فلنبدد بالمسرح الحدود التي تفرق بيننا بدأ الاحتفال العالمي باليوم الدولي للمسرح بقرار من الهيئة العالمية للمسرح (مقرها باريس) منذ العام 1962 برسالة الكاتب (جان كوكتو)، وبات من التقاليد المسرحية أن تكلف في كل عام مسرحياً مميّزاً لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح، الذي يصادف اليوم السابع والعشرين من شهر مارس من كل عام. وعادة ما تتم ترجمة الرسالة إلى أكثر من عشرين لغة، بينما تُقرأ الرسالة في يوم السابع والعشرين من شهر مارس على مسارح الكون في آلاف القاعات المسرحية حول العالم، وبخاصة بقاعة اليونسكو في باريس من طرف المؤلف بصوته. وتُنشر في مئات الصحف اليومية هنا وهناك في لغات وطنية.. ومنذ عام 1962 كُتبت أكثر من خمسين رسالة لمسرحيين عالميين من بينهم: آرثر ميلر، لورنس أوليفيه، بيتر بروك، وولي سوينكا، مارتن أصلان، إدوارد ألبي، فاكلاف هافل، أوغستو بوال، جيسيكا كاهاوا وداريو فو.. ومن العرب سعد الله ونوس، فتحية العسّال والدكتور سلطان بن محمد القاسمي. ووقع اختيار الهيئة العالمية للمسرح هذه السنة على المسرحي الجنوب إفريقي بريت بيلي. وهو كاتب مسرحي ومصمم ديكور ومخرج درامي وتشكيلي ومدير مهرجان مسرحي. عُرف بريت بيلي بمسرحياته المميزة لفترة ما بعد الكولونيالية، ومن بينها: «أبونا الكبير»، «ايبي زومبي؟»، «ايمومبو جومبو» و»أروفيوس».. ومن عروضه المسرحية الشهيرة «ياقوت الدم». كما أخرج عرض افتتاح القمة العالمية للثقافة والفنون في جوهانسبرج في العام (2009). منذ عام 2008 وحتى العام 2011، عمل بريت بيلي كمنظم لمهرجان جنوب إفريقيا العام للفنون في كيب تاون. ذاعت أعماله في مسارح أوروبا واستراليا بعد أفريقيا، بل ونال المؤلف عليها العديد من الجوائز بما فيها الميدالية الذهبية للتصميم في معرض في براغ. شارك بريت بيلي بالتحكيم في معارض دولية فنية وموسيقية استعراضية مسرحية. وفيما يلي نص الرسالة. أينما وجدت جماعة بشرية، فلسوف تتبدى روح «العرض» الجامحة. فتحت الأشجار في صغريات القرى، بل وفي مسارح المدائن عالية التقنية، وفي قاعات المدارس، وفي الحقول والمعابد، في أحياء الفقراء وفي قصور المدن، وفي السراديب الداخلية وفي مراكز الأقليات، فإن الناس ينجذبون بعضهم إلى بعض متجمعين حول عوالم مسرحية نوجدها نحن لنعبر عن تشابكاتنا الإنسانية، وعن تعددنا، عن جراحاتنا، عن أجسادنا الحية وأنفاسنا وأصواتنا. نلتئم لننتحب ونتذكر، نضحك ونتألم، نتعلم ونقر ونتخيل، ننظر البراعة التقنية ونشخص عن الآلهة؛ لنلتقط نفسنا المشترك من قدرتنا على الجمال والشفقة والوحشية. نأتي لنتزود بالطاقة لنستطيع أن نتمكن من الاحتفال بالثراء في مختلف ثقافاتنا، ولنبدد الحدود التي تباعد بيننا. أينما وجدت مجموعة من البشر، فإن روح العرض المسرحية سوف تظهر، تولدها الجماعة واضعة أقنعتها ولابسة أزياء بعديد تقاليدنا، بل وتوشّج ما بين لغاتنا وإيقاعاتنا وإيماءاتنا، وتفسح لها مكانة بيننا. أما نحن، أهل المسرح الذين نعمل بهذه الروح التالدة، فنشعر باضطرارنا لأن تسلك (الروح) عبر أفئدتنا حتى يمكن لأفكارنا وأجسادنا أن تفصح عن واقعنا في دنيويته وفي لمعانه السديمي الغامض. ولكن، في هذا العصر الذي تناضل فيه الملايين العديدة من البشر لأجل البقاء وتعاني تحت نير أنظمة قمعية ورأسمالية ضارية، فإنها لتشعر بالصراعات والشدائد، وأن خصوصياتنا مخترقة بالوكالات السرية والاستخبارات، وأن كلماتنا تتم مراقبتها بواسطة حكومات متعسفة؛ بل إن الأحراش لتتم إبادتها والأنواع تمحق، وتسمم البحار – فما الذي سنضطر نحن للكشف عنه؟ في هذا العالم غير متكافيء القوى، والذي تحاول فيه قوى بطش متعددة أن تقنعنا أن أمة واحدةً، جنساً واحداً، نوعاً واحداً، أو تفضيلاً جنسياً، ديناً واحداً، أيديولوجية واحدة، أو إطاراً ثقافياً واحداً هو الأعلى والمعلّى على غيره – فهل هو دفاع الحق، ولا شيء غيره، أن نشدد على أن الفنون لا يجب البتة أن تفصم عن روابطها الاجتماعية؟ هل لنا نحن أهل فنون المسارح والحلبات، وفقاً لمهامنا المطهرة من السوقية، ونحن الذين نقبض على القوى التي نمتلكها، هل لنا أن نفسح لنا مكانة في قلوب وعقول مجتمعاتنا، لنجمع الناس حولنا، لنلهم ونسحر ونعلم ونبدع عالماً من الأمل، وتعاوناً بمحبة فيما بيننا؟!