سقط «الماتادور» .. لم يفجر منتخب التشيلي مفاجأة بإقصائه إسبانيا بطل العالم 2010 بجنوب إفريقيا، بقدر ما حظي المنتخب الذي يلقب هو الآخر ب «لاروخا» بشرف الإجهاز على «الماتادور» وإنهاء تلك الأسطورة المرعبة «التيكي تاكا» التي شكلت كابوسا يزعج الخصوم طيلة السنوات الست الماضية. صحيح أن أشد مواطن إسباني تشاؤما لم يكن يتوقع الخروج المبكر للإسبان بهذه الطريقة المذلة، حيث تلقى هزيمتين متتاليتين أمام هولندا (1-5) والتشيلي (0-2)، إذ كان من المفروض أن تتصدر إسبانيا مجموعتها مع بعض الصعوبة بسبب قوة خصومها، لا أن تنتهي مشاركتها من البداية. لكن ما حدث لإسبانيا ليلة الأربعاء الماضي ليس وليد أخطاء آنية، بل له إرهاصات كشفت عن تراجع أداء المنتخب الإسباني في السنتين الأخيرتين، ف «الماتادور» لم يعد ذاك الثور القوي والقادر على حسم المباريات المصيرية في وقت مبكر، ومهما كانت كثافة دفاع الخصم أو قوته، فانهزم بنهائي كأس القارات أمام البرازيل شر هزيمة، وواجه صعوبات في حجز تأشيرة التأهل للمونديال إلى المراحل الأخيرة. تحديدا منذ فوز إسبانيا الساحق على إيطاليا برباعية بيضاء بنهائي كأس أمم أوروبا 2012، بدأت علامات الشيخوخة تظهر على مجموعة من اللاعبين ككزافي هيرنانديز الذي كان الرئة المحركة ل «لاروخا»، ودافيد فيا الهداف التاريخي، إلا أنه لم يكن من المفروض على المدرب فيسنتي ديل بوسكي أن يسقط هذين الاسمين من اللائحة. حقيقة .. يتحمل ديل بوسكي جزء كبيرا من مسؤولية ما حصل، فهو لم يحسن استعمال عاطفته لمصلحة «لاروخا» -وإن في بعض الأحيان وجد نفسه مضطرا- فظهر أن استدعاءه لبعض الأسماء لم يكن موفقا مقابل إسقاط أسماء أخرى كانت تستحق المشاركة بالمونديال خاصة إسبانيي ريال مدريد وأتلتيكو مدريد. المدرب الإسباني أشرك أسماء كجيرارد بيكيه ودافيد سيلفا وتشابي ألونسو وسيزار أزبيليكويتا وديغو كوستا، لم تقدم المنتظر منها في وقت كانت أمامه خيارات كثيرة كراؤول ألبيول وسانتي كازولا وخوان فران ودافييد فيا، دون أن ننسى تحاشيه دعوة كارفاخال ونيغريدو وخيسوس نافاس. هناك سبب آخر لنهاية الجيل الذهبي -قد يبدو غير منطقي- وهو أن نسبة كبيرة من لاعبي المنتخب الإسباني، خاصة لاعبي ناديي ريال مدريد وبرشلونة باتت تشعر بحالة من الإشباع بعدما حققه رفاق كاسياس على الصعيد الدولي في ست سنوات، ناهيك عن إنجازاتهم مع أنديتهم. البعض الآخر يرجع نكسة إسبانيا لتدني مستوى برشلونة الذي كان الخزان الممد ل «لاروخا» بالنجوم طيلة العقد المنصرم، إلا أن الأمر يبقى نسبيا فلاعبو البارصا هم الأكثر تمثلية بستة لاعبين، كما أن إنجازات الفرق الإسبانية تأتت بأقدام نجوم أجانب كركيستيانو رونالدو وليونيل ميسي. ولعل من المفارقات الغريبة للكرة الإسبانية هذه السنة أن نهاية الجيل الذهبي ل «الماتادور» جاءت مباشرة مع أحد أزهى مواسم الأندية الإسبانية أوروبيا، عندما توج ريال مدريد بلقب دوري أبطال أوروبا على حساب جاره أتلتيكو مدريد، وأحرز إشبيلية لقب الدوري الأوروبي، ويمكن تفسير هذا الأمر بتواجد لاعبين أجانب من مستوى عال بهاته الأندية. إذن .. سقط الثور الإسباني تألق في حلبات المصارعة، لكن الصراع مع المصارعين أرقهه في نهاية المطاف، وظل يتعرض مؤخرا لطعناتهم الواحدة تلو الأخرى حتى جاءت طعنة التشلي قاتلة. وحتى لا نبالغ في جلد هذا الثور، فما حصل نتيجة حتمية في عالم كرة القدم عندما يصل فريق ما إلى القمة، يكون السقوط أمرا طبيعيا ولا مفرا منه ..