كل من كان يعرفها بالحي كان يشهد لها بالتعفف. كانت تحظى بتقدير الجميع، الصغير والكبير، لاستقامتها و تحصنها. صادفتها السيدة زهور ذات صباح فأعجبها حالها وتمنت لو تكون عروسا لولدها الوحيد. سألت عنها فحصلت على معلومات مشرفة. اقترحت السيدة زهور على ابنها عمر الزواج منها، فلم يبد أي مانع، لأن العروس كما تقول أمه ذات مميزات مغرية: على خلق، شابة، متدينة ومحتجبة، ذات نسب، طالبة جامعية على وشك التخرج و جميلة. يوم الخطبة، الذي حددت الأم موعده، مرت الأمور في أحسن الأحوال، حيث استقبلا على الرحب والسعة من طرف أسرة هالة التي وافقت على الفور، فالمتقدم رجل بمواصفات العريس الذي تتمناه كل فتاة. اتفقا عمر وهالة على أن يكون عقد القران بعد ثلاثة أشهر واشترطت على أن تكون لقاءاتهما جد رسمية و على شكل ضيق مخافة كلام الناس، مما زاده إعجابا وتشبثا بها. من يومها وهو يستعد بكل الرضا والحبور للزواج وتدبير تكاليف الزفاف و مستلزمات بيت الزوجية. في مساء يوم حار، اضطر عمر للتأخر خارج البيت رفقة أصحابه بالمقهى. اقترح أحدهم الحضور في حفلة راقصة بإحدى فنادق المدينة الفخمة. طبعا لم يوافق عمر وهزئ من صاحب الفكرة. لم يجرب أبدا متعة كهاته، فامتنع بقوة وأصر ألا يذهب كي لا يراه أحد ما في مثل هذه الأماكن المشبوهة ويبلغ خطيبته فيضيع كل شيء. لكنه لم يستطع مقاومة إلحاح رفقائه فصاحبهم على مضض، راجيا أن لا يصادف أحدا من معارفه أو معارفها فيفتن عليه. كانت صالة المرقص مكتظة بالسمر الراقصين من الجنسين. الموسيقى كانت صاخبة تهز أركان الفندق، فلا يكاد يفهم حديث من زعيق. وهو يبحث عن مكان يقف فيه إذ وقعت عيناه على فتاة تكاد تكون توأم خطيبته هالة. لم يعر للأمر اهتماما فخطيبته ليست من النوع الذي يتردد على مثل هذه الأماكن. صرف نظره إلى جهة أخرى. فإذا بصوت وقوع كأس على الأرض يجعله يلتفت عن يمينه اعتباطيا، مصدر الصوت الصادر من تكسر الكأس. كانت شبيهة هالة هي صاحبة الكأس الواقع وقد انحنت لتلملم الزجاج المتناثر أمامه، فهوى ليساعدها، لكنها ارتبكت لرؤيته، و صعق لسماعها تنطق بعفوية اسمه وهي تجمع خصلة من شعرها المتدلية على خدها و كتفها العاري. تكرر بداخله ذاك الصوت الصادر عن تكسر الكأس، أحس وكأن قطعا من زجاجه تدمي فؤاده. أدخلت يدها في حقيبتها لتناوله خاتم الخطوبة وهي تقول بارتباك كبير: أرجوك لا تفضحني وانس مصادفتي».» رفعت رأسها فوجدته قد غادر مكان الزلزال هذا.