قدم إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عرضا حول «حصيلة عمل المجلس ووضعية حقوق الإنسان ببلادنا» أمام مجلسي البرلمان في جلسة عمومية يوم الاثنين 16 يونيو الجاري بقاعة الجلسات بمجلس المستشارين، وفيما يلي النص الكامل لهذا العرض. ب - إصلاح منظومة العدالة أيتها السيدات، أيها السادة، تماشيا مع الأولويات التي أشرت إليها في مطلع تدخلي، في مجال إصلاح منظومة العدالة، قدم المجلس عددا من المذكرات و الآراء الاستشارية هي خلاصة تحليله لتقاريره و دراساته في مجال حماية حقوق الإنسان في السياقات المختلفة المرتبطة بمنظومة العدالة. و سأقدم لكم فيما يلي عددا من منجزات و خلاصات المجلس في هذا المجال. لقد تَمكَّن المجلس من خلال زيارته للمؤسسات السجنية ومراقبة أحوال السجناء ومعاملتهم، من تحديد عدد من العناصر البنيوية للتشخيص والتي تشكل مخاطر على ضمان الحقوق الأساسية للسجناء خاصة المنتمين منهم للفئات الهَشَّة. وهي عناصر اعتبرها المجلس في تقريره الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 2012 بعنوان أزمة السجون و التي اعتبرها المجلس مسؤولية مشتركة بين مختلف الفاعلين المؤسساتيين المعنيين بتدبير المؤسسة السجنية، وتتمثل هذه العناصر في حالات سوء المعاملة ووجود حالات للتمييز والوصْم والإختلالات في تطبيق بعض المساطر كالمسطرة التأديبية للسجناء، كما سَجَّل المجلس استمرار مجموعة من التجاوزات ضد السجناء مثل الضرب والمعاملة القاسية و اللاإنسانية و المهينة ووجود حالات للتعذيب داخل بعض المؤسسات السجنية والغُلُو في استعمال السلطة التقديرية لتكييف المخالفات والتعسف في استعمال الترحيل الإداري كوسيلةً للتأديب ضد المعتقلين وضعف تفعيل آليات الرقابة والتفتيش؛ ثم إن استفحال ظاهرة الاكتظاظ تُعَد سببا رئيسا للعديد من الانتهاكات والتجاوزات التي تؤثر سلبا على الخدمات وتُقوِّض مختلف الحقوق الأساسية للسجناء والتي يعتبر الإفراط في اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي أبرز أسبابها. ومن مظاهر الاختلالات بالسجون كذلك المعاناة الإضافية التي تتحملها الفئات الهشة من نساء وأشخاص في وضعية إعاقة والأجانب والمدمنين، الذين يعانون بدرجة أكبر من المعاملة المهينة والحاطة من الكرامة ويُحْرَمون أحيانا من حقوقهم الأساسية بسبب الوصم والتمييز وعدم توفر الولوجيات وكذا الضمانات القانونية والعلاجية والإدماجية. ومن أوجه أزمة السجون كذلك، ضعف تفعيل مقتضيات قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالقواعد الخاصة والضمانات المرتبطة بعدالة الأحداث، ووجود بعض الاختلالات على مستوى مساطر العفو، ومعايير الترشيح له، والصعوبات الخاصة بالولوج إليه بالنسبة لبعض فئات السجناء، وغياب إطار قانوني متكامل لنظام العقوبات البديلة عن العقوبات السالبة للحرية، خصوصا في الجنح التي لا تتعدى العقوبة الحبسية فيها خمس سنوات. و قد أنجز المجلس دراسة حول أنشطة الطب الشرعي بالمغرب، والصادرة بتاريخ 8 يوليوز 2013 وهمَّتْ هذه الدراسة الحقول الثلاثة لأنشطة الطب الشرعي: الأنشطة المتعلقة بالوفيات بما في ذلك التشريح والفحص الخارجي للجثث؛ مجال شواهد الطب الشرعي من كل الأنواع، بما في ذلك تلك المسلمة للنساء والأطفال ضحايا مختلف أشكال العنف؛ وكذا الخبرة الطبية. وتوقفت الدراسة عند جملة من الاختلالات يعرفها ميدان أنشطة الطب الشرعي تهم على الخصوص ضعف التكوين، تقادم البنيات التحتية ومعدات العمل بالإضافة إلى اختلالات مرتبطة بحكامة القطاع. فضلا عن ذلك، لا تتوفر بلادنا إلا على 13 طبيبا متخصصا في الطب الشرعي، من ضمنهم أستاذان جامعيان مساعدان وأستاذ للتعليم الجامعي, ولا يوجد ببلدنا سوى وحدة استشفائية جامعية وحيدة خاصة بهذا التخصص. أيتها السيدات، أيها السادة قام المجلس بتتبع و التدخل في حالات ادعاءات التعذيب، ومن بين هذه الحالات، واقعة وفاة السيد كمال عماري بآسفي (2 يونيو 2011)، حالات السادة ياسين المهيلي بآسفي، بوشتى شارف بالسجن المحلي سلا 1، و علي أعراس بالسجن المحلي سلا 1. وقد تمكن المجلس من الوقوف على عدد من العوائق البنيوية التي تحول دون الوصول إلى القضاء النهائي على التعذيب إعمالا للفصل 22 من الدستور. ويمكن تحديد هذه العوائق بناء على دراسة هذه الحالات والشكايات المتوصل بها ونتائج تقارير زيارات أماكن سلب الحرية كما يلي : ضعف ضمانات الوقاية من التعذيب خلال فترة الحراسة النظرية؛ ضعف ضمانات الوقاية من التعذيب في فترة الاعتقال الاحتياطي بسبب ضعف آليات التفتيش و المراقبة؛ عدم وجود مقتضى يلزم اللجوء الفوري والممنهج إلى الخبرة الطبية في أي حالة لإدعاء التعرض للتعذيب وامتناع قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق في بعض الحالات عن الأمر بإجراء الخبرة الطبية للموقوفين الذين يدعون التعرض للتعذيب؛ ضعف دور الطب الشرعي في التحقق من ادعاءات التعذيب، بالنظر للاختلالات المشار إليها في الدراسة المنجزة من قبل المجلس بهذا الخصوص؛ المخاطر العملية الملاحَظة والمتعلقة بتحريف المسطرة التأديبية المنصوص عليها في القانون المنظِّم للمؤسسات السجنية والتي يؤدي في عدد من الحالات إلى حرمان السجناء من حقوقهم الأساسية خاصة تلك المتعلقة بالتطبيب. و للمساهمة في الحوار الوطني والنقاش العمومي حول إصلاح منظومة العدالة الذي يستوجب ضمان استقلال السلطة القضائية وحماية حقوق المتقاضين ويسر الولوج إلى العدالة، بادر المجلس إلى: نشر 11 إصدارا بالإضافة إلى التقارير الموضوعاتية وآراء استشارية همت مختلف مجالات العدالة. إصدار مذكرة رئيسية تتعلق بالقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ضَمَّت مقترحات لضمان استقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية وكذا ضمان تمثيلية منصفة للنساء القاضيات. كما تطرقتْ المذكرة لحقوق وواجبات أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية وهيكلة اختصاصات المجلس حول وظائف أساسية ومقترحات تتعلق بالضمانات الخاصة بتقييم أداء القضاة، وكذا نقل اختصاصات التفتيش القضائي إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية. إصدار مذكرة تكميلية في نفس الموضوع تتعلق أساسا بتدقيق آلية التنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل ضمانا لاستقلال السلطة القضائية وذلك تفاعلا مع مسودة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والذي مكنتنا منه مشكورة وزارة العدل والحريات؛ إصدار مذكرة رئيسية حول القانون التنظيمي بمثابة النظام الأساسي للقضاة، تضمنت مقترحات تخص توظيف القضاة، ونقل جميع الاختصاصات المتعلقة بتوظيفهم إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومقترحات تتعلق بحقوق القضاة وواجباتهم وأخرى تتعلق بتدبير مسارهم المهني، بما في ذلك الكيفيات الجديدة للتعيين في المسؤوليات، وأجرأة استقلال قضاة النيابة العامة إزاء السلطة التنفيذية، وشروط وكيفيات إعمال السياسة الجنائية من طرف النيابة العامة، والكيفيات المقترحة لمراقبة عملها. إصدار مذكرة تكميلية في نفس الموضوع تضمنت مقترحات المجلس، ومنها بالأساس كيفيات التواصل حول توجهات السياسة الجنائية في ظل استقلال النيابة العامة، وكذا بعض المقترحات المتعلقة بالتعيين في المسؤوليات القضائية والإدارية والجمعيات المهنية للقضاة وتحديد الأخطاء