الحلقة15 تمخضت فكرة هذا البحث، والمتعلقة بدراسة دور المؤسسة التشريعية في مجال السياسة الخارجية، انطلاقا من أهمية البحث العلمي حول البرلمان على اعتبار وجود نقص في هذا الاتجاه، وكذا ضرورة التدقيق في آليات العمل البرلماني بالمغرب هدفا في معالجة مدى فعالية دور النائب والمستشار البرلماني صاحب الشرعية الانتخابية الشعبية في المساهمة في السياسة الخارجية عبر العمل الدبلوماسي البرلماني، الذي أضحى يشكل بعدا هاما في حياة جميع المؤسسات البرلمانية إضافة إلى الدور الأساسي المتجلي في التشريع والمراقبة. إن البحث في الوظيفة الدبلوماسية للبرلمان المغربي يستوجب تحديد المتدخلين والفاعلين في السياسة الخارجية، في اتجاه النظر حول زاوية تقاسم الأدوار والوظائف لاستنباط مكانة البرلمان ضمن المؤسسات الفاعلة هي الأخرى في هذا المجال، بحيث اعتبرت السياسة الخارجية لمدة طويلة خارج اهتمام البرلمانات بذريعة أن الدبلوماسية هي «شأن الأمراء وليس شأن الشعوب» ليثبت التاريخ المعاصر هشاشة وخطورة هذا الحكم، إذ يمكن القول أن الفتوحات الديمقراطية لم تتقدم إلا عبر الرهان الذي اعتمده المنظرون الأوائل للقانون الدستوري في مزايا وفوائد منح الشعوب مكانة المشاركة في تسيير الشؤون الدولية. فلقد تولد سوء فهم لدور البرلمان في علاقته مع السلطة التنفيذية التي ظلت حريصة على الدفاع باستماتة على اختصاصاتها في مجال السياسة الخارجية، والتي كان ينظر إليها دائما، وفي أغلب الدول بما فيها الرائدة ديمقراطيا على أنها المجال المحفوظ لرئيس السلطة التنفيذية بشكل يهمش باقي الفاعلين ولاسيما السلطة التشريعية. أبعاد العمل الدبلوماسي البرلماني المشترك للمغرب في سياسته الخارجية أبعاد تؤسس للعمل الدبلوماسي المشترك للبرلمان في علاقاته بباقي برلمانات العالم، كما هي للمغرب كدولة مع باقي الدول، وهكذا يمكننا أن نقول بأن رسم الأبعاد ليس وليد اليوم أو وليد حقبة التسعينات ارتباطا بقضية الوحدة الترابية وإنما هو راجع لعمق الإستراتيجية السياسية للمغرب منذ تولي الدولة العلوية للحكم. الفقرة الأولى: البعد العربي والإسلامي تجدر الإشارة إلى أن ارتباط المغرب بالعالم العربي ليس وليد هذا العقد من الزمن بل يعود هذا الارتباط بصفة خاصة إلى فترة الحماية حيث أكد محمد الخامس في خطابه لعام 1947، على ضرورة التضامن مع الدول العربية مؤكدا على مراعاة الاحترام المتبادل والتشاور وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهاته الدول، فلوحظ عقب الاستقلال وفي أول خطاب للعرش التوجه العربي في السياسة الخارجية: «يجب بذل الجهود لوقع سياسة خارجية مغربية تسمح لبلدنا بأداء واجبه التاريخي، وسنزيد في توطيد صلاتنا بدول الجامعة العربية الشقيقة وبدول الكتلة الإفريقية والأسيوية»(1). وفي نفس الاتجاه حدد وزير الشؤون الخارجية المغربية مسالة العلاقات المغربية العربية فقال: «لا يمكن أن نتجاهل العلاقات الطبيعية والروحية التي تربطنا بالمشرق العربي والإسلامي، ولسنا في حاجة إلى توضيح عزمنا على تقوية علاقاتنا التاريخية والثقافية مع شعوب هذه المنطقة». وكان قد انضم المغرب إلى جامعة الدول