنة، إلى تجريف العديد من المساحات ذات الاستعمال الفلاحي المحلي وغمرت المياه العديد من المنشآت السياحية وتضررت معظم القناطر المشيدة على وادي درعة . المصير ذاته شهدته القنطرتان على الطريق الوطنية رقم 1 المؤدية إلى الصويرة عبر طريق أكادير، واحدة منهما تم تشييدها مؤخرا وهي قنطرة تمراغت بالجماعة القروية لأورير والثانية بمنطقة تمنار، وهو ما أدى إلى شلل حركة المرور بين مدينتي أكاديروالصويرة. وبمدينة تزنيت تهاوت القنطرة المحايدة لمسجد «سر على بركة الله» جزئيا بسبب السيول الجارفة وقد تدخل المسؤولون بالبلدية لإعادة الأمور إلى مجراها بشكل استعجالي بالنظر إلى حساسية الموقع ولخطورته على مرتادي المسجد. بيد أن أكبر الخسائر شهدتها بوابة الصحراء مدينة كلميم، حيث كشفت الزخات المطرية عن حقيقة تبذير المال العام والصفقات الوهمية، واستغلال النفوذ، ماجعل هذه المدينة منكوبة قبل الفيضانات نتيجة حجم الملايير التي نهب وكانت موجهة لمشاريع تنموية ليستفيد منها أبناء الصحراء المغربية . إمدادات غدائية للتخفيف من وطأة الكارثة بالمناطق المحاصرة بسيدي إفني الأوضاع كانت أكثر تعيقدا، لكون الإقليم عاش لأيام في عزلة مقيتة، أغلقت فيها المدارس وتهاوت فيها الجدران وانقطع التيار الكهربائي ومعه شبكة الاتصال، كما عانت الساكنة من نذرة المياه الصالحة للشرب وغياب الغاز المستعمل في المطابخ، مما حدا بالسلطات المحلية إلى طلب الإغاثة من الجهات العليا المسؤولة التي تدخلت على عجل للتخفيف من وطأة وهول الكارثة التي حلت بالأهالي وبالقرى والدواوير التابعة للإقليم المنكوب بإرسال كميات كبيرة من المواد الغذائية الأساسية وقنينات غاز البوتان والماء الصالح للشرب عن طريق البحر عبر بواخر الصيد الساحلي وعن طريق بعض مراكب صيد بعض المتطوعين من البحارة الصغار. أما إقليمكلميم باب الصحراء فلم يكن «الانقلاب» الطبيعي فيه أكثر رحمة من غيره من أقاليم الجنوب، وساهم في تأزيم الأوضاع بمنطقة واد نون، هشاشة البنية التحتية وضعف التجهيزات وغياب اليقظة الأمنية. وفي حصيلة أولية أفادت السلطات أن ثلاث طرق مقطوعة في وجه حركة السير بسبب التساقطات المطرية القياسية وهي الطريق الإقليمية رقم 1304 بين الطريق الوطنية رقم 12 بين كلميم واسا ودوار أسرير على واد الصياد والطريق الإقليمية رقم 1300 بمركز تاركاواساي على مستوى واد اساكا، والطريق الإقليمية رقم 1919 الرابطة بين تيمولاي وتغيرت على مستوى السد التلي لسيدي المحجوب بجماعة افران الأطلس الصغير. ويحاصر فيضان وادي صياد ووادي واركنون سكان دواوير اسرير وتغمرت شرق المدينة، فضلا عن دواوير أخرى بسبب تضرر 74 منشأة فنية بالإقليم. سكان دواوير محاصرة يركبون المغامرة للفكاك من غضب الطبيعة أما بإقليم زاكورة، فقد عاشت فيه عشرات الدواوير المحاصرة في جماعات مزكيطة وأفرا وأولاد يحيي لكراير، على وقع الصدمة من هول الكارثة التي حلت بهم بعد أيام من التساقطات وبعد نفاذ صبرهم، بدأت الساكنة تغامر في قطع الوديان متجاهلة الأخطار المحدقة بها رغم تدخل السلطات لثنيها على هذه المغامرة غير المحسوبة العواقب إلا أن معظمها تحدى قساواة وهيجان الطبيعة للالتحاق بالضفة الأخرى حيث الظروف أقل قساوة من تلك التي وجدت الساكنة نفس فيها مكرهة. وبتنغير، فقد سجل منسوب جميع الوديان ارتفاعاً قياسيا لم يشهد له مثيلا خلال السنوات الأخيرة مما أدى إلى انقطاع مجموعة من الطرق ومحاصرة عدد كبير من المواطنين في قراهم نتيجة اندفاع مياهه بشكل كبير وإغراقها لجميع المسالك الطرقية المؤدية إلى القرى المجاورة. وبطاطا، لازالت دواوير سموكن التابعة لجماعة تمنارت (160 كلم عن طاطا) تعيش في عزلة تامة عن مركز الجماعة بسبب السيول التي قطعت الطريق غير المعبدة التي تربطهم بالعالم الخارجي (حوالي 24 كلم) . وبامحاميد الغزلان، لازالت دواوير القصر القديم محاصرة خاصة دواوير قصر لمحاميد القديم، أولاد يوسف، قصر أولاد محية، ايت عيسى اوبراهيم، قصر الطلحة، زناكة، الزاوية كما تضررت مجموعة من المؤسسات السياحية، حيث نفذت المواد الغذائية كما تسبب هيجان وادي درعة في عزل الساكنة عن العالم الخارجي. انقطاع الماء والكهرباء يضاعف من محنة السكان المعزولين أما عمالتا أكادير إداوتنان وإنزكان أيت ملول فلم تسلما بدورهما من هول العواصف الرعدية والتساقطات الاستثنائية التي حلت بأكادير الكبير رغم تجند السلطات المحلية ورغم التعزيزات الأمنية والوقائية التي تم تجنيدها وتحضيرها، بعيد النشرات الإنذارية. إذ عاشت العديد من الجماعات القروية بالخصوص على وقع الخسائر المادية التي خلفتها التساقطات المطرية التي تهاطلت بالمنطقة خلال الأسبوع الذي ودعناه .