الفنانة كريمة البدوي، فنانة أنيقة ليس في شكلها، بل حتى في أدائها، وبذلك جمعت كل مواصفات التمثيل، وأسس الفن الجميل الجميل، تربت في حضن أسرة البدوي التي تنفس الفن منذ عقود. وشكلت فعلا مدرسة قائمة بذاتها، ورثت عن والدها الفنان الكبير والمسرحي القدير الأستاذ عبد القادر البدوي جرأته التي لا حدود لها، سواء في الفن وفي غيره. فقد كرس مسرحه، كما هو في البدايات لمعانقة هموم الوطن والمواطنين بفنية عالية، ورثت منه أيضاً الشموخ الفني، ومقت الخنوع والخضوع من أجل أدوار زائلة، بل حملتها موهبتها إلى الشقيقة مصر، مهد الحضارات والفنون، وهناك استطاعت أن تجد لها موطىء قدم وسط النجوم والعمالقة، حيث تعاملت مع كبار الفنانين العرب، كالمخرج جلال الشرقاوي وغيره، وشاركت في العديد من الأعمال السينمائية والمسرحية والتلفزيونية. التحدث مع الفنانة المغربية كريمة البدوي يمثل إضافة لمحاورها، فهي فعلا تجيد الإنصات، كما تجيد التحدث بعمق ووضوح وجرأة.. لنتابع: سنة 1998 غادرت بلدك الأم المغرب في اتجاه الديار المصرية لماذا هذه الهجرة؟ توجهي إلى مصر كان بالدرجة الأولى بوازع علمي محض، لأنني تفتحت في أسرة فنية مسرحية نمت بداخلي حب الثقافة و الفن وحرصت على إدماج الفنون في حياتي منذ الطفولة، حيث مارست فن الباليه بالمعهد البلدي بالدار البيضاء و المسرح في مسرح الطفل التابع لمسرح البدوي، و كانت لي مشاركات في السلسلات التلفزيونية التي قدمها مسرح البدوي للتلفزيون المغربي، ثم في مجموعة من المسرحيات لمسرح البدوي للطلبة و العموم مثل مسرحية ‹›مطربة الحي›› ‹›البخيل›› ‹›راس الدرب›› ‹›وصية الثعلب›› ‹›الهاربون››.. وبعد حصولي على الباكالوريا أردت أن أثري تجربتي الفنية وأصقل موهبتي أكثر بالدراسة الأكاديمية المتخصصة، فتوجهت بدعم من والدي الفنان عبد القادر البدوي ووالدتي الفنانة سعاد هناوي، للدراسة في أكاديمية الفنون المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل و الإخراج، لأن هذه الأكاديمية تعتبر من أعرق الأكاديميات الفنية المتخصصة في الوطن العربي، تتلمذت فيها على يد كبار رجال المسرح و نسائه، هذا بالإضافة إلى المناخ الثقافي الثري و المتنوع السائد في هذا البلد العريق ذي الحضارة الضاربة في عمق التاريخ. هل هذه الهجرة تعني أن الأفق الفني في المغرب غير مفتوح بشكل سلس و لا يستوعب مثل مواهبك ؟ الأفق العلمي المتخصص في دراسة الفنون و تدريسها بشكل عام مع الأسف منعدم لدينا مما يؤثر على مناخنا الثقافي و على منتوجنا الثقافي أيضا، ومن هذا المنبر أدعو المسؤولين على إدارة الشأن الثقافي في بلدنا إلى زيارة أكاديمية الفنون بالقاهرة، و هي مدينة فنية متخصصة متكاملة للإطلاع على هذا الصرح الأكاديمي العملاق، ربما يحفزهم على التفكير في مستقبل ثروتنا البشرية المهدرة. شاركت في مسرحية ‹›شباب روش طحن›› مع جلال الشرقاوي كيف أقنعته؟ تشرفت بالتتلمذ على يد أحد عمالقة المسرح العربي المخرج الكبير الدكتور جلال الشرقاوي في المعهد العالي للفنون المسرحية، و من هنا اكتشف مواهبي ورشحني للعمل في مسرحيتين من انتاجه واخراجه، الأولى مسرحية›› حودة كرامة›› و الثانية ‹›شباب روش طحن›› ، و قفت فيها بطلة إلى جانب الفنان الكبير صلاح عبد الله و نجم السينما عمرو واكد ودنيا عبد العزيز. بذلك منحك دورا طالما بحث عنه فنانون و فنانات مصريات؟ جلال الشرقاوي منحني فرصة طبعا كبيرة في ظل المنافسة الشرسة التي تعرفها الساحة الفنية هناك، لأنه وثق في إمكانياتي و موهبتي.. ومعروف عن هذا المخرج و المنتج الكبير تقديم مجموعة من الفنانين و الفنانات أصبحوا نجوما ساطعة في سماء المسرح و السينما و التلفزيون في مصر، و أنا أشكره على هذه الفرصة. قربي جمهورك المغربي و العربي من هذه المسرحية و تحدثي لنا عن دورك؟ دوري في هذا العرض كان دورا محوريا يتطلب ممثلة تجيد إلى جانب التمثيل ،الغناء و الرقص الاستعراضي، حيث سجلنا أغاني العرض بأستوديو الموسيقار الكبير سامي الحفناوي و الاستعراضات كانت من تصميم مصمم الاستعراض الكبير عادل عبده، كنت أقدم شخصية فتاة شابة وصولية يستغلها أحد رجال الأعمال الفاسدين في صفقاته المشبوهة، كان دوري يجمع بين الشر و الجمال الأنثوي الطاغي و خفة الدم أيضا في مشاهدي مع الفنان الكوميدي صلاح عبدالله. ومسرحية شباب روش طحن تدوى احداثها حول الازمات العديدة التي يواجهها شباب هذا العصر من مشكلة البطالة، لفساد بعض الذمم، كما تتعرض المسرحية للمتغيرات الدولية التي حدثت بعد الحادي عشر من شتنبر ورأي الشباب فيها وهي من تاليف الاستاذ حمدي نوار. هل أثرت هذه الشخصية التي تقمصتها بشكل كبير في حياتك العملية والشخصية؟ في حياتي العملية لفترة نعم تهافتت شركة الإنتاج السينمائي لتوظيف هذه الشخصية التي قدمتها على المسرح في الأفلام، و أصبح كل ما يعرض علي أدوارا فيها جرأة و إغراء، إلا أنني اعتذرت على المشاركة في هذه الأفلام، لأنني أحب أن أنوع أدواري، وأن لا يرتبط اسمي كممثلة بشخصية واحدة أقدمها لذلك اتجهت في تلك الفترة إلى التلفزيون وقدمت فيه شخصيات متنوعة ومختلفة، أما على المستوى الشخصي، فأنا من يدير عن وعي الشخصيات التي أقدمها و أختارها وليست هي من تديرني لأقدم من خلالها عملا فنيا متكاملا يتوافق مضمونه مع أفكاري و قيمي و قناعتي. قبل ذلك شاركت في مسرحية ‹›حودة كرامة›› مع الفنان الكبير جلال الشرقاوي ماذا تتذكرين عن هذا العمل؟ مشاركتي في مسرحية ‹›حودة كرامة›› لم تخطر يوما على بالي، لأنها كانت تعرض بنجاح كبير لأربع سنوات، قبل أن أشارك فيها و هي من بطولة أحمد آدم، صلاح عبد الله، غادة عبد الرازق، عبير صبري، وصفوة، ذهبت مع مجموعة من زملائي بدعوى من أستاذنا جلال الشرقاوي لمشاهدة المسرحية، و كانت هذه الدعوة في حد ذاتها لها فرحة خاصة وامتنان له غير مسبوق، لأننا كطلبة المعهد آنذاك لم يكن في استطاعتنا اقتناء تذكرة لحضور عرض من عروض مسرح القطاع الخاص، عكس مسرحيات