خطة جديدة للتأطير الديني على الصعيد المحلي أعطى انطلاقتها جلالة الملك، الجمعة الماضي، تقوم على توعية المواطنين دينيا وتحصين المساجد وضمان حيادها التام، وتعزيز التدابير الوقائية والتنموية، وتدعيم التجهيز والتأطير وتحسين برنامج محو الأمية. الخطة الجديدة، التي أطلق عليها «خطة دعم»، تروم تحصين المغرب والشعوب المجاورة من التعصب الديني والعمل على نشر قيم التسامح والاعتدال التي يحث الدين الإسلامي على التحلي بها، بعيدا عن كل مظاهر التطرف والغلو، من خلال إطلاق العديد من الخطط والبرامج القائمة على مبادئ المذهب المالكي والفكر الأشعري. الخطة التي ترأس جلالة الملك محمد السادس، بالرباط، مراسيم تقديمها، تأتي في إطار دعم برنامج إصلاح الشأن الديني، الذي انطلق منذ حوالي عشر سنوات، وتسعى إلى توسيع التأطير الديني على المستوى المحلي، بواسطة جهاز تأطيري يتكون من 1300 إمام ومرشد، موزعين على جميع العمالات والأقاليم، ويتميزون بكونهم حاصلين على شهادة الإجازة من الجامعة، ويحفظون القرآن الكريم كاملا، وتلقوا تكوينا شرعيا تكميليا وتكوينا مهنيا عماده الالتزام بثوابت الأمة. وأحدثت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، من أجل تسهيل وضمان التواصل بين الأئمة المرشدين، منظومة معلوماتية مندمجة تضم شبكة ومعدات معلوماتية وبوابة، تربط بين كل من المجلس العلمي الأعلى، والمجالس العلمية المحلية، والوزارة، ومندوبياتها، والأئمة المرشدين. وفي تقديمه للخطوط العريضة للخطة، التي أعدت من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى، كشف أحمد التوفيق عن الخطوط العريضة لهذه الخطة قائلا إنها تهدف إلى تحصين المساجد من أي استغلال والرفع من مستوى التأهيل لخدمة قيم الدين الإسلامي، ومن ضمنها قيم المواطنة، حسب بيان صادر عن الديوان الملكي. وتحدد هذه الخطة معالم المرحلة الجديدة من التأطير الديني على الصعيد المحلي، حيث ترتكز على تعزيز التدابير الوقائية والتنموية، وتعزيز التجهيز والتأطير لتحصين النظام الديني العام، علاوة على دورها في تحسين برنامج محو الأمية. وتتكون البنية التحتية للمنظومة من مركز معلوماتي ومعدات معلوماتية ثابتة للتحكم في المحتويات، و160 حاسوبا لدخول المجالس والمندوبيات، و1300 حاسوب محمول لدخول الأئمة المؤطرين، إضافة إلى بوابة تتوفر فيها قواعد المعطيات المتعلقة بالشأن الديني والعاملين فيه، وتضم مكتبة علمية موضوعة رهن إشارة جميع الأئمة وإمكانات الاتصال البريدي. ويعمل المغرب، منذ سنوات على نشر قيم التسامح والاعتدال التي يحث الدين الإسلامي على التحلي بها بعيدا عن كل مظاهر التطرف والغلو الآخذة في الانتشار في منطقة الساحل والصحراء وشمال أفريقيا خاصة بعد «الربيع العربي» الذي جعل دولا مثل ليبيا وتونس تقع فريسة التعصب الديني، بسبب غياب القدرة على ضبط المنظومة الدينية التي تسيطر على جزء كبير منها اليوم قوى متشددة. ويبذل المغرب في سبيل ذلك مجهودات أشادت بها مختلف الجهات العالمية، فعقد مؤتمرات تهدف إلى مواجهة التشدّد الديني عبر إقامة الحجة الدينية، فضلا عن خطة تأهيل الأئمة والوعاظ والتي جعلت من المملكة نموذجا يحتذى به في المنطقة، ما دفع بالعديد من الدول إلى اللجوء إلى تكوين إطارات دينية تنهل من عمق التجربة المغربية. ومن أبرز القطاعات الدينية التي طالها الإصلاح في المغرب قطاع الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجالس العلمية ودار الحديث الحسنية ورابطة علماء المغرب والتعليم العتيق والمساجد، والإرشاد الديني والخطابة والإعلام الديني. وواكب عملية إصلاح الحقل الديني سنّ مجموعة من القوانين والتشريعات في مجالات مختلفة من الشأن الديني كدور العبادة والتعليم العتيق والوعظ والإرشاد وتعيين الأئمة والخطباء والقيمين الدينيين والفتوى. ولم يقتصر مشروع تأهيل الحقل الديني في عهد الملك محمد السادس على حل إشكاليات التطرف من الناحية العقدية والفقهية والسلوكية فحسب، ولكن أيضا شمل إدماج الفعالية الدينية في دينامية التنمية والبناء الحضاري وهو ما تجسد بوضوح في مبادرة تطوير وظيفة المسجد وإدماجه في التنمية من خلال برنامج محاربة الأمية في المساجد والعناية بالمرأة التي أصبحت فاعلة في كل مبادرات التأهيل. هذه التجربة الرائدة جعلت المغرب محط أنظار المحيط العربي والأفريقي وأيضا العالمي، في ظل تمدد الجماعات الإسلامية وتصاعد خطر ظاهرة الجهاديين في سوريا، التي تشكل اليوم أحد أبرز التحديات لكثير من دول العالم.