ومما زاد من حدة الصدمة لدى الساكنة هو تفاجؤها بالكميات غير المسبوقة من الأمطار التي عرفتها المنطقة، مما خلق لديها نوعا من الذعر والهرع، وإن كانت النشرات الإنذارية الصادرة من مصلحة الأرصاد الجوية قد حذرت عموم المواطنين من خطورة الزخات المطرية ومن العواصف الرعدية المتوقعة بالمنطقة. هذا،وقد تسببت هذه التساقطات في انقطاع الماء الصالح للشرب ولأزيد من ثلاثة أيام بكل من عمالتي أكادير إداوتنان ولإنزكان أيت ملول كما عرفت المنازل انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي. لكن يبقى تأثيرها على المناطق الجبلية أكثر وقعا لكونها عاشت ولمدة أربعة أيام في عزلة تامة تهدمت فيها القناطر وتكسرت الطرقات وانقطع التيار الكهربائي ومعها شبكة الاتصال، أما المنازل التي تهدمت جزئيا أوكليا يصعب تعدادها بالنظر إلى كثرتها خاصة المبنية بالطوب وبالمواد المحلية الهشة . هكذا تسبب وديان تمزركوت وتمراغت والتامري في تعذر الربط الطرقي مابين الدواوير التابعة للجماعات القروية لأقصري ولإيموزار وتقي وتدرارت وإضمين وأزيار و التامري وبين الجماعات الحضرية والشبه الحضرية بالإقليم، خاصة بعد تهاوي القنطرة الرابطة بين أورير وتمراغت وكذا تضرر القنطرة الرابطة بين أورير وإيموزار. التعبئة الشاملة والإجراءات الاحترازية للتخفيف من وطأة السيول الجارفة وفي خطوة احترازية وبتنسيق مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة سوس ماسة درعة والولاية، تقرر توقيف الدراسة بالجهة منذ عشية الخميس إلى غاية يوم الاثنين الماضيين بالنسبة للعالم القروي، وبالنسبة للحواضر تم توقيفها يوم الجمعة الماضي، كما قامت السلطات المحلية بإجراءات وقائية احترازية بتجنيد العديد من فرق التدخل السريع ووضع حواجز في المناطق التي تعرف عادة الفيضانات بعد تساقط الأمطار كما هو الشأن بالنسبة للطريق الرابطة بين حيي أدرار والدشيرة الجهادية وملتقى حيي تيليلا وتاسيلا الشيء الذي ساهم وبشكل كبير في التخفيف من وطأة السيول الجارفة القادم من مرتفعات مسكينة وواديها العابر لحي تيكوين . وعن الإجراءات المتخذة لتجنب الخسائر المحتملة في الجماعة القروية للدراركة، اتصلت بيان اليوم بحسن زركضي رئيس مجلسها الذي أقر بهول السيول الجارفة وبخطورة الرياح القوية التي هبت بالمنطقة خاصة وأن جماعته قروية بامتياز وإن كانت تتضمن بعض الدواوير التي تتوفر على بعض التجهيزات الأساسية لتواجدها بالنطاق الشبه الحضري، وأشاد الزركضي في معرض جوابه بالتعبئة الشاملة التي قام بها بناء على تعليمات ولائية، وبالعمل المضني الذي قامت به اللجنة المحلية لليقظة والتي ساهمت في تنقية الشعب المائية بالدواوير دار بوبكر، وتكاديرت وتماعيت كما قامت بتحويل سيلان المياه . وأوضح المسؤول على تدبير الشأن المحلي بالدراركة، بأن سقوط قنطرة تامعيت كان بسبب توسيع قنطرة وادي تكنزة المحاذي للطريق الوطنية رقم 8 مما زاد من حمولته، مضيفا أن سقوط القنطرة حال دون غرق تماعيت في فيضانات هذا الوادي. واختتم جوابه بتعبيره عن راتياحه العميق لعدم زهق الأرواح جراء هذه التساقطات غير المنتظرة وغير المسبوقة في المنطقة. ويلاحظ من خلال مخلفات هذه «الانتفاظة» الطبيعية التي لم تعرفها المنطقة لعقود خلت أن المنشئات الفنية التي تم تشييدها منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لازالت «شامخة» تقاوم قساوة الطبيعة مهما بلغت شدتها في الوقت التي تتهاوى فيه المنشآت التي تم «وضعها» في السنوات والأشهر بل الأيام القليلة الماضية كأوراق الخريف.