استثمارات عمومية مهمة .. وجدوى ضعيفة ما هي السيناريوهات الممكنة لتنمية مدينة كلميم في أفق 2020؟ أية مدينة نريد للسنوات المقبلة وما نوع التنمية التي ينبغي نهجها؟ و ما هي القرارات و الحلول التي يتوجب وضعها موضع التنفيذ حتى تكون أحلام اليوم واقع الغد؟ و بمعنى آخر : كيف نرى مدينتنا اليوم ؟ و كيف نتوقع أن تكون غدا؟. سنحاول في هذه الورقة اقتراح مسار للتفكير في هذه الأسئلة الطموحة والتوفيق بين الرؤية الحالمة والتحليل المنطقي بهدف بروز إستراتيجية عمل للسنوات المقبلة قد تكون مفيدة لمدينتنا و لتنميتها على المدى المتوسط. استثمارات عمومية مهمة .. وجدوى ضعيفة بلغت قيمة الاستثمارات الموجهة لمدينة كلميم خلال العشرية الأخيرة أكثر من 150 مليار سنتيم في إطار برنامج التنمية الحضرية و برامج مندمجة متنوعة.. ويحق لنا اليوم أن نتساءل عن جدوى هذه الاستثمارات المهمة وعن المداخل التنموية التي استندت إليها و عن مخرجاتها. و بتعبير آخر ما هو تأثير هذه الاستثمارات على المردودية الاقتصادية ونمو القطاع الخاص و بالتالي تقليص وتيرة البطالة و الحد من الهشاشة و توفير الرفاه المنشود ؟ تتوفر المدينة على عوامل حاسمة في بناء هويتها وفي نموها الاقتصادي حيث أنها : تحيط بها مجموعة من القرى الواحاتية التي تشكل روافد تغذيها باستمرار. تحتل موقعا استراتيجيا بين شمال المغرب وجنوبه وتعتبر صلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي. - تتركز فيها الغالبية العظمى من سكان الجهة حيث أصبح عددهم يتجاوز المائة ألف (100.000) نسمة وبذلك فهي تصنف اليوم ضمن المدن المتوسطة. تتسم بنيتها الديموغرافية بالتنوع ولها ارث ثقافي وحضاري متعدد. تحتضن الحصة الأكبر من الممتلكات والثروات، وجزء كبيرا و هاما من الأنشطة المتنامية. حظيت خلال العشرية الأخيرة بتدخلات كبرى في إطار برامج مندمجة مثل برامج التأهيل والتنمية المحلية لمدينة كلميم، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرها. - لديها آليات ووسائل للتمويل بواسطة شراكات مهمة وخاصة عبر وكالة تنمية الجنوب و المديرية العامة للجماعات المحلية وبعض القطاعات الوزارية. مكانتها كعاصمة للجهة تمنحها جاذبية وقدرة تنافسية عالية. مؤشرات مقلقة و أفق معتم تؤكد المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على حقيقة مخجلة مفادها أن مدينة كلميم لا تزال تتبوأ مركزا متأخرا في مجال التنمية مقارنة مع نظيراتها من المدن المتوسطة على الصعيد الوطني فبنياتها التحتية جد ضعيفة تعيق تطورها كما أن معدل الأمية بها يتجاوز 34 % بالإضافة إلى أن مؤهلات مواردها البشرية ضعيفة. فباستثناء مناخها الذي لا دخل إلا للطبيعة فيه و الذي مكنها من احتلال المرتبة الأولى فان باقي المؤشرات متدنية بشكل مخيف خاصة في المجالات البيئية والثقافية و الاجتماعية و في قطاعات حيوية كالسكن والتعليم والصحة. و من تم فان الاستثمارات التي أغدقت على المدينة لم تؤثر ايجابيا على العناصر الأساسية للقدرة التنافسية الأشد إلحاحا والتي تعتبر المحرك الرئيسي للإنتاجية