التأديبية، وذلك تفاعلا مع مُسودة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة الذي توصل به المجلس من وزارة العدل و الحريات. إصدار مذكرتين تتعلقان بالعقوبات البديلة والنظام القانوني للعفو. وتبرز مذكرةُ المجلسِ حول العقوبات البديلة بشكل خاص المرجعية الدولية المتعلقة بالعقوبات البديلة وتُحلل الأسباب العميقة لظاهرة الاكتظاظ السجني وخاصة اللجوء المكثف إلى الاعتقال الاحتياطي وضعف تنوع العرض القانوني للعقوبات البديلة في المنظومة الجنائية الوطنية، وتقدم، بهذا الصدد، توصيات مدققة في المجالات المقترح استهدافها بالعقوبات البديلة ونوعية هذه العقوبات. أما مذكرة المجلس بخصوص النظام القانوني للعفو فقد تناولت عددا من التجارب المتعلقة بمسطرة العفو في الأنظمة الملكية المقارنة بالأساس. وقدمت توصيات تتعلق بتقييد الولوج إلى حق العفو فيما يتعلق ببعض الجرائم، وتأليف لجنة العفو، وأصناف المُدانين الذين يقترح استفادتهم من العفو بصفة أولوية. أيتها السيدات أيها السادة؛ إعمالا للفصلين 1 و71 من الدستور، بناء على طلب من السيد رئيس مجلس النواب، أعد المجلس الوطني لحقوق الإنسان رأيا استشاريا بخصوص قانون رقم 12-01 المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين بالقوات المسلحة الملكية وخاصة المادة 7 منه المتعلقة بمدى الحماية القانونية للعسكريين. و تعتبر هذه هي المرة الوحيدة التي استثمر فيها مجلس النواب الإمكانية المتاحة له بمقتضى المادة 16 من الظهير المحدث للمجلس. في إطار إعمال الفصلين 127 و128 من الدستور بشكل خاص، أولى المجلس الوطني لحقوق الإنسان أهمية خاصة للقضاء العسكري حيث اعتمد مذكرة بخصوص تعديل مقتضيات ظهير 1956 المتعلق بقانون العدل العسكري كما وقع تغييره وتتميمه. وقد انصبت مقترحات المجلس الوطني لحقوق الإنسان على بعض التعديلات التي تهم مجال الاختصاص النوعي والشخصي للمحكمة العسكرية، وتفعيل الضمانات الدستورية المتعلقة بحقوق المتقاضين، وقواعد سير العدالة في مجال المساطر أمام المحكمة العسكرية، ووضع ضباط الشرطة القضائية تحت سلطة قاضي التحقيق العسكري والنيابة العامة بالمحكمة العسكرية. ومطابقة بعض المساطر والآجال الجاري بها العمل في المحكمة العسكرية مع تلك المعتمدة في قانون المسطرة الجنائية أمام المحاكم العادية (ولقد تضمن مشروع قانون رقم 13.108 المتعلق بالقضاء العسكري الاقتراحات الأساسية للمجلس خاصة تلك المتعلقة بالاختصاص الشخصي للمحكمة العسكرية وتعزيز ضمانات استقلال قضاة القضاء العسكري، وملاءمة المسطرة الجارية أمام المحكمة العسكرية مع المسطرة المطبقة في المحاكم العادية). وبالنظر للدور الأساسي الذي يلعبه القضاء الدستوري كضامن للحقوق والحريات الأساسية، وإعمالا للباب الثامن من الدستور المتعلق بالمحكمة الدستورية وانطلاقا من الاهتمام المشروع الذي يبديه المجلس بالدور الأساسي للقضاء الدستوري في حماية الحقوق و الحريات، فقد أصدر المجلس الوطني مذكرتين بخصوص القانونيْن التنظيميين للمحكمة الدستورية والدفع بعدم الدستورية. فبالنسبة للدفع بعدم الدستورية، وخاصة مسارها المسطري، فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان اقترح خيارين: الأول يتمثل في الفحص المسبق لقبول الدفع أمام المحكمة الدستورية و الثاني يتمثل في الدفع بعدم الدستورية مع فحص مزدوج للقبول على مستوى المحاكم. أما فيما يتعلق بالمحكمة الدستورية فقد همت مقترحات المجلس الوطني لحقوق الإنسان على الخصوص مسطرة انتقاء المرشحين لعضويتها والذين سيُنتخَبون من قبل مجلسي البرلمان وكذا نظام حالات التنافي بالإضافة إلى سير واختصاصات المحكمة الدستورية وتنظيمها الإداري. وإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان ليحدوه الأمل في أن يؤدي الانتقال من مجلس دستوري إلى محكمة دستورية لإنتاج اجتهاد خلاق من شأنه ضمان الحقوق و الحريات المنصوص عليها في الدستور وأجرأة الأهداف ذات القيمة الدستورية ذات الصلة. أيتها السيدات أيها السادة ؛ لقد كانت التقارير الموضوعاتية للمجلس المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمحكمة الدستورية والدفع بعدم الدستورية وقانون العدل العسكري والمرفوعة إلى جلالة الملك طبقا للمادة 24 من الظهير المحدث للمجلس، موضوع تنويه ملكي سامي في بلاغ صادر عن الديوان الملكي في 2 مارس 2013 أشاد فيه جلالته بروح هذه المقاربة و بفحوى هذه التقارير. وهو تنويه يَعتزُّ به المجلس ويعتبره حافزا قويا على مواصلة المساهمة بمقترحاته وآرائه في مختلف المواضيع ذات العلاقة بمجال حقوق الإنسان. أيتها السيدات، أيها السادة، إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي عمل على مختلف المجالات ذات الأولوية المتعلقة بإصلاح منظومة العدالة، وواكب بشكل يومي مسار الحوار الوطني حول إصلاح هذه المنظومة. لينتهز هذه الفرصة ليذكركم بتحد آني و استعجالي و هو الارتفاع المتزايد للساكنة السجنية، حيث قفزت من 57763 سنة 2009 إلى 72816 سنة 2013 حسب الإحصائيات الرسمية. و أن 42 بالمائة من الساكنة السجنية هي في حالة اعتقال احتياطي، و 40.45 بالمائة من هذه الساكنة لا تتجاوز مدة العقوبة المحكوم عليهم بها سنة واحدة. و بسبب الاكتظاظ واستقرار الاعتمادات المخصصة، فقد تراجعت الحصة الغذائية لكل نزيل إلى 11 درهم يوميا سنة 2013. و لعل من المؤشرات الإحصائية الدالة الأخرى على حجم الاكتظاظ السجني هو مؤشر المساحة المخصصة لكل نزيل مؤسسة سجنية،حيث يبلغ المعدل الوطني حسب إحصائيات المندوبية العامة للسجون و إعادة الإدماج 1.68 متر مربع لكل نزيل، لكن مع تفاوتات حادة حسب المؤسسات السجنية تتراوح بين 0.70 سنتمتر مربع لكل نزيل و 13.49 متر مربع لكل نزيل. و الجدير بالذكر أن المعدل الوطني يقل عن المعيار الدولي الذي حددته اللجنة الدولية للصليب الأحمر و الذي هو 3.4 متر مربع لكل نزيل بحوالي النصف. و إذا تم إعمال هذا المعيار الدولي في احتساب الاكتظاظ السجني في بلادنا فإن نسبة ملء مؤسساتنا السجنية تبلغ 202 بالمائة، بفائض ساكنة سجنية يبلغ 36482 نزيلا. إن هذه المعطيات الإحصائية المقلقة و التي لا تحتاج إلى تعليق، تؤكد أكثر من أي وقت مضى استعجالية إصدار الإطار القانوني للعقوبات البديلة و مراجعة الإطار القانوني للعفو و بما يتلاءم مع التوجهات الأساسية الواردة في ميثاق إصلاح منظومة العدالة، و من منظور المجلس فإن الاستعجالية هي من الحِدَّة و الخطورة التي تقتضي إصدار هذين الإطارين القانونيين دون ربط ذلك بإيقاع المسار الحالي لمراجعة المسطرة الجنائية و القانون الجنائي. و يرى المجلس أيضا أنه نظرا لمكانة الطب الشرعي في البث في حالات ادعاء التعذيب ودوره في مجريات المحاكمة العادلة وضمان شروطها، فإن من الملح التسريع بتمكين بلادنا من قانون عصري ومتقدم بخصوص أنشطة الطب الشرعي، بشكل يستجيب للمقتضيات الدستورية والمعايير الدولية ذات الصلة. و في مجال الوقاية من التعذيب و مكافحته فإن المجلس يوصي: أن تنص المسطرة الجنائية على تمكين الشخص الموقوف الموضوع رهن الحراسة النظرية من الاتصال فورا بمحام، والتسجيل السمعي البصري للاستنطاقات؛ تخويل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية في إطار القانون الجديد اختصاص الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب؛ مراجعة الإطار القانوني