أثار التدخل العسكري في ليبيا الكثير من الجدل بين الفرقاء، فقد أيّد شقّ من السياسيّين فكرة التدخل لوضع حدّ للاقتتال والعنف الممنهج، في حين رفض شقّ آخر التدخل لاعتبارات عدّة، لعلّ أهمها المسّ بسيادة الدولة المغيّبة أصلا في صراع احتلت فيه التنظيمات الجهادية المتشددة والميليشيات المسلحة الصدارة. وذكرت تقارير إخبارية أن مصادر عسكرية غربية وأخرى عربية أكدت أنه يجرى حاليا بحث التدخل العسكري في ليبيا تحت مظلة الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي للتصدي للوضع المتدهور والمنفلت في ليبيا. وقال أحد هذه المصادر إن هناك قلقا أوروبيا واسعا من موجات هجرة غير شرعية عنيفة يمكن أن تضرب سواحل دول جنوب أوروبا في حال استمرار تدهور الوضع الأمني في ليبيا، إلى جانب الخوف من تمركز قوي للتنظيمات الجهادية المتشددة والتي أعلنت سيطرتها على عدد من المدن والمراكز الحيوية في البلاد. وتقول المصادر إن هناك إدراكا غربيا متزايدا بأن المشكلات الأمنية الواسعة التي تواجهها ليبيا الآن ترتبط بشكل مباشر بالأخطاء التي ارتكبت أثناء عمليات حلف شمال الأطلسي (الناتو) قبل ثلاثة أعوام للإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي. وراجت أخبار في المدة الأخيرة، ومع استفحال الاشتباكات العنيفة بين الميليشيات المسلحة في مدينتي طرابلس وبنغازي، عن إمكانية تدخل مصر عسكريا في ليبيا لوضع حدّ للاقتتال والفوضى. وفي هذا السياق، قال اللواء محمد قدري رئيس وحدة الشؤون العسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن الوضع في ليبيا خطير ويُهدد دول الجوار، لاسيما مصر، التي تملك أكبر جبهة حدودية مع دولة ليبيا الشقيقة. وأضاف قدري في تصريحات للموقع الإخباري "24" أن "الأوضاع في ليبيا لا تُطمئن"، مرجحاً عدم إرسال قوات عسكرية مصرية إلى الأراضي الليبية، لاسيما وأن المؤشرات الحالية تؤكد أنه لا توجد نية للتدخل هناك، وذلك ردا على المطالب التي تقدمت بها بعض القوى السياسية، والتي تطالب بتوجيه ضربة عسكرية استباقية إلى ليبيا. ولفت إلى صعوبة الوضع داخل مصر، بما يقلل من إمكانية إرسال قوات لمحاربة الإرهاب في ليبيا، حيث إن مصر تحتاج إلى قواتها، لتأمين الداخل، وكذلك للتأمين الحدودي، مشيرا إلى أن مصر ستقوم بالحماية الحدودية وهو ما تستطيع القيام به الآن. وأوضح أن التدخل العسكري المصري في ليبيا يمكن أن يحمل عواقب وخيمة، أكثر من إضعاف القوات المصرية أو تقاتلها مع قوات الجيش الحر الليبي، فهي خطوة خطيرة وتحتاج إلى دراسة. يشار إلى أن السلطات المصرية قامت بحشد تعزيزات أمنية مكثفة على الحدود مع ليبيا، خلال الأيام الماضية، وذلك لتأمين الحدود المصرية الليبية من الجانبين بغرض مواجهة أي محاولة من الجهاديين للتوسع خارج ليبيا. وفي سياق متصل، قال وزير الخارجية الليبي محمد عبدالعزيز، في تصريحات إعلامية، أمس، وذلك خلال زيارته العاصمة الأميركية واشنطن لحضور القمة الأميركية الأفريقية، إن «التدخل العسكري في ليبيا سواء من دولة عربية أو دولة أجنبية مرفوض، ولا أتوقع من قريب أو من بعيد أن تقوم مصر بالتدخل». وأضاف أن «هناك مبادرة لدول الجوار مصر وتشاد وتونس والنيجر والجزائر، وتترأس القاهرة اللجنة السياسية، ولكني لا أتوقع أن تكون هذه اللجنة للتدخل العسكري في ليبيا». وطالب عبدالعزيز بدعم دولي لبلاده ليس فقط في ما يتعلق بتدريب الكوادر العسكرية والشرطة الليبية، ولكن أيضا بمدها بالأسلحة المتقدمة، لحماية الحدود البرية والبحرية، وأضاف عبدالعزيز :»نريد من واشنطن انخراطا داعما وليس تدخلا عسكريا». يذكر أن وزير الخارجية الليبي قال قبل يومين إن طرابلس ستطلب من الولاياتالمتحدة دعما عاجلا يشمل التعامل مع التطورات الليبية بجدية قبل أن تتحول بلاده إلى دولة فاشلة. وأضاف عبدالعزيز، أنه يدعو إلى انخراط دولي في ليبيا أكثر فاعلية، وتوسيع بعثة الأممالمتحدة لتكون بعثة استقرار وبعثة بناء مؤسسات، مجددا تحذيره من أن بلاده تمشي في اتجاه الدولة الفاشلة وليس في اتجاه بناء دولة المؤسسات.