تجسد خطة دعم التأطير الديني التي ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، مراسيم تقديمها امس الجمعة بالرباط، خطوة جديدة تكرس وجاهة وإشعاع مقاربة تدبير الشأن الديني بالمملكة. وتحدد هذه الخطة، التي أعدها المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، معالم المرحلة الجديدة من التأطير الديني على الصعيد المحلي، حيث ترتكز على تعزيز التدابير الوقائية والتنموية، وتعزيز التجهيز والتأطير لتحصين النظام الديني العام ، وعلى شبكة معلوماتية مندمجة من أجل التواصل وتحصين مكونات الشأن الديني ، علاوة على دورها في تحسين برنامج محو الأمية.
وتأتي هذه الخطة التي تضع في صلب اهتمامها الأئمة المرشدين في سياق تطور الشأن الديني الملتزم بالثوابت ومبادئ الأمة المغربية والمرجعية المؤسساتية لإمارة المؤمنين في تدبير الشأن الديني ، والذي يقتضي تدابير وقائية لحماية الملة والدين، وتنموية قصد كمال التبليغ.
ففيما يخص التدابير الوقائية التي تطرحها الخطة ، فهي تروم تحقيق ثلاثة أهداف تتعلق بتفعيل عقيدة علماء المغرب التي ترتكز على العقيدة الأشعرية التي لا تقبل التكفير، والمذهب المالكي الذي استوعب كثيرا من عمل أهل المغرب ، والسلوك الروحي الداعي إلى محاسبة النفس والتربية على المسؤولية.
ويتمثل هذا التفعيل في قيام علماء المغرب بالتزاماتهم الدينية والتاريخية، بجانب أمير المؤمنين، والعمل داخل المساجد وفي الأماكن العمومية بالثوابت الدينية خطابا وسلوكا، والحياد التام للمساجد بالنسبة للتيارات السياسية.
أما التدابير التنموية للخطة الجديدة فتستوجب بدورها ثلاثة أمور تتعلق بضمان الوظائف التي يقتضيها التبليغ، وعلى رأسها القيام بالأركان وجعل الدين في خدمة القيم النبيلة التي توافق اختيارات المملكة، وضرورة التطوير المستمر للوظائف الدينية داخل المساجد وخارجها.
وبخصوص تعزيز التجهيز والتأطير لتحصين النظام الديني العام، فهو يأتي لمواكبة تزايد الطلب على الخدمات الدينية الخاصة بهما بالنظر للنمو الديموغرافي والعمراني، والإقبال على العبادات من جهة، وارتفاع المستوى التعليمي للسكان وظهور قضايا مستجدة ومعاناة بيئة التبليغ من التطفل والتلوث من جهة أخرى.
وبالفعل، فإن الاستجابة الميدانية لزيادة الطلب على الخدمات الدينية تتم بعناية أمير المؤمنين للقرآن الكريم تحفيظا ونشرا، وبالتعليم العتيق تنظيما وتحفيزا، وبتوفير الإمكانات للمؤسسة العلمية وتنظيم الفتوى بداخلها، وتأهيل الأئمة وتوفير الإمكانات المادية للشؤون الإسلامية وتنظيم المهام الدينية وتقنينها وإصدار دليل الإمام والخطيب والواعظ وإنشاء جهاز إعلامي ديني سمعي بصري وتحسين أوضاع القيمين الدينيين المادية والصحية والاجتماعية.
وهكذا فإن تحصين النظام الديني العام يتم بالالتزام بالثوابت والتحصين التام للمساجد من أي استغلال ورفع مستوى التأهيل لخدمة قيم الدين ومن ضمنها قيم المواطنة.
وعلاقة بالأئمة المرشدين الذين تم وضعهم في صلب هذه الخطة التي تروم تعزيز التأطير الديني المحلي، سيعتمد الجهاز التأطيري المرشح لدعم خطة التأطير المحلي على 1300 من الأئمة المرشدين الشباب ليعزز بذلك الجهود التي تقوم بها المجالس العلمية الإثني وثمانين (82) في كل العمالات والأقاليم من خلال 652 عضوا، واستعانتها بما يقرب من ألف من الوعاظ والتي لا تصل إمكانياتها البشرية إلى ما تتطلبه المساجد التي يبلغ عددها خمسين ألف مسجد، والتي يوجد 73 في المائة منها بالعالم القروي، من بينها عشرون ألفا تقام بها صلاة الجمعة.
ويأتي تعزيز هذا الجهاز التأطيري ليكرس ما دأبت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عليه منذ عام 2006، من إجراء لمباراة سنوية لاختيار 150 من الحافظين للقرآن الكريم كاملا والحاصلين على شهادة الإجازة، والذين يتلقى كل فوج منهم تكوينا شرعيا تكميليا وتكوينا مهنيا تمثل نواته ثوابت الأمة. وللإشارة فإن الإمام المرشد يتمتع بعد تخرجه بالوضعية الإدارية المخولة لمتصرف مساعد متعاقد وهو متفرغ للمهام المسندة إليه.
ويتوزع الأئمة المرشدون على جميع عمالات المملكة وأقاليمها، ويتم تعيينهم في دوائر تأطير بجزء من مجال حضري أو بجماعة قروية في الغالب، وذلك بمعدل مؤطر واحد في دائرة أربعين مسجدا. كما أنهم مجهزون بدراجات نارية للتنقل، مع تعويض عن البنزين.
