عممت فرقة مسرح البدوي على الصحافة وبعض المواقع الإلكترونية بيانا ضمنته سيلا من الاتهامات الموجهة لوزارة الثقافة والمسؤول الأول بها، حيث اتهمت هذه الفرقة المسرحية وزارة الثقافة بإلغاء المهرجان الذي يدعي عبد القادر البدوي أنه ينظمه كل سنة بإيفران، على مدى أزيد من أربعين سنة؟؟ وادعى بيان البدوي أن وزير الثقافة قام بطرد الفنان عبد القادر البدوي من مكتبه... والواقع أن من يعرف المواطن محمد الأمين الصبيحي، ودماثة أخلاقه وطبيعة ممارساته الاجتماعية والسياسية الضاربة في عمق هذه التربة المغربية، ونوعية علاقاته الإنسانية الطيبة والمتسمة بكثير من الأريحية، وتاريخه النضالي، لا يمكن أن يصدق هذه الافتراءات التي لا تليق بشيب عبد القادر البدوي ولا بالشباب من أبنائه وأعضاء فرقته. ومن يعرف الفنان عبد القادر البدوي لا يستغرب من سلاطة لسانه وخبث تصريحاته التي ما نجا منها لا الطيب الصديقي ولا الطيب العلج ولا الباحثون والنقاد، ولا الكتاب من أمثال عبد الكريم برشيد ومحمد مسكين والمسكيني الصغير، ولا مسرح الهواة، ولا نقابة المحترفين، ولا المعهد العالي للفن المسرحي، ولا لجنة الدعم، ولا قناة التلفزة المغربية التي احتلها في وقت من الأوقات بنماذج بشرية معظمها «مسلوخة» حتى لا نقول مقتبسة من نصوص أخرى؟ وها هو اليوم يعود للتلفزة بعد أن انهال على القيمين عليها بوابل من النقد والسب والشتم، حتى رضخوا لابتزازه وقدموا له مساحة يطل منها على الجمهور بأعمال تافهة المضامين وغاية في التواضع.. ومن يطلع على البيانات النارية التي دأب على إصدارها بمناسبة اليوم العالمي للمسرح لن يبذل كثير جهد في استقراء كل خطابات الحقد والعدوانية التي يرسلها للمسرح المغربي والمسرحيين المغاربة والمسؤولين الذين تعاقبوا على تسيير الشأن الثقافي ببلادنا، «دفاعا عن الفن الرابع» وابتغاء في تكريس اقتصاد الريع والامتيازات. ولعل الجميع يتذكر تلك الحملة/ الجولة الوطنية الواسعة التي قام بها في بداية التسعينات من القرن الماضي، بمفرده، على مستوى الأقاليم والعمالات، غداة استقبال الملك الراحل الحسن الثاني لثلة من المسرحيين المغاربة كان هو من بينهم، حيث كان يقدم نفسه للسلطات العمومية المحلية على أنه «رئيس اللجنة الملكية العليا لشؤون المسرح»، وهي الصفة التي كانت ترعب المسؤولين الذين يعتقدون أنه مرسول ملكي مكلف بالنهوض بوضعية المسرح المغربي، وكان يبتزهم بهذه الصفة ولا يغادر المدينة التي يزورها معززا مكرما إلا بعد أن يبيع عرضا من عروضه المسرحية لهذه البلدية أو تلك أو لأي مؤسسة بتدخلات بل وضغوطات من قبل السلطات.. وللحقيقة والتاريخ أن الملك الراحل لما استقبل هؤلاء المسرحيين، وكنت من بينهم إلى جانب عميد المسرح المغربي الأستاذ الطيب الصديقي، والمخرج المقتدر الفنان عبد الواحد عوزري، ورئيس الجامعة الوطنية لمسرح الهواة الأستاذ عبد الحكيم بن