المنظم للمؤسسات السجنية خاصة فيما يتعلق بتقوية الضمانات التأديبية لفائدة السجناء. VI. وضعية حقوق الإنسان والحريات أيتها السيدات، أيها السادة الحق في التظاهر السلمي لقد قام المجلس الوطني لحقوق الإنسان في إطار مهامه المتعلقة بالحماية والتدخل الإستباقي بعمليات رصد و تقصي و وساطة في عدد من حالات التوتر التي ترتَّبتْ عنها انتهاكاتٌ لحقوق الإنسان، ويتعلق الأمر بأحداث خريبكة (مارس 2011)، بوعرفة (مارس-ماي 2011)، وآسفي )ماي 2011(، الداخلة (سبتمبر 2011)،بني بوعياش (الحسيمة، فبراير 2011 إلى بداية 2012)، الحي الجامعي السويسي 1 (10 إلى 13 ماي 2012)، دواري الشليحات والسحيسحات (العرائش 14 يونيو 2012)، بني مكادة (طنجة، 1و 2 أكتوبر 2012)،السجن المحلي بسلا (16 و 17 ماي 2011)، بوجدور (مارس 2013)، السمارةوالعيون (أبريل – ماي 2013)،و كذا أحداث أسا (سبتمبر 2013)، والعيون (19-20 أكتوبر 2013). كما قام المجلس في سياق مماثل بمتابعة محاكمة معتقلي أحداث الداخلة بمحكمة الاستئناف بالعيون (شتنبر 2012)، و محاكمة المتابعين في إطار أحداث اكديم إزيك أمام المحكمة العسكرية الدائمة بالرباط (فبراير 2013). وسجل المجلس بناء على ما توصل به من معطيات من وزارة الداخلية أن سنة 2011 قد شهدت تنظيم 23121 تجمعا ومظاهرة (ضمنها 1683 بالجهات الجنوبية الثلاث للمملكة أي 7,27 %) و20.040 تجمعا ومظاهرة سنة 2012 (ضمنها 935 في الجهات الجنوبية الثلاث للمملكة أي 4.66 %) و 16.096 تجمعا ومظاهرة سنة 2013 (ضمنها 825 في الجهات الجنوبية الثلاث للمملكة أي 5.12 %)، غطت كل التراب الوطني. وعلى الرغم من عدم استيفاء الأغلبية الساحقة لهذه التجمعات المنظمة فعليا للشروط القانونية والمتعلقة بضرورة التصريح القبلي طبقا لمقتضيات الفصل 11 من ظهير 15 نونبر 1958، فإن هذا الأمر لم يمنع المواطنات و المواطنين من ممارسة حقهم في التظاهر في الشارع العام. كما سجل المجلس أنها قد حافظت على طابعها السلمي ولم تشهد عنفا إلا في حالات محدودة جدا. غير أن بعض التظاهرات التي رافقت بعض الحركات الاحتجاجية وخاصة في سنة 2011 والتي أتيحت للمجلس امكانية رصدها ومواكبتها سواء بالتقرير عنها أو تجريب محاولات الوساطة بشأنها، أفضت إلى بعض الخلاصات الأولية، نرى من المفيد الوقوف عندها: غياب أو ضعف التواصل لدى السلطات العمومية إبان الأحداث شكل أحد عوامل الاحتقان، خاصة في حالة الإشاعات التي راجت أخبار عن حالات وفيات غير صحيحة، نقَلَتْها، في بعض الأحيان، بعضُ وسائل إعلام الكترونية أو مواقع تواصل اجتماعية خاصة، دون التحقق من صدقيتها. الاستعمال المفرط وغير المتناسب للقوة أحيانا مما تسبب في بعض الحالات في المس بالحق في الحياة (آسفي و آسا) والمس بالسلامة البدنية لبعض المحتجين وخاصة في صفوف النساء والقاصرين ومداهمة بعض المنازل خارج القانون وأيضا تعرض بعض عناصر القوات العمومية للعنف. ضعف عمل بعض آليات الوساطة الجماعية كمثل اللجان الإقليمية لحل النزاعات الجماعية للشغل و والتفاعل المتباين مع شكايات وتظلمات المواطنين والمواطنات المتعاملين مع الإدارة من قبل المفتشيات العامة للوزارات. التأخر في تفعيل المادة 36 من الميثاق الجماعي التي تنص على أن تعد الجماعات الحضرية والقروية مخططات جماعية للتنمية بشكل تشاركي وباعتماد مقاربة النوع الاجتماعي، حيث أن ثلثي هذه الجماعات، من أصل 1503، من تمكنت فقط من إعداد هذا النوع من المخططات؛ التفاوت في إمكانية المصالح الخارجية للتفاعل مع الجماعات الترابية التي بلورة مخططاتها مما يؤثر سلبا على التقائية السياسات العمومية على الصعيد الترابي؛ مشكل تدبير التعبيرات الجماعية في سياق بعض التظاهرات الاحتفالية والرياضية التي يرافقها في بعض الحالات استعمال العنف اللفظي والجسدي. قصور الإطار القانوني الحالي (الظهير المتعلق بالتجمعات العمومية) عن استيعاب أشكال جديدة من التعبيرات والممارسات ذات علاقة بالحق في التظاهر السلمي والتي تزايد اللجوء إليها كما بينت الأرقام السالفة الذكر، (مثال الأشكال الاحتجاجية الثابتة كالاعتصامات، اقتحام المرافق العمومية وتعطيلها، إقامة خيام ... الخ)؛ محدودية أدوار مختلف الفاعلين المفترض أن تؤول إليهم مسؤولية تأطير وتمثيل المحتجين، سواء من هيئات منتخبة أو تنظيمات مدنية؛ وفي أفق تعميق النقاش العمومي حول الحق في الاحتجاج السلمي، أعد المجلس، كما سبق وأن أشرت إلى ذلك، دراسة حول الحق في التظاهر السلمي كمقترح أرضية لمناظرة وطنية تجمع كافة الأطراف المعنية. ويرى المجلس أن ينصب هذا النقاش العمومي على: إقرار حق تنظيم المظاهرات السلمية لجميع المواطنات والمواطنين والحد من السلطة التقديرية للإدارة في منع التظاهرات السلمية وتقوية دور السلطة القضائية كآلية للانتصاف الفعلي؛ ضرورة الاتفاق على مبادئ تُحْترَمُ من طرف الجميع يتم بمقتضاها تنظيم الحق في الاحتجاج السلمي دون المس بالسير العادي للمرافق العمومية والخاصة، حفظا لحق الجميع في الاستفادة من الخدمة العمومية؛ النهوض بثقافة المواطنة والسلوك المدني ونشر ثقافة حقوق الإنسان ومناهضة خطاب التمييز والعنصرية والكراهية. أيتها السيدات، أيها السادة حرية الجمعيات تمثل حرية الجمعيات أحد أهم مكاسب بلادنا، والتي كانت منذ فجر الاستقلال سباقة في اختيار توفير إطار تشريعي يكفل ممارسة هذه الحرية دون قيود، وتمكين المواطنات والمواطنين من تنظيم أنفسهم ضمن جمعيات أو الانضمام إليها إما بهدف تسخير مجهوداتهم الجماعية والتطوعية لخدمة المجتمع أو لخدمة فئات محددة أو لتمثيل مصلحة يحميها القانون. واليوم فإن أدوار جمعيات المجتمع المدني قد تزايدت أهميتها وتكرست بمقتضيات دستورية. غير أن المعطيات التي كشفت عنها دراسة المندوبية السامية للتخطيط حول المؤسسات غير الهادفة للربح و الصادرة سنة 2011، تفيد بأن هناك عوائق موضوعية تحول دون تطور النسيج الجمعوي ببلادنا أهمها: ضعف معدل التأطير الجمعوي للسكان (145 جمعية لكل 100.000 نسمة) والتباينات المسجلة على مستوى العضوية (57.3٪ من الجمعيات لديها أقل من 100 عضوا) ؛ الفوارق المسجلة على مستوى الانتشار الترابي للجمعيات (يتركز 30٪ من النسيج الجمعوي الوطني في كل من جهة الرباطسلا زمور زعير وجهة سوس ماسة درعة)؛ 75 ٪ من الجمعيات لديها إشعاع على المستوى المحلي بشكل خاص وتركز على الأنشطة التي تحقق القرب، وهو مؤشر يجب النظر إليه مع استحضار واقع أن 78.1 ٪ من الجمعيات لا تنتمي إلى أي شبكة جمعوية. 