والرفاه وأساسا: الرأسمال البشري البنية التحتية خلق المقاولات إن السياق الاقتصادي والاجتماعي الحالي، في نظرنا، يتميز بأفق معتم و لا يبعث على التفاؤل حيث أن : القاعدة الاقتصادية بالمدينة تتميز بالهشاشة مما يجعل النسيج الاقتصادي غير متنوع، الصناعة منعدمة في الاقتصاد المحلي. نسبة البطالة مرتفعة خاصة في أوساط خريجي الجامعات تتجاوز بضعفين النسبة الوطنية بنيات الاستقبال السياحية ضعيفة وإهمال تام للرموز المعمارية التي هي بمثابة أيقونات للمدينة(اكويدير - الأبراج - الأحياء القديمة - الخطارات ...) البنية العقارية مفتتة ،غير محفظة و تغلب عليها المنازعات، المساحات غير المبنية تشكل جيوبا فارغة و تشوه المظهر العمراني للمدينة . تتبيث خوصصة الأماكن العامة التي تنتشر بشكل متسارع في أغلب أحياء المدينة مما يعكس المسافة الاجتماعية والمعيارية التي تنمو بين المجلس البلدي والفضاءات الحضرية، وهم التنمية أم تنمية الوهم هيمن خطاب مضلل حول التنمية بكلميم خلال السنوات الأربع الأخيرة ، محاولا إيهام الرأي العام المحلي والجهوي والوطني بأننا خرجنا من الظلمات إلى النور وبأن كلميم أصبحت اليوم قطبا اقتصاديا ذي قدرة تنافسية عالية. إن تحليلا موضوعيا لعملية التنمية المزعومة بمدينة كلميم ستقودنا إلى حقيقة أننا أمام وهم التنمية أو تنمية الوهم للاعتبارات التالية : أغلب المشاريع المنجزة - خاصة الضخمة - تعرضت لانتقادات شديدة لكونها لا تدخل ضمن الأولويات المطروحة حاليا و يغلب عليها الطابع الإسمنتي مما يقوي الشكوك حول الهدف الحقيقي من انجازها. مشاريع مكلفة للغاية و يتبث عدم استغلال بعضها لحد الساعة صعوبة الحفاظ عليها و انعدام رؤية واضحة لطرق تدبيرها. إنها مشاريع غير ذات أهمية بالنسبة للساكنة المعزولة والمهمشة. كل هذه المشاريع لم تخضع للمقاربة التشاركية القائمة على التمكين الفعلي للمجتمع المحلي الكلميمي حتى يقوم بدوره الفعال من حيث اتخاذ القرار و تحديد الأولويات أو التخطيط، و التنفيذ أو المتابعة والتقييم. تم إفراغ هذه المشاريع من محتواها لتتحول إلى آلية استعراضية للمديح والثناء و ليتم توظيفها كآلة انتخابية . استعملت " التنمية المزعومة " بشكل مكشوف لإضعاف النخب الاقتصادية وإخضاع القوى الاجتماعية والمجتمع المدني المحلي و بالتالي الهيمنة المطلقة على كل مناحي الحياة . مقدمات أساسية لرؤية مستقبلية إن تحديد رؤية مستقبلية لمدينة كلميم في أفق 2020 مسألة ذات أهمية قصوى إذا ما ربطناها بالسياق السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الوطني . فالمدينة توجد اليوم في مفترق طرق يحتم على كل الطبقة السياسية المحلية و الفاعلين الاقتصاديين ومنظمات المجتمع المدني الالتزام بقواعد المواطنة المسؤولة. فمن جهة عليها أن تتحمل كلفة كونها عاصمة للجهة باختصاصات جديدة و أن تدافع عن هذا اللقب بتحسين جاذبيتها و تطوير تنافسيتها و تأكيد إشعاعها، و من جهة أخرى عليها أن تتجذر في القيم الوطنية و المحلية ذات الطابع التقدمي . بالنسبة لنا، في حزب التقدم والاشتراكية ، فان التنمية المهيكلة حول أنشطة اقتصادية حيوية و خدمات عمومية فعالة يشكل حجر الزاوية لرؤيتنا المستقبيلة. و نعتقد أن الشروط الآتية تشكل مقدمات أساسية وضرورية لتحقيق التنمية الحضرية المستدامة : وقف كل العمليات الجارية حاليا بالمدينة و إعادة تقييمها و الانكباب على تشكيل هيئة مشتركة تظم كل المصالح الخارجية و ممثلي القطاعات الحيوية و خبراء و ممثلين عن المجتمع المدني، من أجل تهيئ إستراتيجية للمستقبل و إعادة توجيه التنمية الحضرية للمدينة. تأكيد كل الفاعلين السياسيين و المشتغلين في الحقل الجمعوي على إرادتهم والانخراط الايجابي في عملية الديمقراطية التشاركية التفكير عميقا في إشكالية البطالة والإجابة على المخاوف العميقة التي يتم التعبير عنها يوميا بأشكال مختلفة تثير تساؤلات حقيقية عما يمكن أن يخبئه المستقبل، وتقديم خدمات للقرب لتيسير الحصول على فرص الشغل والتكوين وإقامة روابط بين شركات القطاع الخاص والباحثين عن العمل. الاهتمام بالموروثات الثقافية والاجتماعية وتثمين الأيقونات العمرانية الموجودة بالأحياء القديمة، التركيز بالخصوص على أسلوب حياة قادر على جذب المواطنين سواء كانوا مستقرين أو زائرين. جعل الفضاء الجمعوي موردا أساسيا لترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية وتقييم السياسات العامة محليا مع الحرص على تأهيله ماديا وأدبيا وضمان استقلاليته. وقف الممارسات المرتبطة باحتلال الملك العمومي و التي أصبحت امتيازات خاصة و أماكن لتفريخ علاقات مشبوهة ومثيرة للجدل بين السكان الممارسة الديمقراطية و المهام المستعجلة لقد أنتجت تجربة المجلس البلدي خلال فترة انتدابه الحالية ممارسين للسياسة يتصفون بأخلاق مرتبكة ومشوشة فيما يخص قواعد الاستقامة والنزاهة التي تفرضهما المشاركة في تدبير الشأن العام و يضعون ولاءهم في خدمة شخص واحد لا تمر شاذة ولا فاذة إلا من غرباله الذي لا يأتيه الباطل من أي جهة. كما أن العديد من النخب الاقتصادية والسياسية و الجمعيات المهنية وحتى بعض وسائل الإعلام لا تجد من سبيل لإظهار قوتها و التعبير عن نفوذها إلا عن طريق الاتصال المباشر مع الحاكم المطلق للمدينة الذي تخضع له كل الأجهزة البادية منها والمستترة و تنحني له كل المؤسسات العمومية والخاصة وتدين له كل الرقاب أيا كانت الجهة التي تنتمي إليها. فهل فكرة ممارسة الديمقراطية القائمة على مشاركة المواطن في صنع القرار وسيادة القانون ستكون بمثابة حلم من المستحيل تحقيقه في مدينة مثل كلميم، حيث الاختلالات الاجتماعية عميقة ، والتقاليد المنتجة للريع و المحسوبية متجذرة ، و حيث الاقتصاد المحلي هش و إرادة الهيمنة على النخب الاقتصادية والسياسية مستمرة؟ إن الممارسة الديمقراطية هي الوسيلة المثلى لتحقيق التوازن الاجتماعي المأمول، و تمكين المدينة من التموقع بشكل أفضل في الدينامية التنموية، ولن يتعزز هذا التوجه إلا باعتماد منظور نقدي يتكأ على التعبئة الجماهيرية و النضال الاجتماعي. وتلك مهمة الأحزاب و المجتمع المدني.. وإنها لعمري مهمة مستعجلة وآنية .. وقابلة للتنزيل.