وحددت المهام المسندة للأئمة المرشدين بعقد نموذجي يلزم المتعاقد بتفقد المساجد والتواصل العلمي والمهني مع الأئمة والإسهام في مضمون خطة التأطير وفق البرامج الصادرة عن المجالس العلمية، والإسهام في تقويم الالتزام بالنظام الجاري به العمل في المساجد والمشاركة في توسيع برنامج محو الأمية وتحسينه.
وقصد التواصل مع هؤلاء الأئمة المرشدين، أحدثت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية منظومة معلوماتية مندمجة تضم شبكة ومعدات معلوماتية وبوابة، تربط بين خمسة أطراف هي المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية والوزارة ومندوبيات الشؤون الإسلامية والأئمة المرشدون وذلك عبر الإنترنيت، إما بروابط عالية الصبيب أو رابط خط اشتراك رقمي غير متماثل (إي دي إس إل) أو بتقنية (3 جي) أو خدمة الحزمة العامة (جي بي آر إس).
وتتكون البنية التحتية للمنظومة من مركز معلوماتي ومعدات معلوماتية ثابتة للتحكم في المحتويات، و160 حاسوبا لولوج المجالس والمندوبيات، و1300 حاسوب محمول لولوج الأئمة المؤطرين، إضافة إلى بوابة تتوفر فيها قواعد المعطيات المتعلقة بالشأن الديني والعاملين فيه، وتضم مكتبة علمية موضوعة رهن إشارة جميع الأئمة وإمكانات الاتصال البريدي.
كما تتكون البنية التحتية لهذه المنظومة من فضاء البرنامج الشهري الذي يتلقاه الإمام المرشد من المجلس، وفضاء التقرير الذي يبعث به الإمام المرشد إلى المجلس.
وتتمثل النتائج المرتقبة من الخطة على صعيد تحصين الثوابت، في "مساعدة الأئمة عند الضرورة على الالتزام، داخل المساجد، بدليل الإمام والخطيب والواعظ، وتمثل أدلة المذهب لإقناع الحائرين وإفحام المتنطعين، والإرشاد في فقه العبادات وفقه الأسرة، وقيم الدين العامة".
أما على صعيد تحسين الخدمات والملاءمة مع المحيط، فتروم النتائج المرتقبة في إطاره مساعدة المجالس العلمية في التأهيل مرتين في الشهر، ومساعدة الأئمة عند الضرورة في تعميق المعرفة باللغة العربية وفي الأنشطة العلمية والثقافية التي تبرمجها المجالس العلمية داخل المساجد والمساعدة كذلك على التوجيه الأخلاقي والصحي وقيم المواطنة في الوعظ وخطب الجمعة، ومساعدتهم في الشق المتعلق بالدور الاجتماعي للإمام، وهو الدور الذي يتناوله المحور الرابع في تأهيل الأئمة ضمن ميثاق العلماء.
ومن النتائج المتوقعة لتدخل المرشدين في برنامج التأطير المحلي أيضا، تحسين برنامج محو الأمية على الصعيدين الكمي والكيفي.
فحسب الخطة فإنه، وبحكم وجود مرشد على مستوى جزء من جماعة حضرية أو على مستوى جماعة قروية، وبتوجيه من المجالس العلمية ومن مديرية التعليم العتيق المسؤولة عن الخطة، يمكن أن يقوم هذا المرشد بالتحفيز على الإقبال على محو الأمية سواء بالتوجه إلى الدروس في المساجد أو بتتبع البرنامج عن طريق التلفاز والأنترنيت، وهو البرنامج الذي اكتسبت الوزارة تجربة وقدرة على توسيعه إلى ضعف العدد الحالي للمستفيدين، إذا تزايد الإقبال وتوفرت الميزانية.
وفي ما يتعلق بالتحسين الكيفي لبرنامج محو الأمية، فيتمثل في ما يمكن للمرشد أن يقوم به على مستوى التحسين الكيفي، مدعوما من جميع الأئمة الذين ينتظر منهم أن يجعلوا محو الأمية من اهتماماتهم الأساسية، وذلك باستهداف صغار السن ممن لا يحسنون القراءة والكتابة في المدن والبوادي على السواء.
وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن جلب صغار السن بما يناسب من الوسائل، يدخل في صميم الغاية التي ينشدها أمير المؤمنين من هذا البرنامج، وهي "أن تكون هذه الأمة أمة قارئة تعبد الله بعلم".
يذكر أن عدد المستفيدين من برنامج محو الأمية بالمساجد الذي يعد من مكرمات أمير المؤمنين الدينية والوطنية يبلغ مليونا و800 ألف مستفيد حسب آخر معطيات الوزارة الوصية. وهو برنامج يتم في 5550 مسجد، ويسيره 464 منسقا ومستشارا تربويا.
وحسب الوزارة أيضا فإنه إذا كان بلوغ إقبال النساء على برنامج محو الأمية نسبة 83 في المائة يشكل مؤشرا إيجابيا، فإن غلبة العمر بعد المتوسط على الرواد معطى ينبغي العمل على تعديله. وينتظر مرور سنة على إطلاق هذا البرنامج عبر التلفاز والإنترنيت، للوقوف على إسهام هذه الوسيلة في رفع مردودية البرنامج.