20 بالمائة من الجمعيات تعمل بميزانية سنوية تقل عن 5000 درهم و ثلث الجمعيات لا تتجاوز ميزانيتها السنوية 10000 درهم. لقد خَلُص المجلس من خلال تحليله للشكايات الواردة عليه في مجال الحريات الجمعوية ولعدد من التقارير الصادرة عن منظمات غير حكومية وطنية ودولية إلى عدد من الاستنتاجات أكدتْها الدراسة الميدانية التي أجرتها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان خريبكة-بني ملال والتي همت المجال الترابي التابع لنفوذها، وتتعلق أساسا: باشتراط السلطات الإدارية المحلية على الجمعيات الإدلاء بوثائق لا ينص عليها الفصل 5 المتعلق بمسطرة التصريح بالجمعيات، وفي حالات أخرى طلبها للجمعيات بالادلاء بعدد من نسخ الوثائق يفوق العدد المحدد في نفس الفصل، وتأخير تسليم الوصل المؤقت إلى حين إجراء الأبحاث في حين أن القانون لم يَقْرِن العملية الأولى بالثانية، إضافة إلى مشاكل بنيوية أخرى من قبيل ثقل مسطرة التصريح بفروع الجمعيات الوطنية، وعدم تنفيذ الأحكام القضائية النهائية القاضية بقانونية بعضها. وقد قام المجلس خلال الفترة الممتدة من 1 مارس 2011 إلى متم سنة 2013 ، بناء على دوره في مجال الحماية والوساطة بتسوية ملف 22 جمعية لم يتم تمكينها من وصل إيداع التصريح بتأسيسها، في حين لجأت 37 جمعية إلى القضاء بهذا الخصوص، و تفيد المعطيات المستقاة من وزارة الداخلية أن المعدل السنوي للتصريح بتأسيس الجمعيات أو بتجديد هياكلها خلال الفترة التي يغطيها هذا التقرير يبلغ 5000 تصريح. علما أن دراسة المندوبية السامية للتخطيط المنشورة في دجنبر 2011 أقرت بأن عدد الجمعيات ببلادنا قد وصل آنذاك إلى 44.771 جمعية. إن ضعف التأطير الجمعوي والاكراهات الموضوعية والمادية والممارسات الإدارية المنافية للقانون، تشكل عوامل أساسية تحد من توسع النسيج الجمعوي والاضطلاع بدوره في مؤازرة ومساندة المطالبين بالحقوق وتأطيرهم وتمثيلهم أو لجهة الاضطلاع بأدوار الوساطة في فترات الاحتقانات والأزمات. لقد أصبح الحق في الاحتجاج السلمي أمرا طبيعيا واعتياديا، وهذا أمر علينا أن نعتز به، لأنه مؤشر على وعي المواطنات والمواطنين بحقوقهم وعلى تكسيرهم حاجز الخوف، لكن بالمقابل هناك حاجة ضرورية لتكريس المنحى التصريحي لظهير 1958 وتقوية دور القضاء في حماية هذا الحق، وإطلاق المزيد من المبادرات الجمعوية لتنظيم وتأطير مختلف الديناميات المجتمعية. وضمن نفس المنظور المتكامل لحرية التجمع و الجمعيات بمفهومها الواسع يوصي المجلس بالمصادقة على الاتفاقية رقم 87 لمنظمة العمل الدولية و الغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، في تكامل مع التنظيم القانوني للحريات النقابية و حق الإضراب. أيتها السيدات أيها السادة ؛ حرية الصحافة على الرغم من المكسب الدستوري المتضمن في الفصل 28، عرفت حرية الصحافة والتعبير أشكالا من المس بها تمثلت في اللجوء إلى القانون الجنائي لمتابعة بعض الصحافيين، وإصدار عقوبات حبسية وغرامات، و بهذا الخصوص فقد بلغ عدد الملفات المعروضة على القضاء والمتعلقة بالصحافة 119 قضية و ضمنها 82 قضية بتت فيها مختلف المحاكم برسم سنة 2011، مقابل 106 قضية برسم سنة 2012 تم البث في 51 منها وفق المعطيات المقدمة من قبل وزارة العدل والحريات إلى المجلس. كما تعرض أحيانا بعض الصحفيين للعنف أثناء تأدية مهامهم في تغطية التظاهرات المنظمة في مختلف مناطق المغرب. ويعتبر المجلس أن هذه الوضعية هي نتاج بالأساس عن كثير من أوجه الاختلال و القصور المسجلة في القانون الجاري به العمل، والتي ينبغي تجاوزها في الإطار القانوني المرتقب. و في هذا الإطار واكب المجلس مسار إعداد النصوص القانونية الجديدة للصحافة و النشر التي تشرف على إعدادها الوزارة المعنية، حيث ساهم المجلس في مرحلة أولى بمذكرة حول مسودة مشروع قانون المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة (2012). كما أن المجلس سيتفاعل مع باقي النصوص القانونية ذات الصلة. ويعتبر المجلس في هذا الصدد أن ضمان ممارسة موسعة لحرية التعبير والرأي يستلزم مراجعة عاجلة وشاملة للنصوص القانونية المنظمة لقطاع الإعلام والنشر (خاصة الصحافة المكتوبة) وللأحكام الجنائية المتعلقة بحرية التعبير، وفقا لمقتضيات الدستور ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما إلغاء الأحكام السالبة للحرية من قانون الصحافة والاسترشاد في هذا المجال بخلاصات وتوصيات الكتاب الأبيض الصادر عن الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع الذي جرى بين سنتي 2010 و 2011. أيتها السيدات، أيها السادة حقوق الفئات الهشة تفاعلا مع التحديات المتعلقة بوضع الإطار القانوني و السياسات العمومية للفئات الهشة، أولى المجلس الوطني لحقوق الإنسان اهتماما استراتيجيا لقضايا و حقوق هذه الفئات. وهكذا عمل المجلس في هذا الصدد على حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وحقوق نزلاء مستشفيات الأمراض العقلية و النفسية، و حقوق الأطفال نزلاء مراكز حماية الطفولة وحقوق المهاجرين. أقدمت بلادنا على التعاطي مع إشكال الإعاقة عبر مقاربات متعددة، غير أن الواقع أتبت محدودية نتائجها مما فاقم من حدة التمييز و الشعور بالإقصاء، إقصاء تغذيه سلوكات مجتمعية تمييزية و غياب سياسات عمومية دامجة وتشريعات تأخذ بعين الاعتبار الحقوق الإنسانية لهاته الفئة. لذلك فإننا مطالبون اليوم كدولة ومجتمع بإعمال المقاربة الدامجة في المنظومة التعليمية من خلال توفير المناهج الملائمة والأطر التربوية والإدارية المؤهلة، إلى جانب توفير التدريب المستمر وتشجيع تمدرس الأشخاص في وضعية إعاقة؛ وإشاعة ثقافة احترام التنوع وأخذه بعين الاعتبار ضمن البيئة المدرسية. وإذا يذكر المجلس بايجابية مصادقة بلادنا على الاتفاقية الدولية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، فانه يعبر عن انشغاله العميق لبطء اتخاذ التدابير الكفيلة بالقضاء على التمييز على أساس الإعاقة خصوصا في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وفي إطار اهتمامه بهذا الموضوع، فإن المجلس ، سيعتمد خلال الشهر الجاري بمناسبة عقد دورته العادية السابعة، استراتيجية عمل تهم الادماج العرضاني لبعد الإعاقة في برامجه. كما عمل المجلس على تضمين مجمل التوصيات والآراء الاستشارية التي بلورها على إدماج بعد حماية حقوق هذه الفئة والنهوض بها. وأنجز المجلس دراسة تشخيصية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأشخاص في وضعية إعاقة في الجهات الجنوبية الثلاث للمملكة تم تقديمها أمام النسيج الجمعوي المهتم بالإعاقة وبحضور مختلف المعنيين في يوم دراسي نظم بجماعة فم الواد (إقليمالعيون) يوم 8 مارس 2014. وفي هذا الخضم ونحن بصدد الحديث عن حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، أو السيد رئيس مجلس النواب المحترم والسيد رئيس مجلس المستشارين المحترم، أن أنوه بمبادرتكم بإدراج لغة الإشارات للتواصل مع فئة المواطنات والمواطنين المحرومون من السمع والنطق، واستلهاما من هذه المبادرة فقد بادرنا إلى إعداد تقرير المجلس المقدم أمامكم بلغة البرايل لتمكين المكفوفين وضعاف البصر من تتبع عمل مؤسستنا. أيتها السيدات، أيها السادة أظهر تقرير المجلس الصادر بتاريخ 11 شتنبر 2012 في ختام مهمة التقصي والتحري حول مستشفيات الأمراض العقلية و النفسية، عددا من العوامل البنيوية التي تؤثر سلبا على ضمان حق المَوْضوعين في هذه المؤسسات في معاملة إنسانية. ذلك أن ظهير 30 أبريل 1959 المتعلق ب»الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها»، و الذي ظل يعتبر طيلة سنوات مكسبا معياريا متقدما، فإنه أصبح اليوم قاصرا عن مواكبة التطورات، بل وإنه يفسح المجال للعديد من التجاوزات. كما استخلص المجلس ضعف التأطير القانوني لعدد من المجالات المرتبطة بالضمانات الخاصة بممارسة الطب النفسي، وبعيادات الطب النفسي وبأطباء القطاع الخاص النفسانيين. كما سجل المجلس أن التوزيع الجغرافي للمؤسسات غير متكافئ، وغير متوازن، وأن أغلب المؤسسات لا تستوفي شروط مراقبة وسلامة ملائِمة، مع قصور في الصيانة، باستثناء بنايَتَيْن يمكن اعتبارهما نموذجِيَتَيْن. وأظهر تقرير المجلس أيضا الحالة اللاإنسانية للمعازل، وتقادم التجهيزات، والخصاص