سينا، والدكتور أحمد بدري المدير المؤسس للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، والإعلامي والمسرحي إدريس الإدريسي منشط البرنامج التلفزيوني الذي على إثره تم الاستقبال الملكي للمسرحيين، ومحمد بنعيسى وزير الثقافة ءانذاك، وهؤلاء كلهم ما يزالون أحياء أطال الله في عمرهم، بالإضافة إلى الوزراء الراحلين مولاي أحمد العلوي وزير الدولة، إدريس البصري وزير الداخلية، وعبد اللطيف السملالي وزير الشبيبة والرياضة، قلت لما استقبلنا الملك الراحل، لم يعين الملك أي لجنة ولا أي إطار للتتبع وبالأحرى تعيين رئيسها.. إذن فاللجنة التي كان ولا يزال يتحدث باسمها عبد القادر البدوي لجنة وهمية من صنعه وابتكاره، كان الهدف منها هو الابتزاز والتخويف باسم «اللجنة الملكية»، وأتمنى أن تسعفني الذاكرة والقلم لأعود لموضوع الاستقبال الملكي الذي نسجت حوله حكايات، لتوضيح بعض الالتباسات وتسليط الضوء على بعض النقط المعتمة. ولا أحد ينسى كيف كان هذا «المناضل الفذ» يحارب النقابة الوطنية لمحترفي المسرح بعد أن كان يطمح لرئاستها، وصدمه المسرحيون المحترفون الحقيقيون برغبتهم الجامحة في أن تجري الأمور وفق القواعد الديمقراطية من ترشيح وتصويت بعيدا عن كل أساليب الوصاية التي كان يفرضها هو ومن معه للسيطرة على دواليب النقابة بعد أن فشل في تدبير محاولة سابقة بسبب كثرة الخصومات والعداءات التي أحاط بها اشتغالاته وعلاقاته.. وبسبب أنانيته المفرطة. لقد أصبحت ممارسات عبد القادر البدوي دائرة ومتداولة على كل لسان، ولم يشأ أحد أن يرد عليه أو يواجهه احتراما لكبر سنه أو اتقاء لسلاطة لسانه وقلمه الذي ليس قلمه على كل حال.. البيان الصادر باسم «مسرح البدوي» يتحدث باسم المسرحيين والمثقفين والمبدعين، والواقع أن البيان لم يطلع عليه أحد بمن في ذلك أعضاء الفرقة، ولم يكن يعبر إلا عن سلوك مبتذل دأب عليه عبد القادر البدوي، لأنه تعود على أن يكيل السباب والشتائم للناس باسم فرقة مسرح البدوي التي هجرها على كل حال أعمدتها الحقيقيون وعلى رأسهم المخرج عبد الرزاق البدوي الذي لم يسلم بدوره من تسلط أخيه عبد القادر، إلى درجة أن انشق عنه وأحدث فرقة «مسرح البدوي الاستمرار 65»، والممثلة عائشة ساجد، والممثلة نعيمة إلياس، والمرحوم عبد الله خليفة وآخرون.. وفي هذا السياق، عبر لنا الفنان عبد الرزاق البدوي عن استيائه للغة التي صيغ بها البيان، وقال في حديث لبيان اليوم إنه غير متفق نهائيا مع ما ورد فيما يسمى ب «بيان مسرح البدوي»، لكون «فرقة مسرح البدوي»، في نظره، لم تعد تضم سوى عبد القادر البدوي وزوجته وبناته، وأن البيان المذكور وراءه أيادي صغيرة تحاول تغليط الرأي العام. وبالتالي فإنه لا يتحدث باسم المسرحيين كما يدعي، وإنما يعبر عن رأي منفرد يخصه لوحده؛ وأضاف عبد الرزاق في تصريحه لبيان اليوم، أن ما أقدم عليه شقيقه عبد القادر، ينقص من قيمته كفنان ومن