استنكار نقابي لتماطل الحكومة في عقد جولة الحوار الاجتماعي ودعوات للتكتل رفضا لتكبيل حق الإضراب    "التقدم والاشتراكية" يدعو الحكومة إلى تصحيح اختلالات ونقائص عملها من خلال مشروع القانون المالي    ديرها غا زوينة.. أشنو سر قرعة العافية فالموكب الملكي؟.. و أشنو علاقة حميد المهداوي بالملكية؟.. (فيديو)    تحسن الوضعية الهيدرولوجية في 6 أحواض مائية يبشر ببداية جيدة للموسم الفلاحي    ارتفاع أسعار النفط بعد انخفاض مفاجئ في مخزونات الخام الأمريكية    تأجيل محاكمة 13 مناهضا للتطبيع متابعين على خلفية وقفة احتجاجية داعية لمقاطعة "كارفور"    "عن غزة لا تتخلى".. مسيرة الدار البيضاء تدعو لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة    الحسين عموتة ينضم إلى قائمة المرشحين لتدريب المنتخب السعودي        الفيلم المغربي "أرض الله".. عندما تتحدث روح الميت بسخرية إلى الأحياء!    دراسة تظهر وجود علاقة بين فصيلة الدم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    ردّ صادم من ميسي بشأن مشاركته في كأس العالم 2026    المغرب يفشل مخططا جزائريا بئيسا بدورة البرلمان الدولي في جنيف    وزير الدولة للشؤون الخارجية الإثيوبي يبرز التطور المطرد لعلاقات بلاده مع المغرب    الهاربون من تندوف.. فيلم مغربي جديد من قصة مؤثرة مستوحاة من الواقع            البرلمان الأوروبي يدخل على خط قرار المحكمة الأوروبية الخاص باتفاقيات الصيد مع المغرب    زنيبر: المغرب ملتزم دائما بالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان على المستوى الدولي    ياسين عدلي: "اللعب لفرنسا قرار نهائي ولن أمثل الجزائر.. ولو اتصلوا بي في سن أصغر كما يفعل المغرب ربما كانت ستتغير الأمور"    زياش يثير فضول الجميع بحذفه لصوره مع المنتخب المغربي من مواقع التواصل الاجتماعي    حكيمي وبن صغير في التشكيلة المثالية للجولة الرابعة    اكتشاف ‬نفطي ‬ضخم ‬بسواحل ‬الكناري ‬يطرح ‬من ‬جديد ‬مسألة ‬تحديد ‬الحدود ‬البحرية ‬مع ‬المغرب    24 إصابة إثر اصطدام سيارة لنقل الأموال وحافلة لنقل العمال    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    من بينها المغرب..توقيف 66 شخصا في عملية لمكافحة الإرهاب نسقها الإنتربول في 14 دولة    رزم من الحشيش ملقاة على قارعة الطريق تستنفر الدرك بسيدي إفني    كامالا هاريس تؤكد أن رئاستها ستكون مختلفة ولن تمثل استمرارا لسياسات بايدن    فرنسا تمنع إسرائيل من المشاركة في معرض يورونافال    الشامي: شراكة القطاعين العام والخاص ضرورية لتطوير صناعة السفن بالمغرب    أخنوش يترأس افتتاح الدورة الثانية لليوم الوطني للصناعة بمدينة بن جرير    رئيس عمداء مدن أمريكا يشيد برؤية جلالة الملك في مجال التنمية    وزير الخارجية الإيراني يصل إلى مصر في زيارة نادرة    الجديدة: زوج يجهز على زوجته ويرديها قتيلة    استياء جراء حرمان جماعة لبخاتي بإقليم آسفي من ثانوية–تأهيلية.. هل يتحرك بنموسى؟    أطباء ومحامون من الجديدة متورطون في ملف حوادث السير الوهمية    أكثر من مليار شخص في العالم يعانون الفقر "الحاد"    السعودية تستضيف القمة الخليجية – الأوروبية في 2026    ماذا ‬بعد ‬خطاب ‬11 ‬أكتوبر؟    