محمد شهرمان: اسم أسطوري في مدينة الصلاح و البركات الحلقة 2 كنت دائما أستغرب اسم الراحل محمد شهرمان، فالاسم الشخصي لا غبار عليه. أما العائلي شهرمان فهو يطرح أكثر من علامات استفهام. من أين أتت هذه الكنية؟ هل تم ترحالها من بلاد فارس وأمصار الهند وأقطار بلاد حريم السلطان؟ حيث الأسماء تأخذ إيقاعا فخما وسلطنة كبرى مثل شاهناه وشهريار وصافيناز وشروخان وشريهان وفيروزباد هلم جرا من الألقاب المقرونة بالسلطة والعلم والجاه والجمال.لم أجد تفسيرا مقنعا لدلالة شهرمان ولم أجد من يعينني على فك ألغازها. تسلحت بزادي وجرابي وما يحمله من أوراق لأتحدث عن رجل عرفته عن قرب، رجل عصامي وموسوعي عشق الحرف البراق والخط المنمق وجنون المسرح الحارق. هكذا اختار له القدر والقضاء أن يولد في إمبراطورية مراكش وأن يكون شهرمانا لها. في حي سيدي بن سليمان بالمدينة العتيقة رأى النور وانطفأ حوله النور (1948 – 2013 ) وسط الدروب الضيقة والصابات المظلمة وديار شامخة بعبق التاريخ و ألوانه ومحمية ببركة الأولياء والصالحين. داخل هذا الفضاء الروحاني كبر الفتى وأضحى واحدا من أولاد باب الله. فالبركة تحوم من حولك وأنت وسط الأسوار و السقايات و بخور الأولياء و أصوات المقرئين .. فان توكلت و نويت و عزمت فيومك مبروك وسعيك مشكور وقدومك مبرور. فأنت تصبح على ثمر وتين وخبز الولي الصالح وإذا عزمت فغدائك كسكس أما ليلك فله مدبر حكيم وما جادت به بركة الولي.هذه هي مراكش الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود وحتى إن كنت علمانيا، فان الطقوس تلبسك وتنحني للأولياء حتى لا تصيبك عتبتهم. هذه هي البهجة وهذا شهرمان ابن ضحكتها وأحزانها حيث منحته وجوده وأغنت مساره الحياتي وألهمته رتق كلام موزون و محبوك ومتقون.مسار غني امتد لخمس عقود. ظل الرجل وفيا للكلمة الصادقة والإبداع الإنساني المتميز. يقول عنه صديقه ورفيقه المسرحي المبدع إبراهيم الهنائي في ديوان « نقيق ضفدعة « مجموعة أزجال من واقع الحال « « كلمة محمد شهرمان،ترفض المصادرة و الارتزاق،لأنها تركب بحر الرفض أزيد من عقدين،وراكب هذا البحر.مجازف..وحيد بمجداف هذه الكلمة،يشق العباب لفتح الأبواب فالكلمة» الشهرمانية « ليست ثرفا لفظيا إنها الكلمة الشاهدة... يعبر شهرمان عن ذلك في قصيدة المشتاق: كثرة العياقة،مرزاقة، وقلة الفياقة، فيها فاقة ! ذاك للي فاق، دخل بكري للسباق، واللي توخر ف الفياق، خسر اللحاق، سبقوه السباقة ! ابتدأ محمد شهرمان مسيرته الفنية مع بداية الستينات مند القرن العشرين و بالضبط بعرصة لمعاش، بمقر حزب الاستقلال، حيث انطلقت المرحلة الأولى من حياته المسرحية والإبداعية. المرحلة الأولى : من سنة 1962 إلى نهاية الستينات : عمل بفرقة الناشئين للمسرح ككاتب مبتدئ و مصمم للديكور لعب في مسرحية « جمال بلادي « من إخراج محمد الوفا الوزير الحالي ( السياسي المتمسرح ) إلى جانب بن مسلم و عبد السلام الخالدي و برحال و طهراش و الأخوين مصطفى و عبد الرحيم بن علي،مع تواجد فتاة رقيقة و مغمورة في بداية مشوارها الفني تسمى زينب السمايكي. المرحلة الثانية : من سنة 1970 إلى نهاية الثمانينات، يمكن اعتبار هذه المرحلة من أزهى الفترات إنتاجا و إبداعا، بل مثل محمد شهرمان تيارا جديدا في الكتابة المسرحية محليا و وطنيا ،لغته لا تعرف الأبراج اللفظية العاجية،بقدر ما تحتك باللغة اليومية، لغة يفهمها الكل يحبها الكل و لكن قليل من يكتبها لسهولتها الممتعة ( الكاتب إبراهيم الهنائي ).لقد تجلت هذه الكتابة المسرحية الرافضة للاسترزاق و المصادرة عبر نصوص جريئة تمثلت في التكعكيعة ( 69 -70)، نكسة أرقام ( 70-71 ) و الضفادع الكحلا ( 71-72 ) و الرهوط ( 72-73 ) و الأقزام في الشبكة ( 77-78 ) و خنقطرة ( 78-79 ) و فران الدنيا ( 78-79 ). مع بداية الثمانينات من القرن العشرين و مع بداية العد العكسي لمسرح الهواة،كتب مسرحية سين و جيم و مسرحية القنبولة و أعاد كتابتها و إخراجها تحت اسم الجار الداعي بالإضافة إلى نص الجهاد الأكبر. مع مطلع التسعينات،كتب مسرحية سوق الرشوق بالإضافة إلى ذلك، أن معظم أزجاله تغنت بها مجموعة لرصاد المراكشية و بعضها من طرف فرقة جيل جيلالة. من مؤلفاته المنشورة مسرحية الضفادع الكحلا وديوان « نقيق ضفدعة « هذا مقتطف منه (الأكثرية و الأقلية) : الأكثرية غير كشام، و الأقلية شحمة ويدام ! غير ازرد،وزيد الكدام، و الوضعية، ترقيعية ! الأقلية،فعيشة لوزة، عايشة فوق البدوزة ! والأكثرية مكروزة، عايشة تحت « التحتية « ! الأقلية مالكة الأبناك دايرة فجميع الأفلاك ! والأكثرية،ماعرفة تحراك، عايشة حالة « بيطالية» الأكثرية ذايقة الحرور، حاتلة فالترتيب اللور ! والأقلية،صاعدة « سانسور»، للطوابق الفوقانية ! الحلقة القادمة : ثريا جبران: الإنسانة والمبدعة.