ماضيه الفني، خصوصا وأن فرقته استفادت من دعم مالي مهم من وزارة الثقافة، لم تستفد منه مجموعة من الفرق التي قدمت طلبات الدعم المسرحي، بعد أن لم يسعفها الحظ، وبالتالي، فالبيان المذكور ليس، في نظره، سوى محاولة لتخويف الوزارة، وابتزازها و»إخضاعها» لأهوائه ونزواته، «ولهذا، فأنا متيقن، يؤكد عبد الرزاق، أن وزير الثقافة، أعطاه ما لم يعطه للفرق الأخرى». لذا فالبيان المذكور لا يحمل سوى رأي شقيقه، وهو عمل فردي ومعزول ولا يمكن أن يتفق معه أحد، وما هكذا يكون النضال من أجل تحقيق المكاسب.. من جانبه اعتبر الكاتب المسرحي المسكيني الصغير، أن جميع الفنانين سواسية في التعامل مع وزارة الثقافة، لكونها الوزارة الوصية على القطاع، متسائلا، إن كان كل الفنانين يدركون مدى أهمية التعامل والتواصل مع وزارة الثقافة؟. وأضاف في تصريح لبيان اليوم، أن التعامل مع وزارة الثقافة، يجب أن لا يكون ماديا محضا، أو مبنيا على أسلوب الابتزاز و»الشانطاج»، بل ينبغي أن يستند على أساس العمل والعطاء والنتائج، أي ما يقدمه الفنان للمواطنين من منتوج فني ومدى تأثيره في الوسط الفني وفي الجمهور وفي الرأي العام الوطني. أما أن يقوم أحد الأفراد، يؤكد المسكيني الصغير، بمساومة وزارة الثقافة، بناء على طلبات ذاتية أو شخصية، فليس للأمر فيه أي منفعة بالنسبة للمواطنين، بل الأمر يتعلق بأنانية مرفوضة. ووصف المسكيني «بيان عبد القادر البدوي»، بكونه يندرج في إطار المعارضة «الحالبة»، وهو سلوك دأب البدوي عليه واعتاد التعامل به، مع باقي الوزراء الذين تحملوا مسؤولية وزارة الثقافة، مشيرا في الوقت نفسه، أن الأقدمية التي يتبجح بها البدوي، تجاوزها الزمن، وأن الفنان يقاس اليوم بإنتاجاته، وأن هناك الكثير من الفنانين لهم كتابات وعطاءات يستحقون التمويل والعناية والدعم. رئيس النقابة المغربية لمحترفي المسرح، مسعود بوحسين، عبر بدوره عن رفضه لمثل هذه السلوكات التي من شأنها أن تجر المسرحيين إلى هوامش لا شأن لهم بها. وقال في اتصال أجرته معه بيان اليوم، «إننا نقدر ونعترف بالمكانة الكبيرة للفنان عبد القادر البدوي في المسرح المغربي، ونقر أيضا أنه من حق أعماله أن تحظى بالعناية الكاملة، بشكل مؤطر ومؤسساتي، وفي إطار قوانين تضع مسافة بين المنافسة الشريفة من جهة والريع من جهة أخرى، لكننا نرفض بعض الخطابات الشعبوية التي تنطوي على استبلاد الناس وتغليطهم، بغرض ابتزاز الدولة والمؤسسات. وأضاف نقيب المسرحيين المغاربة، أن بيان البدوي لا يتحدث إلا باسمه، وأنه لا يجب إقحام المسرحيين في أي جدال من هذا النوع، خصوصا عندما يكون الأمر مرتبطا بصراعات أو طموحات شخصية. وتعقيبا على بيان وزارة الثقافة، تساءل رئيس النقابة المغربية لمحترفي المسرح عن المساطر المتبعة في الدعم المالي الممنوح لمسرح البدوي خارج المسالك المعروفة والقانونية للدعم المسرحي، داعيا إلى ضرورة الفصل ما بين