على مستوى الموارد البشرية حيث يشغِّل القطاع العام 172 طبيبا نفسانيا و740 ممرضا متخصصا في الطب النفسي، ويشغِّل القطاع الخاص 131 طبيبا نفسانيا، و هي أرقام بعيدة عن معايير منظمة الصحة العالمية المتعلقة بالتأطير الطبي و شبه الطبي للصحة العقلية. ويسجِّل المجلس إيجابية التعاون القبلي والتحضيري من طرف وزارة الصحة التي مكنت من إنجاز مهمة التقصي في أحسن الظروف، كما كان تعاملها إيجابيا وسريعا مع توصيات التقرير بمباشرتها لوضع اللبنات الأساسية لإستراتيجية وطنية في مجال الصحة العقلية والنفسية المرتكزة على حقوق الإنسان تحتل مكانة متميزة ضمن استراتيجية الصحة العمومية؛ وهو تعامل نموذجي جدير بالتنويه. وضمن نفس الإطار الحمائي، قام المجلس بتحليل واقع الأطفال المودعين، بمقتضى مقرر قضائي، في مراكز حماية الطفولة، بهدف تقييم مدى ملاءمة طرق إيداع الأطفال والتكفل بهم مع المعايير الدولية المتعلقة بوضعية الأطفال في نزاعٍ مع القانون وفي اتفاقية حقوق الطفل الأممية. حيث لاحظ المجلس في تقريره الصادر بتاريخ 20 ماي 2013 أن «اللجوء إلى الإيداع والحرمان من الحرية غالبا ما يشكل أول إجراء قضائي يتم اتخاذه». وحدد عددا من المشاكل تجعل من مسار عملية إيداع الأطفال في مراكز حماية الطفولة غير متلائمة مع المعايير الدولية ذات الصلة سواء على مستوى البنية التحتية، أو على مستوى الإشراف والتأطير وظروف العيش والأمن والسلامة (خاصة بالنسبة للأطفال دون سن 12 عاما والأطفال في وضعية إعاقة)، فضلا عن موقع الطفل في مسار المحاكمة وسبل التظلم وإيداع الأطفال بدون تصنيف قائم على السن أو سبب الإيداع. كما وقف على حالات تعرض الأطفال المودعين للعقوبات البدنية والشتم والإهانة. وإذ يسجل المجلس بإيجابية تعاون وزارة الشباب والرياضة الوصية على هذه المراكز مع المجلس في إنجاز مهمته، فإننا لا زلنا نتطلع إلى تفعيل التوصيات الواردة في التقرير. أيتها السيدات أيها السادة لقد أعد المجلس تقريرا اعتبر فيه أن المغرب أصبح بلد عبور واستقرار المهاجرين وطالبي اللجوء، وأن الهجرة تعد مصدر إثراء لبلادنا وفرصة لدعم إشعاعها على الرغم مما تطرحه من تحديات حقوقية واقتصادية واجتماعية. وتفعيلا للالتزامات الدولية للمغرب وتفعيلا للمقتضيات الدستورية التي تنص على مبدأ عدم التمييز والمساواة في الحقوق والواجبات بين المغاربة والأجانب بما في ذلك حق الأجانب في المشاركة في الانتخابات المحلية؛ أوصى المجلس بالتسوية الاستثنائية للمهاجرين في وضعية غير نظامية وبلورة سياسة اندماج وسن عدة قوانين ومراجعة عدد منها في أفق ضمان المساواة في الحقوق. كما أوصى بتعبئة كل الفاعلين للانخراط في هذه المقاربة الفريدة من نوعها على مستوى دول الجنوب. لقد كان للتجاوب الملكي السامي مع هذا التقرير الصادر في 9 شتنبر 2013 بخصوص: الأجانب وحقوق الإنسان بالمغرب، أَثَرَه المباشر والفوري في شروع الحكومة في بلورة التوصيات الصادرة عن هذا التقرير والتي كانت محط إشادة دولية غير مسبوقة. وفي هذا الإطار، يثمن المجلس إسناد اختصاص هذا الموضوع إلى الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة، وإعادة فتح مكتب طالبي اللجوء بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون ومجهودات المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان بخصوص مسلسل إعداد النصوص التشريعية المتعلقة بالهجرة واللجوء ومكافحة الاتجار بالبشر وانطلاق مسلسل التسوية الاستثنائية. أيتها السيدات أيها السادة انطلاقا من تحليله لأوضاع الفئات الهشة، فإن المجلس يعرض أمامكم عددا من التوصيات يعتبرها ذات أولوية في هذا المجال: التسريع بوضع قانون إطار لحماية الأشخاص في وضعية إعاقة وفقا للمقاربة الدامجة والنموذج الاجتماعي للإعاقة في إطار تشاركي و العمل على صياغة سياسات عمومية، جهوية ومحلية مما سيمكن بلادنا من كسب 2% من الدخل الوطني الخام أي ما يعادل 9,2 مليار درهم حسب مجموعة من الدراسات. التعجيل بإصدار الإطار القانوني الجديد المنظم للمؤسسات الاستشفائية للأمراض العقلية والنفسية. استثمار فرصة مراجعة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية من أجل تطوير الإطار القانوني لحماية الأحداث خاصة منهم أولئك الذين هم في وضعية نزاع مع القانون. و من أجل ضمان استدامة الروح الحقوقية والإنسانية للسياسة الجديدة للهجرة، فإن المجلس يوصي: على المستوى التشريعي، بتسريع وتيرة المصادقة على القانون المتعلق باللجوء والقانون المتعلق بالاتجار في البشر وتسريع وتيرة إعداد القانون المتعلق بالهجرة ومجموع القوانين القطاعية ذات الصلة مع السهر على الإشراك الممنهج لمنظمات المجتمع المدني. وتبعا للتوجيهات الملكية السامية بهذا الخصوص، ىسيسهر المجلس بتنسيق مع القطاعات الحكومية ذات الصلة على العمل على تسريع وثيرة تسوية الأوضاع القانونية للمهاجرين والانكباب على معالجة طلبات اللجوء المودعة لدى مكتب المفوضية السامية للاجئين بالمغرب. أيتها السيدات، أيها السادة VII. الحق في الحقوق تمثل الشكايات التي يتوصل بها المجلس وآلياته الجهوية في إطار اختصاصاته المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، وثائق دالة من حيث كونها تعبر من جهة عن تنامي الطلب على الحق و اعتبار المواطنين و المواطنات لحقوق الإنسان كقيمة مرجعية (valeur refuge) في مختلف طلباتهم. كما تعبر من جهة ثانية عن حجم التحديات في مجال حماية حقوق الإنسان. وكما ستعبر عن ذلك الأرقام والمعطيات التي سأستعرضها أمامكم، فإن المجلس بات، بفعل حجم الشكايات والتظلمات التي يتلقاها، آلية وطنية للانتصاف سهلة الولوج على الرغم من أن أغلب موضوعات هذه الشكايات خارج اختصاصات المجلس،فقد قررنا تحمل مسؤوليتنا في السعي لمرافقة وإخبار وإرشاد وتوجيه مجمل المشتكين وأصحاب الحقوق. وهكذا توصل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية إلى غاية 31 دجنبر 2013 بما مجموعه 41.704 شكاية وطلب، هَمَّتْ الجوانب التالية: سير العدالة وحقوق المتقاضين وحقوق السجناء، يليها حقوق المرتفقين في علاقتهم بالإدارات العمومية. كما تبيَّن أيضا أن جزءا من الشكايات والتي ينعقد معها اختصاص المجلس، تهم بالدرجة الأولى، وبنسبة أقل الشطط في استعمال السلطة والمس بالسلامة البدنية وسوء المعاملة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وتجدر الإشارة إلى أن أربع مجالات فقط وهي: تَرِكة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقضاء والسجون والحقوق الأساسية تمثل لوحدها أزيد من 65% من مجموع الشكايات والطلبات. حيث بلغ عدد الطلبات والشكايات المتعلقة بهيئة الإنصاف والمصالحة 13.311 طلبا، والعدالة 7802 طلبا وشكاية، والسجون 5005 طلبا وشكاية، وادعاء انتهاك الحقوق الأساسية 1289 طلبا وشكاية. فيما تمت إحالة 552 شكاية على مؤسسة الوسيط للاختصاص. ولعل ما يدل على أهمية الانتظارات المشار إليها، حجم الشكايات التي توصلت بها اللجان الجهوية في الفترة الممتدة من تاريخ تنصيبها إلى غاية مُتِم سنة 2013 بما مجموعه 12.206 شكاية. و في هذا الإطار توصلت اللجان الجهوية الثلاث بالأقاليم الجنوبية للمملكة ب 933 شكاية خلال هذه الفترة وهو ما يمثل 2,23 % من المجموع الاجمالي للشكايات المتوصَّل بها وطنيا خلال هذه الفترة. ومما يدل على حجم تفاعل المواطنات والمواطنين