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    قصص الجثث المشرحة في كتاب طبيب شرعي بلجيكي تعيد الحياة إلى المطالعة    المغرب يحتضن منافسات عصبة الأبطال الإفريقية لكرة القدم للسيدات    بعد انفصاله عن الرجاء.. الجيش الملكي يضم بن ونيس إلى الجهاز الفني    مهرجان سلا للسماع والتراث الصوفي دعامة للدبلوماسية الدينية والفكرية بأبعاد روحية وجمالية    «ذهب أجسادهن» جديد عائشة بلحاج ضمن سلسلة إشراقات برعاية أدونيس    نقطة نظام .. النائبة البرلمانية النزهة اباكريم تطرح وضعية المواطنين بدون مأوى بجهة سوس    إسرائيل تضرب عشرات الأهداف لحزب الله    افتتاح المؤتمر الدولي للقيم والفنون بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة شعيب الدكالي    الناقد سينمائي واكريم يستعرض الجوانب الفنية لنجاح الفيلم السينمائي "على الهامش"    وليد الركراكي يشيد بأداء اللاعبين الجدد خلال مباراة إفريقيا الوسطى    خنيفرة تستعد لاحتضان الدورة الخامسة لمهرجان إيزوران    الصحة العالمية: سنة 2024 شهدت 17 حالة تفش لأمراض خطيرة    دراسة: تناول كمية متوسطة من الكافيين يوميا قد يقلل من خطر الإصابة بألزهايمر    أعراض داء السكري من النوع الأول وأهمية التشخيص المبكر    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدخل إلى المنتوج الفيلمي و التوثيق :
نشر في بيان اليوم يوم 07 - 01 - 2014


مشروع السينما الوظيفية
لا مجازفة في القول، بأن حقل الأفلام الوثائقية وعر و محفوف بالمخاطر على المستوى الفني و النظري معا. فهدا الحقل الفيلمي يقتضي أرضية مرجعية رصينة، و إلماما معرفيا بمحاور البحث الميداني الذي ينفتح على عدة أصوات، و يستدعي عدة معارف ومقاربات، الشيء الذي يجعل من إنجاز أي مشروع توثيقي من الناحية السينمائية أو السمعية البصرية عموما مغامرة كبرى و رهانا صعبا. لقد سبق للمؤرخ و المخرج الفرنسي آلان جوبير أن صرح في معرض حديثه عن الأفلام الوثائقية الخاصة بالفنون الجميلة بأن هذا الصنف التسجيلي فن مركب يوظف كل بلاغات الخطاب الفيلمي صورة، و تعليقا، و دلالة الخ...
في رحاب أي فيلم وثائقي جدير بهذا الوصف النقدي، ندرك بأن الكتابة السمعية البصرية بمثابة جغرافيا و تاريخ يتقاطع من خلالهما و عبرهما المجال الواقعي و الفضاء الافتراضي، حيث تركز اللغة الفيلمية على الأنظمة المتعددة للتعبير ، و الإيحاء، و الكثافة، و الرصد، و التحليل، و التأويل. إنها شهادة مرجعية يعتد بها من الناحية العلمية، لأنها تؤسس خطابها الجمالي و التسجيلي على وثائق تاريخية، و بيانات واقعية، و معطيات ميدانية تؤرخ لتفاعل الإنسان مع سياقاته المادية و الرمزية.
إن الفيلم الوثائقي هو الذي حقق، بالقوة و بالفعل، مشروع السينما الوظيفية بكل ما يحمله هذا المركب الاسمي المعرف من معنى و دلالة، إذ زاوج بين رهانات الصناعة السينمائية، بمفهومها التقني، و إطارها الإنتاجي، و هموم الرصد الواقعي و الرصد الموضوعي على مستويي الكتابة و التاريخ.
فالفيلم الوثائقي حقق دينامية التواصل الإخباري بالمقارنة مع الفيلم الروائي الغارق في جماليات التخييل و المنساق مع مقاصد الإثارة و الغواية المتحكمة في منطق الفرجة و طقوسها الاستهلاكية. فعلى عكس هذا الإطار الروائي، يؤسس الفيلم الوثائقي لهويات مفتوحة كبعد معرفي على قضايا العصر وحرقة أسئلته الثقافية، و الاقتصادية، و الاجتماعية، و السياسية. و هي لعمري ليست هويات شكلية ترصد الغرائبي(Exotique) و التسجيلي العارض كما هو حال بعض الأفلام الوثائقية ذات المنزع الاستشراقي أو التسييحي. إن الفيلم الوثائقي يؤسس لانتماء عميق و عضوي في جغرافيا العالم، محاولا استيعاب قضاياه العامة، و تمثل روافده و علامات ذاكرته المحلية و الكونية بكل أبعادها المتقاطعة. ها هنا، يمكن الحديث عن الوظيفة الثقافية للأفلام الوثائقية التي تساهم من موقعها الاعتباري في بلورة وعي الانسان بذاته، و مجاله، و ثقافته أو متخيله، مما سيؤهله لكي يكون فاعلا في سيرورة تنمية مجتمعه على شتى المستويات و الأصعدة.
لا جدال في كون الفيلم الوثائقي، رغم قلة تراكماته النوعية و ضخامة شروطه الإنتاجية،جزء لا يتجزأ من المشروع الثقافي و المجتمعي و الحضاري من الناحية الانسانية الكونية، لأنه يقارب القضايا الجوهرية، و يطرح الأسئلة النوعية و المصيرية بكثير من الدقة، و الوضوح، و التماسك، و العمق، و التبصر.
إن مخرج الفيلم الوثائقي و منتجه مقتنعان أيما اقتناع بأهمية الوثيقة المصورة (الثابتة و المتحركة) و قيمتها المرجعية. فهما يؤسسان خطابهما على درجة حضور التاريخ في الانتاج الفيلمي كمادة مصدرية، و كرؤية موضوعية للحدث تلتزم بإقرار الرأي و الرأي الآخر في ضوء منهجية العمل. إنهما يشتغلان بشكل حثيث على مستويات توظيف السينما في كتابة التاريخ، و رصد الوقائع، و مقاربة القضايا، حيث يحاولان تدبير العلاقة التفاعلية بين التاريخ كمعرفة علمية و السينما كمعرفة فنية، و كلاهما يشتغلان على الواقع في أزمنته الثلاثة (الماضي، و الحاضر، و المستقبل)، محولين إياه إلى علامات تصبح في إطار الإعداد و الإنجاز عملا مكتوبا أو عرضا (Spectacle). لقد سبق للناقد نور الدين الصايل أن أكد ما جوهره: « كل فيلم وثائقي هو فيلم تاريخي. فالسينما لا تصور أبدا شيئا في الحاضر، لأنه بمجرد ما يصور مشهد معين – بسرعة 24 صورة / ثانية – و يتم تجاوزه يصبح تاريخا».
فخارج اللعبة الايديولوجية التي تتحكم في إنتاج الصور و التعليق غير المطابق لها كما أوضح ذلك جليا الباحث الألماني كراكوور في مؤلفه «من كاليكاري إلى هيتلر». لا بد من التنصيص على كون الصور مادة خام بالنسبة للمولعين بالتوثيق. فهي تحمل معناها في ذاتها لأنها «تحكي الزمن» على مستوى محمولها التصويري و بنائها التركيبي و الاستبدالي. إنها وثيقة تسجيلية تسعف، أيضا، المنشغلين بالبعد الروائي المهووسين بتوظيف زمنهم في الكتابة، مستندين في ذلك إلى فعلي الحكي و المحاكاة و ما يقتضيانه من نقل و وصف، و كذا من إعادة إنتاج بوسائل سينمائية حديثة لا تنقطع عن التطور ، حيث أصبحت تضم في بعض الأفلام المعاصرة مشاهد من البعد الثالث (3D). الملاحظ أن هذا الجنس الوثائقي يدرك جيدا لعبة المفارقة بين الزمن الواقعي أو المضموني (la diegèse) الذي يمتد عبر السنوات و الزمن الفيلمي الذي يقوم على الاختزال، و التكثيف و لا يتجاوز في الغالب الأعم ساعة و نصف.
