إذا كانت وزارة السكنى و سياسة المدينة تعمل وفق برامج واستراتيجيات من بين أهدافها محاربة السكن العشوائي والقضاء عليه من خلال تأهيل المناطق المعروفة بالمساكن القصديرية وإعادة إسكان قاطنيها، وكل ذلك بغاية صون كرامة المواطن وتلبية حاجياته على جميع المستويات،اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وغيرها من الأصعدة، فإن مسؤولي عمالة مقاطعة الحي الحسني بالعاصمة الاقتصادية، سواء السابقين أو الحاليين، الذين تحملوا أو يتحملون مسؤولية تدبير الشأن المحلي، يبدو أنهم بعيدين عن هذا المنطق السليم في تدبير الشأن العام، وأن همهم الوحيد المصلحة الشخصية. يظهر ذلك جليا من خلال الإهمال الكبير الذي ترزح تحت نيره ساكنة دوار الدودي بالألفة بنفس العمالة، وهو أعرق حي صفيحي بالمنطقة، يقوم بجوار الملحقة الإدارية بالألفة وبالقرب من مؤسسات تعليمية كالفشتالي. يقع دوار الداودي بشارع أم الربيع بالقرب من المركب الإداري وسط المدينة، يعاني قاطنوه الويلات جراء هذا الإقصاء الممتد في الزمان والمكان، فلا فكاك منها في كل فصول السنة، من فرطها، غدا الدوار مجرد براريك غارقة في الوحل، وهي متكومة بعضها على بعض، يزيدها سوءا علوها الذي لا يتجاوز متر ونصف، وأزقتها الضيقة. فهذا الدوار الصفيحي يشكل حالة استثناء في برامج محاربة السكن العشواء ووصمة عار على جبين المسؤولين الذين دبروا أو يدبرون الشأن المحلي، وذلك لعدم إدراجه في المشروع الجهوي لإعادة إيواء ساكنة دور الصفيح، مما حرم قاطني هذا الحي من حق الاستفادة من سكن لائق يحفظ كرامتهم ويؤمن لهن العيش في ظروف ملائمة تتوفر فيها كل المرافق الضرورية من بنيات صحية واجتماعية وتعليمية وثقافية. بيان اليوم، التي قامت بجولة تفقدية لهذا الحي القصديري، الهدف من ورائها لفت انتباه المسؤولين المحليين إلى معاناة ساكنته التي تخوض الصراع على جبهتين، جبهة مفتوحة في مواجهة الوضعية المزرية بالدوار الذي يفتقد إلى كل شيء، ولا يحمل من الأحياء سوى الاسم، وجبهة أخرى لا تقل عنها مضاضة، متمثلة في النظرة الدونية والإقصاء المتعمد للمنطقة من كل برامج التنمية، (بيان اليوم) التقت أحد قاطني هذا الدوار، وهو رجل في العقد السابع من العمر، وقد أفاد بأنه يقطن بهذه المنطقة منذ أكثر من 50 سنة، وأضاف أنه طيلة هذه الحقبة من الزمن، عانى في السكن بهذا الحي من غياب شروط الحياة الكريمة المتمثلة أساسا في البنيات التحتية الأساسية، وعانى كذلك من التسربات خلال فصل الشتاء الذي غالبا ما تغرق فيضاناته البراريك، ويحول وحله الحياة في الدوار إلى جحيم. وبين هذا الشيخ، كيف أن السكن بهذا الدوار الصفيحي، تسبب في قطع عائلته لصلة الرحم به، والاستعارة منه طيلة هذه المدة. وتابع الشيخ» اليوم كل ما يشغلني من هذه المعاناة المستبدة، هو مصير أبنائي في ظل هذه الظروف المزرية وكيف ستكون حياتهم داخل هذا الحي الذي تنعدم فيها كل شروط العيش الكريم». أما السيدة (أ ف)التي تحدث هي الأخرى لبيان اليوم ولكن بحسرة شديدة عن معاناة العيش في جحور قصديرية بمعية أبنائها، فتساءلت عن الأسباب في حرمان قاطني البراريك القصديرية بدوار الدودي من الاستفادة من برامج محاربة السكن العشوائي على غرار الأحياء الأخرى كتوينشات، بنت لكزار، الأزهري، شندر، فرار واللائحة طويلة. وأضافت «معاناتنا لا يحس بها إلا من يكتوي بنارها يوميا، والمسؤولون لا يتذكروننا إلا أثناء الانتخابات للحصول على أصواتنا للوصول إلى البرلمان والجماعة». فيما شاب في مقتبل العمر (ي.خ) استغرب في تصريح مماثل لبيان اليوم، كيف أنه في القرن الواحد والعشرين وسكان هذا الحي، يقطنون بهذه «القبور» القصديرية بلا كرامة، معرضين للأمراض المزمنة كالربو، ناهيك عن المخاطر الأخرى كالحرائق التي تهدد حياتهم في كل لحظة وحين. الساكنة المتضررة، حسب جميع التصريحات المتطابقة، اتصلت بجميع المسؤولين ووجهت لهم رسائل وشكايات، تلتمس من خلالها إدراج المنطقة في المشروع الجهوي لإعادة إيواء ساكنة دورالصفيح، ومن ثمة انتشالهم من البؤس والفقر والإهمال لكن وللأسف الشديد دون جدوى. وحسب مصادر مسؤولة، بعمالة مقاطعة الحي الحسني، فإن إعادة إيواء سكان دوار الداودي مرتبط بمساهمة مادية لمالكي البقعة الأرضية التي يتواجد بها الدور، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في مواجهة هذه الوضعية هو: لماذا لا يتم إدماج ساكنة هذا الدوار من أجل الاستفادة من برامج محاربة دور الصفيح، ومطالبة الملاكين بالمستحقات وإن اقتضى الحال اللجوء للمحاكم المختصة أو نزع الملكية للمصلحة العامة. وناشدت ساكنة دوار الداودي المسؤولين سواء على المستوى المحلي أوالجهوي العمل على إعادة إيوائها في مشروع سكني، درءا لها من الضياع والتهميش.