مع المجلس ولجانه الجهوية، أنه تم استقبال ما مجموعه 25.845 شخصا في إطار الزيارات التي يتم خلالها الوضع المباشر للشكايات. ولقد خلص المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بعد تحليل الشكايات ومعالجتها، إلى استنتاج رئيسي هم المنظومة الحمائية الوطنية لحقوق الإنسان في كُلِّيَتِها يتعلق بكون صياغة المشتكين لشكاياتهم في صورة طلبات تؤكد تزايد وعيهم بالحق في الحقوق مما جعل من المجلس آلية وطنية للانتصاف تحظى بثقة المواطنات والمواطنين. وهو الأمر الذي يدفع إلى التأكيد على الحاجة إلى تقوية قدراتنا الذاتية وطنيا وجهويا في مجال تدقيق توصيف ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، وتكييفها القانوني ورصدها والتقرير عنها. كما أن تحليل الشكايات قد مكن المجلس أيضا من استخلاص بعض الأولويات المتعلقة بمراجعة بعض النصوص التشريعية والتنظيمية وبعض المساطر والقرارات الإدارية. وكذا الوقوف على بعض أوجه القصور في السياسات العمومية. و على هذا الأساس، يعتبر المجلس أن تجاوز الأسباب البنيوية للشكايات يقتضي بالأولوية: إدراجَ العقوبات البديلة في المنظومة القانونية الجنائية الوطنية و مراجعة الإطار القانوني للعفو؛ مراجعة النظام القانوني للمسطرة التأديبية في المؤسسات السجنية؛ تعزيز الضمانات القانونية للوقاية من التعذيب سواء على مستوى المسطرة الجنائية أو على مستوى الإطار القانوني الجديد المرتقب للمجلس الوطني لحقوق الإنسان؛ تنويعَ وتوسيعَ بدائل الاعتقال الاحتياطي؛ تقوية آليات الرقابة والتفتيش في أماكن سلب الحرية؛ مأسسة آليات الديمقراطية التشاركية خاصة على مستوى الجماعات الترابية ووضع الأطر القانونية المتعلقة بالديمقراطية التشاركية عبر إعمال مقتضيات الفصول 14 و15 و139 من الدستور والتسريع بوضع القوانين الخاصة بهيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية. أيتها السيدات أيها السادة VIII. المواطنة والحق في المشاركة انطلاقا من التحديات التي سبق لي أن أشرت إليها في سياق الحديث عن الأدوار المفترضة للمنظومة التعليمية في ترسيخ قيم المواطنة وإشعاع ثقافة حقوق الإنسان والتربية عليها، لا بد أن أشير إلى بعض المبادرات التي أطلقها المجلس في هذا المجال، وهي على كل حال غير كافية لتغطية الحاجيات المتزايدة والأساسية في هذا الميدان. ففي إطار التعاون المثمر بين المجلس وكل مكونات قطاع التربية الوطنية، ساهم المجلس في تنشيط أندية حقوق الإنسان والمواطنة والمساواة المحدثة بالمؤسسات التعليمية والتي بلغ عددها 5501 ناديا. كما ساهم المجلس في مجموعة من الدورات التكوينية لفائدة الأطر التربوية المشرفة على هذه الأندية. وبلغ عدد المستفيدات والمستفيدين من هذه التكوينات برسم السنة المنصرمة 2191 إطارا تربويا، فضلا عن ذلك قام المجلس بإعداد دليل عملي لأندية المواطنة وحقوق الإنسان في المؤسسات التعليمية يهدف إلى: وضع إطار مرجعي لنادي التربية على حقوق الإنسان من حيث الأهداف والمرجعيات والمبادئ والمقاربات من جهة، وضوابط العمل وأدوات وتقنيات التنشيط من جهة ثانية؛ توحيد وتقريب الرؤى وتيسير الفهم والتواصل بين مختلف مكونات الأندية وشركاؤها؛ تقديم أرضية لمأسسة وتفعيل أندية التربية على المواطنة وحقوق الإنسان. وكما سبق لي أن أكدت، فإن هذه المبادرات على الرغم من أهميتها تبقى محدودة من حيث الأثر والانتشار. ذلك أن مجموع المؤسسات التعليمية عبر التراب الوطني التي تتوفر فيها مثل هذه الاندية وغيرها من الأندية المدرسية التي تعنى بمواضيع مختلفة لا يتجاوز 6515 مؤسسة، في حين أن مجموع المؤسسات التعليمية في الأسلاك الأولية والثانوية الإعدادية والثانوية التأهيلية يبلغ حاليا 13864 مؤسسة برسم الموسم الدراسي 2012-2013، منها 1751 مؤسسة للتعليم الثانوي الإعدادي و 999 للتعليم الثانوي التأهيلي. ومن ثم فهناك اليوم ضرورة ملحة لتقوية أدوار هذه الأندية من جهة، وأيضا تعميق قيم حقوق الإنسان والمواطنة والمساواة وعدم التمييز في المناهج والمقررات المدرسية من جهة أخرى، فضلا عن الأدوار الأساسية للإعلام عموما والسمعي البصري منه بصفة خاصة في هذا المجال. و المجلس يستحضر الإشكالات التي يطرحها الوسط التعليمي من هدر مدرسي قاتل والذي طال حسب المجلس الأعلى للتعليم سنة 2009، 140 ألف تلميذ وتلميذة، وعدم قدرة آلاف الأطفال على الولوج إلى المدرسة، مرورا بمشكل القيم واستمرار تفشي مظاهر معادية لحقوق الإنسان في أوساطنا المدرسية وفي بعض المؤلفات المدرسية وصولا إلى الظواهر الصعبة المتجددة وتفشي العنف داخل الوسطين الجامعي والمدرسي ومعاداة الآخر المختلف عنا. وعلاقة بموضوع المدرسة، خلصت الدراسة التي أنجزها المجلس حول الحق المتساوي والمنصف في التربية والتكوين الصادرة هذه السنة إلى عدد من التوصيات يعتبرها المجلس ذات أولوية فيما يتعلق بالنهوض بحقوق الإنسان في المنظومة التعليمية من جملتها: إعادة بناء العرض التربوي الوطني وفق مقاربة مرتكزة على حقوق الإنسان بشكل يأخذ بعين الاعتبار الوضعيات الخاصة للأطفال الأكثر عرضة للتمييز والإقصاء كالفتيات القرويات والأطفال في وضعية إعاقة والأطفال المنتمين إلى الأحياء الحضرية الناقصة التجهيز والأطفال بدون مأوى وأطفال المهاجرين؛ مأسسة مقاربة حقوق الإنسان كشرط لاعتماد المشاريع والبرامج التربوية؛ قبول وتدبير التنوع وتشجيع اكتساب قيم التسامح والتدبير السلمي للخلافات. أيتها السيدات، أيها السادة ومساهمة منه أيضا في العمل على كسب رهان تملك كافة مكونات المجتمع لثقافة حقوق الإنسان وقيم المواطنة، انصب اهتمام المجلس على أولوية تنفيذ مقتضيات الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان وذلك بعد أن عرف إعمالها تعثرا لأسباب موضوعية. ومن ثم عملت اللجان الجهوية للمجلس على وضع برامج و إبرام شراكات لتفعيل محاورها الثلاثة : التحسيس والتكوين والتربية. وفي إطار تنويع مداخل تعزيز حقوق الإنسان وإشاعة ثقافتها تم تنظيم جائزة ناشئة الفكر و يتعلق الأمر بمسابقات شارك فيها تلميذات وتلاميذ المدارس الثانوية، قسم الباكالوريا الوطنية على مستوى أكاديميتي مراكش تانسيفت ودكالة عبدة، بأقاليمها الثمانية بشراكة بين الأكاديميَتْين المذكورتين واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان مراكش- آسفي، وكان الهدف من هذه المبادرة هو التشجيع على القراءة والعناية بها كحق وسلوك واجب في نفس الوقت. كما عمل المجلس على تنويع مبادراته من خلال التركيز على مختلف أشكال التعبير الإبداعي والفني سواء بالمشاركة أو دعم بعض المهرجانات والتظاهرات السينمائية والمسرحية والغنائية الهادفة إلى خدمة ثقافة حقوق الإنسان ومنها على الخصوص مهرجان السينما وحقوق الإنسان ومهرجان السينما الوثائقية ومنتدى الحوار بمهرجان كناوة والمهرجان الوطني للمسرح الحساني واللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان ومهرجان المبدعين الموسيقيين الشباب. وتَم إحداث مركز للدراسات الصحراوية سنة 2012 بغية تشجيع البحث في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية بالصحراء، ساكنة ومجالا وثقافة ومعيشا. وانسجاما مع مقتضيات الدستور الرامية إلى ترسيخ الهوية الثقافية المغربية المتعددة لاسيما ما تعلق منها بالمكون الحساني. كما تم إحداث ماستر متخصص في الدراسات الصحراوية وإصدار أول أنطولوجيا