القطاع العام كانت التذاكر مدعمة من وزارة الثقافة المصرية، وبالتالي هي في متناول الجميع، و العروض تكون مكتظة بالطلبة وعموم الشعب أيضا، يومها أعجبت جدا بالعرض و تمنيت أن أقف على خشبة هذا المسرح في يوم من الأيام لأعيش تلك الأجواء الفنية العالية، لكنني لم أكن أتخيل أن حلمي سيتحقق بسرعة غير متوقعة، لأنه بعد فترة و جدت إدارة المسرح تتصل بي و تحدد لي موعدا لمقابلة الدكتور جلال الشرقاوي في مسرحه ذهبت لا أعلم موضوع المقابلة أخبرني أنه سوف يفتتح موسم المسرحية الصيفي بمدينة الإسكندرية على مسرح «بيرم التونسي» و بأن الفنانة صفوت انسحبت من العرض وبأنه اختارني لأقدم دورها، انتابتني حالة لا توصف من الفرحة والتأثر و الخوف أيضا من هذه المسؤولية الكبيرة و الامتحان الحقيقي الذي وضعني أستاذي فيه، لكن ثقته بي أعطتني القوة و الثقة في النفس، لأكون على قد مسؤولية هذه الفرصة، والحمد لله استقبال الفنانين و النقاد و الجمهور لي كان فوق الوصف، وجعل من هذا العرض شهادة ميلاد فني لكريمة البدوي بهوليود الشرق. ما هي الطرائف التي حدثت معك سواء في هذين العملين المسرحيين أوغيرهما؟ عرض مسرحية ‹›حودة كرامة›› كانت فرصة بالنسبة لي للإقامة حوالي أربعة أشهر بمدينة الإسكندرية المتوسطية الجميلة و الاحتكاك بسكانها وزوارها، وفرصة أيضا للحضور لأول مرة في إحدى دورات مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي، أما الطرائف فهي كانت كل يوم طبعا لأن العمل مع نجوم كوميدية بحجم أحمد آدم و صلاح عبد الله يجعلنا لا نتمالك أنفسنا من الضحك على إضافاتهم الجديدة في المسرحية أمام الجمهور، كما أن أجواء الكواليس كانت أكثر من رائعة تطبعها خفة الدم و الاحترام المتبادل. تحدثي لنا بالتفصيل عن أعمالك بالقاهرة و كيف تقيمين هذه التجربة؟ أعتبر تجربتي الفنية في مصر امتدادا لتجربتي الفنية بالمغرب تجربة أكاديمية بالدرجة الأولى ثم احترافية بعد ذلك، إذ أن المعهد العالي للفنون المسرحية هناك كان البوابة الشرعية التي ولجت منها الاحتراف بمصر التي تبقى و ستظل هوليود الشرق التي تحقق الانتشار الفني في الوطن العربي لكل نجوم العرب و ريادتها الإعلامية فوق أي منافسة، لأنها رائدة في هذا المجال، قدمت في مصر أعمالا متنوعة مسرحية، تلفزيونية وسينمائية، قدمت لمسرح القطاع العام على مسرح الغد للعروض التجريبية مسرحية ‹› حلم يوسف›› من تأليف الشاعر بهيج إسماعيل وإخراج طه عبد الجابر، على مسرح التلفزيون مسرحية ‹›مراية الحب›› وهو عرض استعراضي غنائي من تأليف الشاعر مصطفى الضمراني وإخراج عادل عبده بالإضافة إلى عرضين للقطاع الخاص على مسرح الفن لجلال الشرقاوي، ثم أكثر من أحد عشر مسلسلا للتلفزيون أبرزهم مسلسل ‹› وحلقت الطيور نحو الشرق›› من إخراج هاني إسماعيل، ومسلسل ‹› نعتذر عن هذا الحلم›› إخراج رائد لبيب ، مسلسل ‹› قضية نسب›› إخراج مدحت السباعي ‹›سوق الخضار›› إخراج محمد النقلي ‹›المنصورية›› إخراج ياسر زايد، ‹›عمرو ابن العاص›› إخراج وفيق وجدي...