خطورة الغش في امتحانات الباكاوريا ليست فقط في تنامي حجم الإقبال عليه من لدن التلاميذ الممتحنين، كما أن تأكيد مصالح الوزارة الوصية على انخفاض النسب وأعداد الحالات المرصودة لا يدعو إلى أي ارتياح، ذلك أن الغش صار سلوكا معتادا لدى كثير من التلاميذ، واللجوء إليه بات فعلا واعيا يتم الإعداد له طيلة الشهور التي تسبق موعد الامتحان، وهنا نحن في حاجة إلى تأمل جدي وشمولي للظاهرة والعمل على إيجاد حلول حقيقية لها. أولا، هناك في خلفية اللجوء إلى الغش ضعف واضح وعام في المستويات الدراسية والتعلمية والمعرفية لدى التلاميذ، وخصوصا في المؤسسات التعليمية العمومية، وهذا الضعف والانحدار في المستوى هو مربط الفرس، ولابد أن تبدأ المعالجة من المرحلة الابتدائية، وتشمل المنظومة برمتها، والمقررات وطرق التدريس والتقييم، وتطرح أيضا مسؤولية المدرسين بكل وضوح وشجاعة للتأمل والتقييم. ثانيا، نظام العلاقات داخل المؤسسة التعليمية بدوره يفرض التأمل، وأيضا علاقة التلميذ بالمدرس أثناء الموسم الدراسي أو يوم الامتحان، علاوة على مختلف الجوانب ذات الصلة بتنظيم الفضاء التعلمي بصفة عامة. ثالثا، أعمال الغش في الامتحان اليوم صارت لها تقنيات وأساليب «متطورة» في الاحتيال والتدليس، ويشارك فيها، بالإضافة إلى التلاميذ المعنيين، أشخاص آخرون من خارج الفصل يعدون الأجوبة مقابل مبالغ مالية، وأحيانا يكونون من ضمن بعض المدرسين منعدمي الضمير، وبات هذا الأمر كما لو أنه بمثابة شبكات إجرامية منظمة ولها امتدادات داخل فصول الاختبار وحواليها في الشوارع المحيطة بالمدرسة، وهذا يعني أن المسؤولية مشتركة بين أطراف عديدة، ما يجعل ضروريا اعتماد حلول ومقاربات شمولية أيضا. لو اكتفينا فقط بانعكاس سلوكات الغش على مصداقية شهادة الباكلوريا الوطنية لقلنا بأن هذا وحده يتطلب اليوم استنفارا شاملا للقضاء على الظاهرة دفاعا عن صورة المدرسة المغربية، لكن المصيبة أن أي تساهل مع الظاهرة، أو الاكتفاء بالحلول الظرفية والترقيعية، يساهم كذلك في تكريس ثقافة الغش والاحتيال والتدليس والتزوير وسط أجيال عديدة من الشباب المغربي، ما يجعلهم يطبعون مع هذه السلوكات في حياتهم العامة داخل المجتمع، أي في العلاقات والاقتصاد والسياسة والشأن العام. ليس كل تلاميذنا غشاشون ومحتالون، فالمئات منهم ينجحون عن جدارة واستحقاق ويحصلون على معدلات مرتفعة ومشرفة، لكن هم أيضا، وخصوصا إذا اختاروا متابعة دراساتهم الجامعية خارج الوطن، يواجهون بصورة سلبية عن الباكالوريا المغربية بدأت تنتشر بقوة، ما يجعلهم ضحية نظرة وتقييم خاطئين. إن تحصين المجتمع وإنجاح الحداثة وسوى هذا الكلام الذي يقول به الجميع اليوم، يجب أن يبدأ من هنا، أي من إصلاح جدري وعميق لمنظومة التربية والتعليم. التعليم أولا، التعليم أولا، التعليم أولا. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته