بشراكة مع مجلس الجماعة الحضرية لمدينة شيشاوة (جهة مراكش) والفعاليات المحلية وتحت شعار «التعدّد الثقافي في خدمة الوحدة والتنمية»، نظمت مؤخرا، جمعية شيشاوة للثقافة والفنون مهرجان شيشاوة السادس. وفي الكلمات الافتتاحية ثمّن الأستاذ بنيوب عبد المنعم رئيس المجموعة الحضرية لمدينة شيشاوة هذه المبادرة، مؤكدا على أن الحكامة الجيدة أضحت تقتضي اليوم مضاعفة الاهتمام بالموروث الثقافي، وأن الثقافة أمست تشكل دعامة أساسية لجرّ قاطرة التنمية نحو مزيد من التقدّم والرقي، ليعقبه الأستاذ كاميلي عياد مدير مهرجان شيشاوة للثقافة والفنون الذي أبرز الأبعاد التنموية لهذا المهرجان، آملا في أن تتواصل الجهود والمبادرات من اجل استمرارية وترسيخ هذا التقليد السنوي الذي باتت تتميّز به مدينة شيشاوة، وجعله مناسبة لإفراز إمكانيات ومؤهلات المنطقة. ضم برنامج نسخة هذه السنة العديد من الأنشطة، ففي المجال الثقافي والفكري، نظمت بقاعة البلدية جلسات علمية استهلها الروائي عزيز إيت بنصالح، بعرض بعنوان «اقتصاديات شيشاوة قديما/ معمل السكر نموذجا»، دعّمه بصور ووثائق ورسوم إيضاحية تناول فيه قصب السكر بمتعلقاته التاريخية والمناخية والأركيولوجية بمنطقة شيشاوة. وقد قام محمد عادل بإدارة وتيسير هذا العرض. عقب ذلك، نظمت ندوة فكرية حول موضوع «التعدّد الثقافي في خدمة الوحدة والتنوّع»، نشطها باقتدار الناقد حسن بحراوي (جامعي، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب) الذي اعتبر أن موضوع الندوة يطابق المدينة التي تحتضنها بفعل طابعها السوسيوثقافي وانفتاحها على التعدّد والتنوّع. وقد شارك في الندوة أساتذة باحثون قدّموا المداخلات التالية: المداخلة الأولى قدّمها محمد ولد بنعزوز (جامعي جامعة القاضي عياض بمراكش)، كانت عبارة عن فرشة نظرية، تناول خلالها الدلالات الإبستمولوجية لمصطلحات التعدّد والثقافة والتنمية، مؤكدا من خلال ذلك أن التنمية الثقافية هي أساس التنمية الاقتصادية، ليتناول الكلمة بعد ذلك الحسين إيت باحسين (باحث بمعهد الثقافة الأمازيغية) الذي ساهم بورقة بعنوان «التعدّد الثقافي- التنمية المحلية والوحدة الوطنية»، تمحورت حول العديد من الأطروحات والإشكاليات المتعلقة بالتنمية الثقافية في اتصالها بالسياسة، متحدثا عن إمكانيات تأهيل إقليم شيشاوة في أفق الجهوية الموسعة. أما عبد الرحمان بلوش (شاعر أمازيغي، وباحث بمعهد الثقافة الأمازيغية) فقد تطرّق إلى التعدّدية الثقافية ودورها في خدمة الوحدة والتنمية انطلاقا من طرح سؤال: أية استراتيجية للتدبير والتكامل؟ ويقصد في ذلك التكامل بين التنمية والثقافة. بعد ذلك أخذ الكلمة ابراهيم الحَيْسن (باحث في الثقافة الشعبية الحسّانية) الذي تحدّث عن سوسيولوجا البداوة بالصحراء، مركزّا على المجتمع البيضاني وعلى مجموعة من المكونات الأنتروبولوجية، المشكلة للهوية الثقافية لرحل وبدو الصحراء، معزّزا هذا العرض بشريط سمعي بصري (6د.) بعنوان «ذاكرة بدو الصحراء/ الثقافة، الهوية والمكان». امتدادا لذلك، تناول سالم كويندي (كاتب مسرحي وباحث في التراث الشعبي) موضوعا بعنوان «المجتمع البيضاني بشيشاوة» تطرّق فيه إلى النسيج القَبَلي بالمنطقة الحاصل نتيجة رحلات القبائل العربية نحو الصحراء وعودتها إلى الشمال والتوقف بشيشاوة. وقد ركزّ الباحث كويندي على مكونين هما: أولاد سيد المختار من منطقة وادي نون وأولاد أبي السباع المنحدرين من منطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب. كما تطرّق أيضا إلى العديد من التعبيرات والفنون الشعبية التي تمارسها هذه القبائل ودورها الإشعاعي بالمنطقة، ضمن ما أسماه بالإثنوغرافيا الإقليمية. وقد اختتمت أشغال هذه الندوة بمداخلة قدّمها صبير أكوجكال (باحث في علم النفس التربوي) ركزّ حديثه فيها على مجالات التربية والتعليم والثقافة، باعتبارها من أهم روافد التنمية المجتمعية، داعيا في الآن نفسه إلى إعادة الاعتبار لقيم الحداثة في المدرسة من خلال هندسة الثقافة وتخطيطها من الوجهة البيداغوجية. عرف المهرجان كذلك تنظيم أمسية شعرية، بمشاركة شعراء ينظمون القصيدة بالفصحى والدارجة المغربية والحسّانية والأمازيغية. وهؤلاء الشعراء هم: الشاعر مصطفى غلمان الذي ألقى قصيدتين هما: «ماغنوس وليام أولسون»، و»شاكلة فوبيا»، والشاعر الطالب بويا العتيق الذي شارك بقصيدتين باللهجة الحسّانية، تجسدان بعضا من طقوس الضيافة والكرم بالصحراء، والزجال ادريس بن العطار الذي قدّم قصيدتين زجليتين: «الجْنانْ اللي كانْ»، و»عْيُوطْ أمْ هاني»، ثم الشاعر عبد الحق ميفراني وقد ألقى قصيدة واحدة عنوانها «ريتشيل كوري» Rachel Corrie (ناشطة السلام الأمريكية التي قتلت بطريقة وحشية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي عند محاولتها إيقاف جرافة عسكرية تابعة للقوات الإسرائيلية كانت تقوم بهدم مباني مدنية لفلسطينيين في مدينة رفح في قطاع غزّة). وهذه القصيدة هي مقتطف من إبداع شعري طويل بعنوان: «جراح الشمس». أضف إلى ذلك الشاعرة حفيضة حسين التي قدّمت أربع قصائد هي: «الوجع»، و»سماء عالية»، و»سأبكي لي»، ثم «الخطوة والريح»، وأيضا الشاعر عبد الرحمان بلوش الذي اكتفى بإلقاء قصيدة واحدة بالأمازيغية هي «لّيلاّتْ ئي د»، وتعني تفصيحا: أنقذوني. وقد ختم العروض الشعرية، شاعر شيشاوة عمر العلاوي الذي أتحف الحاضرين بقصيدتين منشورتين بمجلة دعوة الحق، إحداهما بعنوان «تحية للشعراء» والأخرى حول عيد العرش. فضلا عن ذلك وفي المجال الفني، أنجزت جداريات ولوحات حائطية بفضاءات المدينة، وتم عرض مسرحية «لا هنا لا لهيه» لجمعية الشباب للشباب وهي تتناول موضوع التيه وانسداد الأفق لدى شباب اليوم، وتنظيم صبحية للأطفال نشطها أعضاء من الجمعية المذكورة. وقد اختتمت فقرات هذا المهرجان بإحياء سهرات فنية شاركت فيها فرق شعبية (الدقة المراكشية، الغيطة الشماعية..) محلية مشهورة وتكريم فعاليات تنتمي إلى منطقة شيشاوة.