للموسيقى الحسانية. وفي أفق إعداده لمذكرة تفصيلية بخصوص الحقوق اللغوية والثقافية، أطلق المجلس دينامية للنهوض بهذه الفئة من الحقوق عبر ندوة أرفود في يناير 2013 حول التعدد الثقافي واللساني بالمغرب وسبل تفعيل مقتضيات الفصل الخامس من الدستور. كما شرع في مسلسل استشارات مع النسيج الجمعوي العامل في مجال النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين. ونظم أيضا يوما دراسيا حول الثقافة الحسانية وشارك لسنتين متتاليتين في موسم طانطان الثقافي (2012 و 2013). وفي هذا الصدد، يشرفني أن أخبركم بأن المجلس وفي إطار مساهمته الفعلية في تفعيل مقتضيات الدستور بخصوص جعل الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، فقد أعددنا هذا التقرير المقدم أمامكم باللغتين معا. أما في مجال الحفاظ على الموروث الأركيولوجي، أرسى المجلس برنامج عمل يهم النقوش الصخرية والمواقع الأركيولوجية بالأقاليم الجنوبية بشراكة مع وزارة الثقافة. ولم يقتصر دور المجلس على الأنشطة الإشعاعية بل اهتم أيضا بطباعة ونشر مجمل المساهمات التي أُنْتِجَتْ بمبادرة منه أو تدعيما لعمل باحثين ومختصين، وقد بلغ مجموع هذه الإصدارات خلال الفترة الممتدة من فاتح مارس إلى غاية متم دجنبر 2013 ما مجموعه 136 إصدارا. وبخصوص تعزيز قدرات الفاعلات والفاعلين في مجال حقوق الإنسان، أبرم المجلس ولجانه الجهوية 47 اتفاقية شراكة تهدف في مُجْملها إلى تقوية القدرات وكانت حصيلة مجهودات المجلس في هذا الخصوص، تنظيم 40 دورة تكوينية استفاد منها حوالي 2200 مشارك ومشاركة، بما في ذلك 19 دورة تكوينية بالجهات الجنوبية الثلاث للمملكة. كما ساهم المجلس، في تأطير لقاءات لفائدة أطر في طور التكوين بالمؤسسات والمدارس والمراكز التكوينية التابعة للأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية. و أطلق المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشراكة مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية وجميع الفاعلين بالقطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، حوارا متعدد الأطراف توج خلال شهر فبراير من سنة 2013 بعقد ندوة حول موضوع حقوق الإنسان والمقاولة بالمغرب. وشارك المجلس أيضا في الدورة الثانية لجلسات الحوار حول المسؤولية الاجتماعية للمقاولة المنظمة من طرف الاتحاد العام لمقاولات المغرب خلال شهر ماي من سنة 2013، ووقع اتفاقية شراكة مع الجمعية الوطنية لمديري ومدبري الموارد البشرية في ماي من نفس السنة، ومع المعهد المغربي للتدقيق الاجتماعي في أكتوبر 2013 بخصوص إدماج بعد حقوق الإنسان في تدبير الموارد البشرية بالمقاولات. أيتها السيدات، أيها السادة في سياقٍ مطبوع بدسترة المبادئ الأساسية للانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة المتعارف عليها دوليا بمقتضى الفصل 11 من الدستور، وكذا بالنظامية القانونية المتزايدة للعمليات الانتخابية منذ 2002، قام المجلس الوطني لحقوق الإنسان بملاحظة وتنسيق عملية ملاحظة استفتاء 1 يوليوز 2011 والانتخابات التشريعية ل 25 نونبر 2011 وذلك بناء على الاختصاصات المخولة بموجب الفقرة الثانية من المادة 25 والفقرة الثانية من المادة 36 من الظهير المُّحدِث للمجلس بناء على مقتضيات القانون 30.11 المنظم لشروط وكيفيات الملاحظة المحايدة والمستقلة للانتخابات. لقد أصدر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان تقرير ملاحظة الانتخابات الجماعية 2009 وأصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقرير ملاحظة الاستفتاء الدستوري لفاتح يوليوز 2011 وملاحظة الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر 2011 و خلاصات أشغال ورشة تبادل التجارب في مجال الملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات (2012)، وانطلاقا من ذلك، يقدم المجلس توصيات ذات أولوية تتعلق بالإطار القانوني المنظم للعمليات الانتخابية وعليه فإنه يوصي: بإرساء مبدأ التسجيل التلقائي في اللوائح الانتخابية عند الحصول على بطاقة التعريف الوطنية أو التصريح لدى القنصلية؛ بتصحيح اختلالات وفوارق التمثيلية المسجلة على مستوى تقطيع الدوائر الانتخابية المحلية من أجل ضمان تمثيل متكافئ للسكان و للناخبين و الناخبات، مع اعتبار التمييز الجغرافي الإيجابي للمناطق ضعيفة الكثافة السكانية أو صعبة الولوج ضمن حد لا يتجاوز نسبة مئوية معقولة؛ تضمين القوانين الانتخابية مقتضيات تنص على تعيين وكيل مالي لكل مرشح أو لائحة مرشحين و فتح حساب بنكي خاص بمصاريف الحملة الانتخابية و منح مساعدي الحملة الانتخابية وضعية أجراء بعقود شغل محددة المدة؛ التنصيص في مقتضى قانوني صريح، على كون التجمعات و أشكال التعبير الداعية لعدم المشاركة في التصويت تخضع لأحكام قانون الحريات العامة. التنصيص على آليات تسهل تصويت الأشخاص ذوي الحراك المحدود و سكان الجماعات الواقعة في مناطق اعتيادية للترحال و المغاربة المقيمين بالخارج و الساكنة السجنية غير المحكومة بعدم الأهلية الانتخابية، و العاملين في أنشطة اقتصادية تتطلب حراكا مجاليا قويا و الأشخاص في المؤسسات الاستشفائية و الطلبة المستقرين خارج دوائر إقامتهم الدائمة. وضمن نفس المنطق، وبالنظر للاستعمال الجد محدود لنظام التصويت بالوكالة فقد ظهرت الحاجة الماسة إلى استبدال آلية التصويت بالوكالة لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج بآليات أخرى كالتصويت بالمراسلة أو التصويت الإلكتروني. اعتبار بعد «الولوجية العامة» في تجهيز مكاتب التصويت، طبقا لمقتضيات الفصل 29 الفقرة الأولى من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة و التزامات السلطات العمومية المكرسة بمقتضى الفصل 34 من الدستور. و فيما يتعلق بالقانون 30.11 المحدد لشروط و كيفيات الملاحظة المستقلة و المحايدة للانتخابات، فإن تعديله بات ضروريا من أجل تمكين اعتماد المنظمات البين - حكومية الدولية (intergouvernemental) و وضع نظام خاص بهيأة مرافقي الملاحظين الدوليين (المترجمون) وإلغاء شرط التسجيل في اللوائح الانتخابية كشرط للترشح للاعتماد و منح ممثلي السلطات الحكومية داخل اللجنة الخاصة للاعتماد وضعا استشاريا و التنصيص على إمكانية الطعن القضائي في قرارات اللجنة الخاصة للاعتماد. وفي سياق إقبال البرلمان في الأشهر المقبلة على مناقشة القوانين الانتخابية، يعبر المجلس عن استعداده التام لمواكبة مسار إنتاج القوانين الانتخابية بمقترحاته وآرائه الاستشارية. أيتها السيدات و السادة وعيا منه بكون الحق في الحصول على المعلومات يشكل شرطا أساسيا للمواطنة، وإعمالا لمقتضيات الفصل 27 من الدستور فقد قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان مقترحاته بخصوص مشروع قانون 31.13 يتعلق بالحق في الحصول على المعلومات. وهكذا انصبت مقترحات المجلس بهذا الخصوص على المقتضيات المتعلقة بنشر اسم الشخص أو الأشخاص المكلفين بتقديم المعلومات، وتوسيع اللائحة المتضمنة للمعلومات موضوع النشر الاستباقي، وتبسيط مسطرة الحصول على المعلومات وأشكال وضع المعلومات رهن إشارة طالبيها، وكذا تدقيق وتقليص مدى الاستثناءات التي تَرِد على ممارسة حق الحصول على المعلومات والوضعية القانونية لأعضاء اللجنة الوطنية لضمان حق الحصول على المعلومات وموقع اللجنة إزاء مختلف السلط الدستورية. أيتها السيدات