الدعم في المجال الفني والخاضع للمسطرة القانونية، وباقي أنواع الدعم ذات الطابع الاجتماعي أو التكريمي. واعتبر أيضا، أن أي تطور للمجال الفني عموما، يبدأ من منطق الحق والمنافسة الشريفة وليس من منطق الريع، أو من منطلق مزايدات أو بدعوى الدفاع عن حقوق الفنانين. ودعا وزارة الثقافة إلى التحلي بالشجاعة الكافية، للسير في طريق العمل بالقانون وعدم الخضوع للابتزاز، دون أن يلغي هذا حق الوزارة في إبداع أساليب للعناية بالفنانين. أما ما يتعلق بما يسمى «مهرجان إفران» فإن مهرجانات المغرب كلها معروفة وواضحة ومشهورة بألوانها وهويتها إلا هذا المهرجان، وهنا نتذكر العبارة الشهيرة لكاتب مسرحي مغربي لم يسلم من لسان البدوي التي تصف مهرجان إفران ب «المهرجان الفردي لمسرح البدوي»، حيث بالفعل كان عبد القادر البدوي ينظم سنويا مهرجانا / مخيما مسرحيا يقدم فيه نفس المسرحيات التي أنتجتها فرقته للكبار والصغار، وحين فطنت به المدينة وأهاليها، تراجع البدوي عن ذلك إلى أن جاءت حكومة التناوب واستجابت لابتزازه مرة أخرى. وصار يستعمل هذا المهرجان الوهمي للحصول على الدعم العمومي وجمع المال باسم الفن والفنانين وباسم تنشيط المدينة، والمدينة منه براء... وعن مهرجان إفران، قال عبد الرزاق البدوي، إنه ساهم شخصيا في تأسيسه، واستفاد المهرجان من دعم مالي في عهد وزير الثقافة السابق محمد الأشعري، لكن هذا الدعم المادي توقف، بعد أن تبث لوزارة الثقافة آنذاك، أن المهرجان المذكور لا يتم تنظيمه، وليس هناك عروض ولا هم يحزنون، وأن عبد القادر البدوي، يتوجه إلى إفران رفقة عائلته من أجل الاستجمام فقط، يؤكد عبد الرزاق. ذلك ما أكده أيضا عبد السلام بولحبيب، رئيس المجلس البلدي لمدينة إفران، حيث نفى أن يكون المسرحي عبد القادر البدوي، قد قدم عروضا مسرحية بالمدينة، أو نظم مهرجانا بها في السنوات الأخيرة، بل كان يتواجد فيها من أجل الاستجمام. وأضاف في تصريح لبيان اليوم، أن البدوي كان يستفيد من دعم مندوبية وزارة الثقافة بإفران ومن جهات أخرى، بدعوى مساعدته في تقديم عروض مسرحية لساكنة المدينة، لكنه في الواقع لا يقدم أي شيء. وبالرغم من ذلك كله، حظي البدوي وفرقته بتقدير المسؤولين بوزارة الثقافة والمسرح الوطني محمد الخامس ووزارة التربية الوطنية والإذاعة والتلفزة المغربية، ونال منهم عظيم التكريم، وكان من الفنانين القلائل الذين استفادوا من المأذونيات حين كانت «كريمة طاكسي» ذات قيمة مالية، ومؤخرا حظي، رفقة أخيه الفنان عبد الرزاق البدوي، بشرف التفاتة ملكية سامية وراقية، حيث خصص لهما صاحب الجلالة الملك محمد السادس تقاعدا استثنائيا عرفانا وتقديرا لتاريخهما وحتى يكونا في منأى عن الحاجة والخصاص، وحتى يستطيعا التغلب بكرامة على مصاعب الدهر ويضمنا لهما ولأسرتيهما عيشا كريما. أمام كل ذلك، آن للقيدوم عبد القادر البدوي أن يستحيي، ويوقر تاريخه وشيب رأسه..