إلخ ، فيلم ‹›السلم والثعبان›› إخراج طارق العريان فيم ‹›سلمى›› إخراج ألبير مكرم، كما أنني عضو عامل بنقابة المهن التمثيلية بمصر وهذا شرف كبير لي. بطبيعة الحال الفنانة كريمة البدوي أنت كريمة الفنان القدير عبد القادر البدوي إلى أي حد ساهم في عشقك للفن ؟ أعتبر نفسي محظوظة أنني ابنة هرم مسرحي مغربي أصيل بحجم الأستاذ عبد القادر البدوي تربيت و تتلمذت على يده، منذ الطفولة كنت أشاهده على المسرح بكل إعجاب و انبهار يقدم شخصيات مختلفة بعيدة عن شخصيته الحقيقية بحرفية و براعة شديدة تنم عن موهبة في التمثيل غير عادية و الإقبال غير مسبوق على عروضه المسرحية في كل أنحاء المغرب، حضرت محاضراته و أنا طفلة لأنه كان يحرس على اصطحابنا معه للندوات و اللقاءات الفكرية التي تخص المسرح و الثقافة و الفكر ونحن أطفال، فحضرت معه و أنا طفلة محاضرة للدكتور محمد عابد الجابري بالمسرح البلدي بشارع الجيش الملكي كانت القاعة مملوءة بالطلبة، أيضا حضرت معه و أنا طفلة محاضرة للدكتور المهدي المنجرة مع المفكر روجي جارودي بمسرح المعاريف بالدار البيضاء و كان الحضور كبيرا والقاعة مكتظة سألت بكل براءة والدي ‹›لماذا كل هذه الجماهير مجتمعة من أجل حضور ندوة، و من هؤلاء الناس؟ أجابني والدي عندما تكبيرن وتقرئين فكرهم و تاريخهم ستعرفين حينذاك سر جماهريتهم››، والدي كان له الفضل في تشكيل وجداني و شخصيتي و في تكويني الفني و الثقافي تربيت في بيت به مكتبة كبيرة متنوعة التخصصات مما جعلني قارئة نهمة لا أستطيع الحياة في بيت بدون مكتبة، كما شجعني على ممارسة الرياضة وفن الباليه و الكتابة أيضا، كان أول شخص يقرأ محاولاتي الشعرية الأولى و يشجعني على الاستمرار في الكتابة بالإضافة إلى اصطحابي و إخوتي لمتابعة الأفلام السينمائية العالمية باستمرار ويناقشها معنا بعد العرض. هناك كذلك إخوتك ينتمون إلى عالم الفن و كذلك عمك عبد الرزاق البدوي ينتمي إلى الفن، أي أن الأمر يتجاوز أسرة البدوي إلى عائلة البدوي الفنية، كيف يتعامل عميد آل البدوي مع مواهبه المتعددة؟ إذا كانت أسرة البدوي بها مواهب متعددة و أسماء في الساحة الفنية فالفضل في الأول و الآخر بعد الله سبحانه و تعالى للأستاذ عبد القادر البدوي الذي أعطانا فرصة التكوين و الإبداع في مسرحه الذي أسسه منذ سنة 1952 ونحن جزء من أجيال مختلفة من الأسماء الفنية الكبيرة في الساحة المغربية التي تخرجت من هذا المسرح و تتلمذت على يد هذا الأستاذ، ربما نحن محظوظين أكثر لأننا نحمل اسم البدوي الذي صنعه عبد القادر البدوي والذي كلفه الكثير لكي يستمر ساطعا في سماء الفن والثقافة المغربية، لهذا ارتباطنا باسمه مسؤولية كبيرة على عاتقنا نتمنى أن نكون على مستواها. أليس هناك تفضيل من طرف الوالد ؟ أبدا، والدي رجل مغربي محافظ ليس بالمفهوم الرجعي للكلمة و إنما بالمفهوم الحداثي يؤمن بالمرأة و بدورها في بناء الأمم، لهذا كان و لازال أبا ديمقراطيا في إدارة بيته و تربية أبنائه، حقوقنا داخل الأسرة متساوية ترتكز على الحوار و الاستشارة، دعمني كإمرأة في حياتي كثيرا لأنه رجل متصالح مع نفسه بعيد كل البعد عن الازدواجية التي يعاني منها نسبة ليست بالقليلة من الرجال في وطننا العربي. هل تحسين بغيرة ما في حالة ما أثنى الوالد على عمل فني لغيرك؟ إطلاقا، لأنني أثق في ذوقه و إثنائه على عمل معين سيدفعني لمشاهدته للاستفادة من نقاط القوة التي جذبته في هذا العمل. لنتحدث عن مدرسة البدوي كيف تقيمينها كفنانة و كواحدة من الجمهور أيضا؟ إذا كانت الشعوب المتحضرة تفتخر بتاريخها و فنونها و رموزها فأنا أفخر بمغربيتي عندما أقرأ تاريخ مسرح عبد القادر البدوي الذي ارتبط بتاريخ الحركة الوطنية وتاريخ المقاومة مسرح ساهم في إنجاز ملحمة تحرير الوطن من الاستعمار الفرنسي ثم ساهم بعد ذلك في بناء مغرب الاستقلال بمحطاته المختلفة و لا زال مستمرا في أداء رسالته الوطنية رغم الإرهاصات و الإخفاقات و التحديات التي واجهته دون أن ينهزم أو يحبط ودون أن يبيع مبادئه و قيمه الوطنية التي تربى عليها في سوق من يدفع أكثر. ألا ترين معي أنه رغم العطاءات الكبيرة للوالد في مجال الإبداع بالمقابل نلمس أن هناك حيفا رسميا تجاه هذه المدرسة الوطنية؟ -- أعتقد أن هذا الحيف الرسمي لا يطال عبد القادر البدوي فقط وإنما يطال ذاكرتنا التاريخية الوطنية بشكل عام. هل الأمر يعود إلى مواقف الوالد الذي يصرفها إبداعيا هي وراء هذا الجحود؟ ربما يعود إلى مواقفه الوطنية التاريخية قبل وبعد الاستقلال، لأن مضمون أعماله قبل الاستقلال كان يصب في مقاومة المستعمر الفرنسي واسترجاع سيادة الوطن فسخر من الخونة و العملاء في هذه الفترة في مسرحياته التي كانت تدعمها الحركة الوطنية آنذاك، و بعد الاستقلال ارتبط مضمون مسرحياته بالقاعدة الشعبية يطالب بحقوقها في الثقافة و التعليم والصحة والكرامة الإنسانية و العدالة الاجتماعية من خشبة المسرح ووجهة نظره أن استقلال الوطن لن يكتمل إلا بمشروع ثقافي وطني يحافظ على الهوية المغربية الأصيلة لأنه يؤمن بأن الاستقلال الفكري المجرد من أية تبعية يقوي الاستقلال الاقتصادي و السياسي و ربما هذا الفكر أزعج فلول الاستعمار القابعين على بعض الكراسي الرسمية. أكيد بأنك مطلعة بشكل جيد على علاقة الوالد عبد القادر البدوي بالحركة الوطنية و بالتحديد بالمناضلين التقدميين مثل الفقيد عبد الرحيم بوعبيد والشهيد المهدي بن بركة و عبد الله إبراهيم ، أول رئيس حكومة المغرب ما بعد الاستقلال؟سلطي الضوء على بعض الجوانب من هذه المرحلة؟ هؤلاء الزعماء موجودون في حياتنا باستمرار ، فكرهم حاضر بقوة في مسرح البدوي ارتبط بهم والدي في فترة تأسيس الإتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959، لأنه كان يرى في مشروعهم إنصافا للقاعدة الشعبية على جميع المستويات. فبالنسبة له شخصية عظيمة مثل المفكر العالمي المغربي الشهيد المهدي بن بركة شخصية لا تموت أبدا في حياة الأمم التي تتوق إلى الحرية و إلى بناء مجتمعات ديمقراطية و إلى التخلص من التبعية و نهايته المأساوية لا زال جرحها موجودا في ذاكرة الوطن و في ذاكرة والدي الذي عايشه عن قرب هذه المرحلة لعب فيها المسرح دورا كبيرا في معارضة الرجعية و النخبوية و الطبقية و في التصدي لفلول الاستعمار الذين كانوا يريدون الاستيلاء على المشهد السياسي المغربي بدعم خارجي للحفاظ على مصالحهم الاقتصادية على حساب القاعدة الشعبية، فكانت معظم النصوص التي قدمها عبد القادر البدوي تصب في هذا الاتجاه فقدم مسرحية ‹› التطهير›› تعرض بسببها لمحاولة اختطاف عند خروجه من المسرح أحبطها زميلان له و ترافع عنه في هذه القضية كل من المرحوم عبد الرحيم بوعبيد و المعطي بوعبيد . هل هذا التاريخ المشرف تبنته الفنانة كريمة البدوي فنيا و اتخذته مرجعا في حياتها الفنية؟ بدون شك هذا التاريخ الكبير جعلني احترف الفن بمنظور إنساني ونضالي و أن ألغي المنظور التجاري من حساباتي، لأنني اضطلعت من خلال هذا التاريخ على الدور الحقيقي للفن و الثقافة في بناء الأمم و الشعوب المتقدمة و نحن كدول نامية نحتاج إلى ثقافة تنموية ترتكز بالدرجة الأولى على تطوير منظومة التعليم و على الاهتمام بالبحث العلمي ،لهذا أحرص في اختياراتي الفنية على الموضوع الذي أقدمه و الذي يجب أن يتماشى ويحترم وجهة نظري في الثقافة و الفن. نلاحظ هناك خصومة مع وزارة الثقافة متمثلة في الوزير محمد الصبيحي ففي صفحتك الفيسبوكية هناك صورة له مع وضع علامة حمراء لماذا هذا الموقف من وزير محسوب على الصف التقدمي؟ ليست هناك خصومة على الإطلاق، بل هناك اختلاف في وجهات النظر وانتقاد في بعض وسائل الإعلام من مسرح البدوي للحكومة على إسناد حقيبة الثقافة لوزير ليست له علاقة بالوسط الثقافي و الفني مما شكل له أزمة و صعوبة في إدارة الشأن الثقافي المتأزم أصلا في بلدنا هذا بالإضافة إلى سوء اختياره لفريقه حيث أسند شؤون المسرح المغربي لشخصية أيضا لا علاقة لها بالمسرح أكاديميا و عمليا، أي لا تاريخ لها و السؤال الذي يطرح نفسه كيف سنحقق التنمية المنشودة لوطننا في ظل هذه العشوائية في اختيار من يدير الشأن الثقافي الوطني في هذه المرحلة التاريخية التي يشهدها ووطننا مرحلة التحول الديمقراطي المليئة بالتحديات؟ و إذا كان السيد الوزير ينتمي إلى حزب التقدم و الاشتراكية ربما لم يقرأ لن أقول تاريخ المغرب جيدا ليقدر رمزا من رموز مسرح المقاومة مثل عبد القادر البدوي و إنما لم يقرأ تاريخ حزبه ليعلم تاريخ مسرح البدوي مع هذا الحزب منذ المرحوم علي يعتة والدكتور عزيز بلال ،انتقادنا لم يتقبله الوزير المحسوب على الصف التقدمي و اعتبره خصومة بل قطيعة بين وزارة الثقافة التي يترأسها ومسرح البدوي و بدأ يدير الوزارة و كأنها من ممتلكاته الخاصة، فبدأ مسلسل ‹›تأديب›› مسرح البدوي بإقصائه واستبعاده من كل التظاهرات الثقافية الوطنية و الدولية ومن كل