أيها السادة اسمحوا لي أيضا وقبل ختام هذه المداخلة التذكير بأنه وكما لاحظتم ذلك أن حالة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية للمملكة قد تم تناولها بشكل عرضاني في كل ما قام به المجلس، غير أنه من المتعين التأكيد على أن ملف حقوق الإنسان بالجهات الجنوبية الثلاث يحظى باهتمام خاص ويؤشر على ذلك المجهود المتواصل لحل ما تبقى من ملفات جبر الأضرار لفائدة الضحايا السابقين أو ذويهم في إطار متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، حيث تم في هذا السياق تنفيذ تلك التوصيات لفائدة 5027 مستفيذ ومستفيذة. وفي نفس السياق أولى المجلس أهمية خاصة لحفظ ذاكرة المنطقة كأحد مكونات المصالحة ضمن تجربة العدالة الانتقالية عبر إطلاق دينامية خلق متحف الصحراء بالداخلة وما رافق ذلك من اهتمام ملح بالثقافة الحسانية وإحداث مركز الدراسات الصحراوية والمساهمة في إدماج الحسانية في المنهاج المدرسي. وفي إطار الاضطلاع بمهمته كآلية وطنية مستقلة لحماية حقوق الإنسان بمجموع التراب الوطني ولا سيما لساكنة هذه الجهات، عمل المجلس على التعاطي مع تظلمات المواطنين وفقا لاختصاصاته ومنهجية عمله على معالجة الشكايات المتوصل بها من قبل اللجان الجهوية الثلاث. وهكذا أظهر تحليل 933 شكاية أن جزءا كبيرا منها يتعلق بمسلكيات بعض أعوان السلطة و بأوضاع السجون والمطالبة بالولوج إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والبيئية. وفي إطار تتبع تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول أماكن سلب الحرية أو في إطار معالجة شكايات العائلات، قامت اللجان الجهوية لحقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية ب6 زيارات تتبع للمؤسسات السجنية، 3 زيارات إلى المستشفيات، 3 زيارات إلى دور الأيتام و مراكز حماية الطفولة. وعلى إثر بعض الأحداث التي عرفتها بعض المدن بهذه المناطق، عمل المجلس على إيفاذ 6 لجان لتقصي الحقائق وملاحظة محاكمات متابعين على خلفيتها، بما فيها حالات ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة. كما أولى المجلس عناية خاصة لحقوق الفئات الهشة، وتوج مجهوده بإنجاز ،بمعية لجانه الجهوية بالمنطقة، بحث غير مسبوق حول الإعاقة بالجهات الثلاث. وبغرض النهوض بثقافة حقوق الإنسان والمواطنة وبناء قدرات مختلف الفاعلين، نظم المجلس 41 محاضرة وورشة و 12 دورة تكوينية ضمنهم الأعوان المكلفون بإنفاذ القانون (قضاة، رجال أمن، الدرك) و تنظيم 44 جلسة عمل مع وفود دولية والمساهمة والمشاركة في موسم طان طان الثقافي والتحسيس بأهمية حماية مواقع النقوش الصخرية بالأقاليم الجنوبية (السمارة، طان طان) وحماية الحقوق البيئية خاصة بالداخلة، علما أن المجلس بصدد إنجاز بحث حول الحقوق البيئة بالمنطقة. وأنتهز هذه الفرصة بأن أتقدم بالشكر الجزيل لرؤساء اللجان الجهوية الثلاث وعضواتها وأعضائها وطاقمها الإداري ومختلف شركاؤهم. أيتها السيدات، أيها السادة إن هذا الحرص من قبل المجلس ولجانه الجهوية كآليات مستقلة ومحايدة للانتصاف الفعال وحماية وتعزيز حقوق الإنسان يندرج في إطار الاضطلاع بأدواره ووعيه العميق بالاختيارات الإستراتيجية ذات الصلة بحقوق الإنسان كما حددها جلالة الملك حفظه الله والتي ما فتئ يذكر بها في مناسبات عدة من أجل تمكين ساكنة مختلف جهات المملكة بما فيها الأقاليم الجنوبية من الولوج إلى حقوقهم وحرياتهم الأساسية على قدم المساواة وبدون تمييز. IX. خاتمة أيتها السيدات أيها السادة ؛ إن آراء المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومذكراته الاقتراحية وتقاريره الموضوعاتية ودراساته، ليست مجرد ترف فكري أو نزوع نحو التفرد وسعي للحلول محل الفاعلين الآخرين، بل هو نابع من وعي بعمق المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق مؤسستنا واستشعارها لضرورة الاضطلاع بدورها كمؤسسة دستورية في انسجام وتعاون وتكامل وتنسيق مع باقي مكونات النسيج المؤسساتي للبلاد ومختلف الفاعلين المعنيين بتوطيد الخيار الديمقراطي ببلادنا. وفي ختام هذا التدخل، أود أن استحضر معكم التوجيهات الملكية الواردة في الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله إلى الدورة 65 للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 27 شتنبر 2010 والذي أكد فيها أن بلادنا : «جعلت من حماية حقوق الإنسان خيارا لا رجعة فيه و ذلك في إطار إستراتيجية شاملة تقوم على مقاربة تشاركية، تتوخى النهوض بالعنصر البشري وصيانة كرامته ضمن نموذج مجتمعي ديمقراطي تنموي»، ومن خلال هذه التوجيهات أؤكد لكم أن مسار حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، تقتضي تظافر جهود السلط الدستورية كافةً وتعاونَها مع مختلف الفاعلين والمعنيين كما تقتضي بناء تحالف مجتمعي واسع وداعم لهذا المسار. كما يقتضي أيضا إحداث المزيد من الانسجام والالتقائية في السياسات العمومية وتدخلات مختلف الفاعلين. وإن المجلس يعتبر بأن الآلية المركزية في هذا الإطار هي الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. وأود في هذا الصدد التذكير بالنقط التالية: أن هذه الوثيقة هي محصلة لعمل تشاركي ساهمت فيه قطاعات حكومية ومؤسسات وطنية وجامعية ومنظمات غير حكومية؛ استغرق إعدادها سنتين من العمل، كما كانت جاهزة للاعتماد في شهر غشت 2011 وتم تقديمها في اجتماع تحت رئاسة السيد رئيس الحكومة السابق في شهر شتنبر من نفس السنة؛ تم تكليف لجنة لتحيينها على ضوء المستجدات الدستورية ومرة ثانية على أولويات البرنامج الحكومي. وانطلاقا من قناعته بأهمية هذه الوثيقة المرجعية، يرى المجلس ضرورة التسريع باعتماد هذه الخطة في شموليتها وترابط مشمولاتها وتخصيص الاعتمادات الماتلية اللازمة للشروع في تنفيذها. وفي الأخير أؤكد لكم أيتها السيدات والسادة أن اختيار بلادِنا بإرادتها السيادية الانفتاحَ على الآليات الأممية لحقوق الإنسان وتوسيع ممارستها الاتفاقية، هُوَ اختيارٌ لا رجعة فيه، وينبغي استحضار أن لهذا الاختيار مكاسب لا يمكن نُكرانها وآثار إيجابية بشكل خاص على المنظومة القانونية الوطنية، وعلى إعمال المقتضيات الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات وعلى موقعنا، كدولة جعلت من تجربتها وعملها الحقوقي رأسمالا رمزيا مشَرِّفا قابلا للتثمين، لذلك فليس أمامنا جميعا خيار آخر، غير الاستمرار في هذا المسار، وتعزيز اليقظة الحقوقية في كل جهات بلادنا وتعزيز ثقة المواطنين والمواطنات في المؤسسات من أجل تحصين البناء الديمقراطي الذي انخرطت فيه بلادنا وتعزيز مكانتنا في المنتظم الدولي. أيتها السيدات أيها السادة ؛ إن هذا المجهود الذي قام ويقوم به المجلس، والذي قدمت أهم عناصره أمامكم اليوم لم يكن ليتحقق لولا جهود كل مكونات المجلس، عضوات وأعضاء المجلس الوطني وآلياته الجهوية وأطره وموظفاته وموظفيه الذين يحضر بعضهم معنا هذه الجلسة والذين استغل هذه الفرصة أمامكم لأنوه بعملهم الدؤوب وأشكرهم على مجهوداتهم ومجهوداتهن النبيلة في خدمة حقوق الإنسان ببلادنا. كما أنتهز هذه الفرصة لأتقدم أيضا بجزيل الشكر والامتنان لرئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين ولأعضاء مكتبي المجلسين وأعضاء اللجان الدائمة والفرق البرلمانية، والشكر موصول أيضا إلى كل عضوات وأعضاء الحكومة على حسن تعاون الجميع مع المجلس.