النقد الساخر مكون أساسي في الخطاب السينمائي الأمازيغي إن السخرية عنصر ملازم للتراث الإبداعي لجميع الشعوب في العالم عبر كل الفنون، وفي مقدمتها الدراما. وقد حوفظ عليه جيلا بعد جيل، وفي كل فن نصيب من السخرية كمكون فني فعال في النقد والتقويم علاوة على كونها فنا ترفيهيا يحتاج إلى فنية عالية من حيث التجسيد والفكرة والإبراز.. فللسخرية مقومات وركائز دقيقة تستوجب المعرفة بالنفسيات والسلوكات قصد معرفة المنافذ الممكنة لممارسة السخرية وفق مقومات إبداعية تؤديه بشكل عميق. والسخرية كما تحمل الاحتقار بقصد الحط من المعنويات، تحمل نقدا لاذعا يروم التغيير من المستهجن والمستقبح نحو المستحسن والمحبذ من الصفات والسلوكات. وفي التراث الأمازيغي بصفة عامة تُحمَّل القصص والحكايات الخرافية وشبه الواقعية السُّخريةَ من الدنيء والمنحط من القيم وما يصدر من الإنسان من مواقف وتصرفات غير لائقة ، الأمر الذي يحول المستهزئ به محط الانتقاد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إذ تُبْديه وتظهره بنوع من البلاهة والغبن والغفلة المستدعية للتهكم والازدراء، وبذلك تُنَفِّر من صفاته وسلوكاته مما يجعلها تؤدي الدور التربوي بفعالية وطريقة نافذة تؤتي ثمارها بيسر . ففي الشعر الأمازيغي صور كثيرة ساخرة ولاذعة منتقدة، وفي المسرح لوحات ساخرة تثير الضحك كما تثير النقد لظواهر معينة تستهدف الإحالة على ما ينبغي أن يكون. ويلاحظ المشاهد بأن الفيلم الأمازيغي تلازمه ظاهرة السخرية من تصرفات معروفة في المجتمع عبر تجسيدها بقالب فرجوي ساخر في أحداث درامية مؤثرة وممتعة في نفس الآن . إن ّمشاهدة فيلم ما يعني الانخراط في فتح المجال لمجموعة من التفاعلات الإنسانية يجسدها ممثلون عبر نص وحوار معيَّنَيْن يحملان في كثير من الأحيان ما يدفع نحو التجاوز عبر مقصدية هي حصيلة الجانب العلائقي بين الناس اجتماعيا وسلوكيا ومعاملة . وإذا كانت الفنون تسعى إلى تغيير الواقع بحثا عن البدائل الإيجابية، فإن الاستناد إلى السخرية يعد الطريق الأنسب لبلوغ هذا المسعى، بما تحمله السخرية من انفعالات وتناقضات بإمكانها خلخلة وضعيات وصفات متغلغلة في المجتمع احترازا من الوقوع فيها واستفحالها، ويتم ذلك فنيا انطلاقا من تقديمها تقديما مُغَلَّفا بالتهكم والسخرية من قيم وسلوكات تسيء إلى الإنسان وتحوله إلى عنصر سلبي يضر أكثر مما ينفع وقد يضر ولا ينفع بتاتا . ولعل الجمع بين الجدية والسخرية في أكثر من عمل درامي أمازيغي ظاهرة إيجابية لمعالجة كثير من القضايا والظواهر السلبية المتفشية في المجتمع علما أن أي فن ليست له غائية فوق المتعة مضيعة للصياغات والجهود الفنية . إن الخيار الفني الذي تقتضيه السخرية كتقنية، يستوجب الدراية العميقة المرتبطة بالتصرفات والسلوكات التي تصدر من الإنسان وهو يواجه أخاه الإنسان ضمن علاقات انتفاعية وصدامية أحيانا، وهنا على الكاتب والسيناريست والمخرج والممثل وغيرهم السعي الفني العميق القادر على التوصيف والنقد للظواهر عبر ملامستها بشكل يفضي إلى الفضح والنقد الهادف والإيجابي في ذات الوقت من حيث ثماره ونتائجه في شتى الأبعاد . فالسخرية ليست للإضحاك فحسب، بل من غايتها القصوى العمل من أجل إبعاد