الاجتماعات التي تخص المسرح المغربي كما ألغى الدورة 40 و 41 من مهرجان إفران التاريخي و لم يتوقف عند ذلك، بل عندما ذهب إليه الأستاذ لاستنكار ما يحدث طرده من مكتبه في مشهد يؤكد على الأزمة الحقيقية التي يعاني منها المشهد السياسي المغربي بين تبني شعارات حملات انتخابية و الوفاء بها و بين الإشادة بدستور جديد و تفعيله، أصدر مسرح البدوي بيانا تحت عنوان››يا وزير الثقافة ارحل›› و نشرناه على الفيسبوك ندين فيه ما تعرض له رمز من رموز الثقافة الوطنية عميد المسرح المغربي الأستاذ عبد القادر البدوي من إهانة و تطاول من طرف وزير الثقافة مما أسفر عن حالة صحية متدهورة للأستاذ نقل على إثرها للمستشفى العسكري بالرباط. لن أقول أننا توقعنا أن يقال هذا الوزير من منصبه بسبب هذا الخطأ السياسي و اللامسؤول تجاه قامة ثقافية وطنية لأننا نعلم جيدا أننا مازلنا لا ننعم في وطننا بمناخ ثقافي مستقل يشكل قوة سياسية حقيقية معارضة يحسب لها السياسيين ألف حساب كما كان الحال في الستينات كما أننا ليست لدينا نقابة شرعية للفنانين المحترفين ذات وزن سياسي و رأي فارق في مختلف القضايا الوطنية تدافع عن كرامة الفنان و عن حقه في التعبير عن رأيه، و إنما هو بيان للتاريخ ربما يشكل مادة علمية قيمة يتدارسها الباحثون و الأجيال القادمة حول مدى استمرار مسلسل اضطهاد المثقفين والمفكرين و الفنانين المنتقدين للسياسة الثقافية بوطننا بعد دستور 2011 . عشت في مصر قربي القارئ من الأجواء الفنية هناك؟ الفن جزء من الهوية المصرية يتأثر و يتفاعل مع مختلف المحطات التاريخية التي عاشها و يعيشها هذا البلد دون أن يتوقف أبدا يكفي أن المواطن المصري لديه حرية اختيار أين يذهب كل مساء هل إلى عروض دار الأوبرا أم إلى المسارح المختلفة التي تقدم اتجاهات مسرحية مختلفة أم إلى عروض مسرح الطفل أم إلى السيرك القومي آم إلى المراكز الثقافية التي أصبحت في كل مكان حتى تحت الجسور مثل ‹›مشروع ساقية عبد المنعم الصاوي›› أم إلى المكتبات الكبرى أم إلى المتاحف المتعددة أم إلى الحفلات الموسيقية في الأماكن التاريخية أم إلى اللقاءات الشعرية أم إلى القاعات السينمائية، في مصر الفنان و المبدع يستهلك الفن والثقافة لينتج بدوره فنا و ثقافة و المواطن أيضا يستهلك الثقافة والفن كما يستهلك الخبز. كيف استطاعت كريمة البدوي أن تجد لها موطئ قدم في ساحة فنية مليئة بالنجوم؟ إيماني بحلمي و إصراري عليه و اشتغالي الدائم على تطوير نفسي ودراستي في المعهد كانت البوابة الشرعية لولوجي الساحة الفنية هناك. يقال أن جمالك المغربي إلى جانب موهبتك أجبر المنتجين و المخرجين على التهافت عليك بماذا تردين؟ --الجمال نعمة من الله مطلوب في الممثلة أحيانا و لكن أساتذتي في المعهد نموا عندي موهبة التمثيل و تقمص شخصيات مختلفة بما فيها التي لا تعتمد على جمال الشكل كي لا أنحصر في شخصيات نمطية تقضي على الممثلة التي بداخلي لهذا تعمدت في اختياراتي الفنية أن أتحدى ما يقال عن أن جمالي وراء ترشيحي للأعمال الفنية المختلفة و قدمت شخصيات لا تشبهني إطلاقا مثل شخصية ‹›تفاحة›› التي قدمتها في مسلسل ‹›سوق الخضار›› مع فيفي عبده و خيرية أحمد و رانيا فريد شوقي و صلاح عبد الله، كان دوري لشخصية فتاة مصرية متواضعة الجمال بسيطة من منطقة شعبية ساذجة تبيع الخضار في سوق شعبي. لنعد إلى السينما و المسرح و الأعمال التلفزيونية المغربية كيف تقيمينها؟ بإيجاز المشهد الفني المغربي به مواهب كثيرة على مستوى الطاقات البشرية يجب الاعتناء بها و تطويرها لكن أزمة المسرح و السينما والدراما التلفزيونية هي أزمة ‹›نص›› أي موضوع و سيناريو ربما هذا الأخير مرتبط بأزمة أخرى مهمة و هي أزمة ‹› الإنتاج›› فالدولة عندنا هي ‹› المنتج›› وبالتالي هي المتحكم في ‹›النص›› أو ‹› السيناريو›› و»المضمون»و ما يعرض يعكس نوع الدراما التي تريد الدولة تقديمها للجمهور المغربي وليس هناك مجال لفكر آخر لأنه ليست لدينا شركات إنتاج خاصة مستقلة للسينما و التلفزيون و المسرح و ليست لدينا قنوات تلفزيونية خاصة مثل دول أخرى كي يكون لدينا تنوع في منتوجنا السينمائي والتلفزيوني و المسرحي لكي ننافس بمنتوجنا داخليا و خارجيا. ما هي الوصفة ترينها كفيلة لجعل الفن المغربي قادرا على المنافسة عربيا و لما لا عالميا؟ في رأيي يجب أن يكون لدينا مشروع مجتمعي للثقافة تساهم فيه ست وزارات وزارة التربية الوطنية، وزارة التعليم العالي، وزارة الاتصال، وزارة الأوقاف، وزارة الثقافة ووزارة الشباب و الرياضة بالإضافة إلى تحرير القطاع السمعي البصري. ما هي أعمالك المستقبلية و ما جديد مسرح البدوي؟ لدي مشاريع فنية في مصر في بداية الموسم المقبل إن شاء الله للتلفزيون والسينما، كما أنني هذا الموسم في جولة مسرحية في أنحاء المملكة المغربية احتفاء بذكرى 62 سنة على تأسيس مسرح البدوي بمسرحية ‹›الأرض›› من إخراجي دراماتورجيا الأستاذ عبد القادر البدوي وبمسرحية للأطفال›› حكمة الأجداد›› تأليف عبد القادر البدوي إخراج حسناء البدوي كما نعرض بهذه المناسبة معرضا توثيقيا لصور فوتغرافية تؤرخ لمرحلة تأسيس مسرح البدوي منذ سنة 1952 بالإضافة إلى محاضرات في المسرح للمهتمين والباحثين. أنت غير متزوجة هل هذا اختيار و هل من مشروع و ما هو فارس أحلام الفنانة كريمة البدوي؟ لم يكن الارتباط ضمن أولوياتي لفترة لأنني كنت أركز على التحصيل العلمي و على تحقيق الانتشار الفني وعلى تحقيق ذاتي كممثلة و الحمد لله أنا راضية عن نفسي و عن ما حققته في مسيرتي الفنية لحد الآن ربما إذا صادفت في هذه المرحلة شخصا مثقفا متذوقا للفن ناجحا في مجاله يتوافق مع فكري فلن أتردد في تأسيس أسرة صغيرة لأنني أقدر دور الأسرة في حياة الإنسان و الفنان و أتمنى من الله أن يهبني أسرة تنعم بالحب و العطاء المتبادل مثل التي تربيت فيه. كلمة أخيرة أهنئ السادة القراء بشهر رمضان الكريم أتمنى من الله أن يكون شهر خير وسلام على الأمة العربية و الإسلامية.