العربية في أكتوبر 1958 رغم إرجائه لهذا الانضمام منذ مدة خوفا من انصهاره وابتلاعه من طرف المجموعات الراديكالية المساندة لجمال عبد الناصر، إذ أن الفكر القومي والمناداة بمشاريع الوحدة قد شكلت عقدة لبعض القادة السياسيين المغاربيين الذين كانوا يرون في مثل هذه الأفكار تشجيعا لما أسموه بالأطماع الناصرية التوسعية(2) ليكون التحاقه بهذا التجمع العربي بعد استقلاله بمثابة منطلق لتنويع انتماءاته الدبلوماسية وتكثيف السند للمشكلات العالقة المرتبطة باستكمال وحدته الترابية. وفيما يخص الجانب المغاربي، يمكن القول بأنه هدف مغربي منذ الاستقلال بل وقبله كذلك، لمكانته في السياسة الخارجية المغربية، فقد تطرق له أول دستور مغربي في ديباجته في 1962 وباقي الدساتير الموالية له إلى أن تم تعديله في دستور 1992 حيث اعتبر المغرب جزء من المغرب العربي الكبير بدلا من المغرب الكبير قبل هذا الدستور. وهذه الإضافة التي تكرس البعد المغاربي في التوجيه المغربي إنما تكرس التطورات والتراكمات التي عرفها مسلسل البناء المغاربي منذ توقيع معاهدة مراكش (فبراير 1989) وما تلاها من تأسيس الهياكل والأجهزة التي تظل لحد الساعة مفتقدة للخصوبة والحيوية اللازمتين، للدفع بهذا المشروع بفعل التغيرات والعراقيل الناجمة عن الوضعيات الداخلية لبعض دولها. ومن جهة أخرى وكما يقول الدكتور الحسان بوقنطار(3)، فإن هذا التنصيص يبدو وكأنه صيغة توفيقية بين الانتماء إلى المنطقة المغربية بوصفها تجسد مشروعا وحدويا قابلا للتحقيق في الوقت الراهن، وبين الانتماء إلى فضاء عربي يظل بمثابة الحلم الذي يداعب كل عربي ولكنه يبقى بعيدا المنال ومستعصي التحقيق. هذا الفضاء العربي الذي يطبعه الاعتقاد بالدين الإسلامي، كبعد آخر شكل حضورا منذ تأسيس دولة الأدارسة بالمغرب حيث حرص سكان المغرب الأقصى على الدفاع عن الإسلام ومبادئه وأبدوا حرصهم على نشره في كافة ربوع إفريقيا، وهكذا دعم المغرب مشروع الملك فيصل بتاريخ دجنبر 1965 الرامي إلى إنشاء المؤتمر الإسلامي الذي عارضه الرئيس جمال عبد الناصر ودافع عنه ملك المغرب، الذي بادر بعد مضي ثلاث سنوات إلى إحياء الفكرة والترويج لها من خلال الزيارات التي قام بها للعديد من الدول الإسلامية، هدفا في تدعيم التشاور والتنسيق مع كافة بلدان العالم الإسلامي الناطقة بالعربية وغيرها، خاصة بعد إحراق الكيان الإسرائيلي للمسجد الأقصى في شتنبر 1969، حيث أدى إحراق المسجد إلى تقريب وجهات النظر بين كافة الأقطار الإسلامية مما أدى إلى انعقاد أول مؤتمر إسلامي في المغرب. ومنذ يناير 1984 والمغرب يلعب دورا خاصا في مؤتمرات القمة الإسلامية حيث ترأس مهام الرئاسة إلى غاية يناير 1987 كما تأسست لجنة القدس في عام 1979 ولا تزال رئاستها في يد المغرب إلى اليوم، وساهم المغرب كذلك في إنشاء المنظمات الإسلامية «كالإسيسكو» والمركز الإسلامي للتنمية والتجارة وغيرهما(4). وبالتأكيد فإن الاعتبارات المذكورة كلها وأخرى تجعل القضايا الإسلامية في السياسة الخارجية المغربية في مقدمة الاهتمامات، وبهذا فالسمة العربية الإسلامية للمغرب تفسر الرغبة الشديدة بقصد إعطاء بعد جديد للروابط