السلبي من القيم مع الإبقاء والمحافظة على الإيجابي منها، فليس هناك سخرية من أجل السخرية وليس هناك فن من دون غاية استفزازية تستهدف سلوك البدائل الإيجابية الممكنة .... وبما أن الدراما الأمازيغية حتى الآن تحظى بإقبال جماهيري واسع، فإنها مطالبة باللجوء إلى شتى الوسائل الفنية ومنها السخرية وذلك قصد التعبير عن القضايا الأمازيغية والإنسانية عامة بمختلف أبعادها وأنواعها، فإيصال الأفكار والرسائل عن طريق السخرية أسهل وأفيد بكثير من إيصالها بالصوت والكلمات الجادة . وتعد السخرية صفعة نقدية هادفة، لأنها بقدرما تثير الضحك، بقدرما تعمق التأمل وإعادة النظر، وكل من لا يملك أفكارا وصياغة فنية تناسب تبليغها تبليغا ساخرا يسقط في التهريج والمجانية المسيئة إلى الغايات النبيلة للفن، فالسخرية تحمل موقفا وردة فعل بطريقة غير مباشرة إزاء مواقف أخرى غير مرغوب فيها عبر العمل بمفارقات وتناقضات . وتتخذ السخرية في الفيلم الأمازيغي عدة صور : فقد تأتي عبر تجسيد الشخصية الواقعة موقعة السخرية كأن يمثل شخصية المتجسس والنمام كما في فيلم «لعفيت ءومدوز» (1) حيث نجد الممثل الموهوب مبارك العطاش يتتبع الأخبار والمستجدات في القرية بنوع من الحرص الذي يوقعه موقع السخرية بحيث يسقطه في إعطاء الأهمية لأمور من التافه الاهتمام بها الأمر الذي يظهره دُونيا مهمشا . ويمكن إدراج فيلم «بوتزدايت» (2) في هذا الإطار حيث نجد بعض الشخصيات المديرة لإحداثه تجسد مجموعة من التصرفات المشعرة بالدونية إزاءها، فهي تمثل سلوك الرعاع البعيدين عن التحضر والرقي الاجتماعي والسلوكي، وبذلك تعطي انطباعا سيئا عن الأمازيغي المعروف بخير الشيم ونبل الأخلاق. وهذا النوع من السخرية عنصر جارح لا يقدم ما يمكن أن يعتد به في إطار النقد الاجتماعي مما جعله يسقط في السخرية من أجل السخرية المضحكة فحسب . وقد تأتي موضوعا رئيسيا للفيلم فتسيطر على مساحته من بدايته إلى نهايته كما في فيلم «ءونا يبين تسطات ءجروت» (3) ويتعلق الفيلم بثلاثة شبان وهم بريك والبشير وسليمان، هذا الأخير متميز عنهما من حيث اهتمامه بعمله وشؤون بيته في الوقت الذي يتجسسان عليه ويستغربان مصدر مشترياته وأسباب تحسن أحواله .. وقد تأتي ثاوية خلف العبارات التواصلية اليومية وهنا تأتي في الأغاني والأشعار التي تعتري نسيج السيناريوهات لكثير من الأفلام الأمازيغية . وقد تأتي سخرية متبادلة عبر الحديث بين شخصين أو أكثر كما في فيلم «تحكارت» (4) خاصة في لقطة يظهر فيها شخصان يلعبان الورق وهما تتجادلان جدالا كله تهكم وسخرية وازدراء. وبصفة عامة فالدراما الأمازيغية حافلة بالسخرية كعنصر مفيد في النقد من أجل التغيير السلوكي والعلائقي بين الناس. على أن استعمال السخرية واللجوء إليها يجب أن يتم بدقة وحذر حتى لا تسيء إلى الأمازيغي بدل أن ترد الاعتبار له ولقيمه النبيلة . هوامش: 1- فيلم «لعفيت ءومدوز» من إخراج رشيد أسلال، فكرة محمد العلوي، سيناريو وحوار رشيد أسلال 2- فيلم «بوتزدايت» من إخراج أحمد أباعزي، سيناريو بناني حسن، حوار نبيه أحمد . 3- فيلم «ءونايبين تسْطَّات ءجْروتْ « من إ خراج بوشتى الإبراهيمي، سيناريو بودرق محمد . 4- فيلم «تحكارت» من إخراج محمد أوحسين ويوسف الخضري