الثقافية والتاريخية والعقائدية. وهكذا نجد أن البرلمان المغربي حاضرا وفاعلا في الاتحاد البرلماني العربي واتحاد مجالس الدول الأعضاء وفي منظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي باعتبارها مؤسسات جهويا دبلوماسية لبرلمانات الدول العربية، من خلال المؤتمرات والندوات والمنتديات والاجتماعات واللقاءات والزيارات المتبادلة في إطار القضايا الراهنة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. الفقرة الثانية: البعد الإفريقي أكد الدستور المغربي في ديباجته على أهمية البعد الإفريقي حيث جاء فيها: «...وبصفتها دولة إفريقية، فإنها تجعل من بين أهدافها تحقيق الوحدة الإفريقية»(5) بالإضافة إلى أن المغرب قد برهن بشكل مستمر عن انشغاله الدائم بصيانة وتدعيم علاقاته مع الدول الإفريقية، إذ أن المغرب لا يهتم بالبعد الإفريقي بحكم المشاعر فقط بل الأكثر من هذا وجود طموحات مماثلة مشتركة تهم الجانبين السياسي والاقتصادي. فلقد اتجهت أنظار السياسة المغربية نحو إفريقيا من خلال التوجه الإفريقي في السياسة الخارجية للمغرب، منذ حكومة الأستاذ عبد الله إبراهيم، حيث نقرأ في مقال له: «لقد تعاون مندوبونا مع مجموع الدول الإفريقية في جو من الصداقة والوضوح ، وفي الواقع فإن المغرب جزء من إفريقيا، وكل ما يمس إفريقيا يمسنا مباشرة». وقد ساهم المغرب أيضا في كل المؤتمرات التي عقدت في هذه القارة، وعمل على المساعدة في تحريرها والدفاع عنها، بل أن حكومة عبد الله إبراهيم جعلت من مسألة الوحدة الإفريقية، أهم ركيزة للقضاء على القوى الاستعمارية المتواجدة في هذه القارة، حيث شارك في مؤتمر القمة الإفريقية الذي عقد بمنروفيا فالتزم بالكفاح ضد عملاء الاستعمار داخل القارة. وسارت المؤسسة الملكية على نفس النهج في بلورة الإستراتيجية النظرية إلى عمل حيث قال الحسن الثاني: «المغرب شجرة تمتد جذورها المغذية امتدادا عميقا في التراب الإفريقي» وذلك تأكيدا على ما جاء في تصدير الدستور المغربي إذ تعتبر المملكة المغربية الدولة الإفريقية الوحيدة التي نصت في دستورها على تعهدها بالعمل على بناء الوحدة الإفريقية، فكان المغرب من بين المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية والفاعلين داخلها للنهوض بدول هذه المنظمة وشعوبها حيث سعى في بداية الستينات إلى احتضان مؤتمر لزعماء الدول الإفريقية المستقلة بهدف إنشاء هذه المنظمة، إلا أن القبول بالبوليساريو عضوا جعل المغرب ينسحب من هذه المنظمة نظرا للعمل اللاقانوني الذي قامت به، ورغم ذلك بادر بعد انسحابه على العمل أن يبقى مرتبطا بالتوصيات المقبولة بالإضافة إلى أن عدم العمل داخل المنظمة لا يمنع العلاقات الثنائية الجيدة بين المغرب ومعظم الدول الإفريقية(6). وفي نفس الإطار وعلى خطى النهج الاستراتيجي الرسمي في السياسة الخارجية يشتغل البرلمان المغربي في علاقاته بالدول الإفريقية، حيث يتواجد كعضو فاعل ومشارك في المؤتمرات واللقاءات والزيارات والاجتماعات والندوات والمنتديات في تعاون وارتباط تامين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتعلقة بالاتحاد البرلماني الإفريقي.