هكذا، يقوم الفيلم الوثائقي ب» تفنين» أو «سنمأة» التاريخ، مستثمرا في ذلك عدة تقنيات سينمائية و مؤثرات سمعية بصرية كما أبرز ذلك بشكل مستفيض فيرناند بروديل.
يستشف المتأمل لتجارب الفيلم الوثائقي على الصعيد العالمي بأن التاريخ يغني السينما، و بأن السينما بدورها تغني التاريخ. فهما يقومان معا على معيار الزمن الذي يمثل شكل السرد و موضوعه في الآن ذاته، كما أنه يحمل واقعا موضوعيا و كيانا وجوديا و إنسانيا يحاول المؤرخ و مخرج الفيلم الوثائقي أن يحكي حكاياته وفق زوايا نظر متعددة. إنهما يركزان على تأويل الواقع و استيعابه بدل الاقتصار على سرده. ها هنا، تكمن اللذة السينمائية.إنها لعبة العلامات المنفلتة من الثقل التاريخي، و المشتغلة على المؤثرات العامة التي تنم عن تصور فكري للمنجز بشكل سلس يجمع بين التاريخ الحي و التصوير الفني (الحركة، المؤثرات الحقيقية في الجمهور، الدقة في الوصف و التحليل...).
ما زال إنتاج الأفلام الوثائقية في المغرب خصوصا و في العالم عموما يمثل عزفا منفردا و حالة شرود داخل مشهد الفن السمعي البصري في عصر الصورة الذي يكرس سيادة الاستهلاك المباشر و التلقي السلبي تحت ذريعة الفرجة بدل ملكة التحليل و التأويل التي تتعامل مع الانتاج الفيلمي كفن تاريخي وثائقي يراهن على المعنى الثالث بالمفهوم البارتي الذي يبدع صيرورة الزمن (نظام مزيف و بناء داخلي)، و يفتح المجال للمجاز و للخدعة الواعية.
فمتى سيفك الحصار عن الفيلم الوثائقي لكي يحقق رهاناته النوعية و الكمية ؟ متى سينزاح هذا الفيلم عن المقاربة البدائية و الآلية للوقائع (les faits) لكي ينخرط كليا في مملكة الإبداع الخالص؟
شاهدت من خلال تجربتي مع فعاليات المهرجان الدولي لفيلم الطالب بأن عددا كبيرا من الشباب المبدعين من مختلف الأقطار الدولية أصبحوا يتعاطون لإخراج الأفلام الوثائقية بذكاء و عمق، واعين منذ البداية بأن التاريخ معين لا ينضب بالنسبة للسينما، و بأن السينما إبداع موثق للتاريخ. كما أنهم يدركون جيدا بأن «التوثيق» ليس مجرد نظام سردي، بل هو فضاء ذاتي رحب، و حقل من الثوابت و المتغيرات على المستوى الدلالي. إنه أثر كبير يستلزم قراءة عمودية كما أكد ذلك رولان بارت في حديثه المسهب عن المعنى الثالث.
و إذا استعرضنا عدة تجارب وثائقية على الصعيد الدولي ، فإننا نجد تنوعها على مستوى المواضيع و المقاربات، و كذا قدرتها المهنية على المزج المرن بين الفكرة و الصياغة الفنية و التسلسل، مما يعزز خصوصيتها و يعمق رؤيتها المعرفية و الجمالية معا. إن القليل من المخرجين هم الذين نذروا أنفسهم لخدمة هذا الصنف الفيلمي التسجيلي بالصرامة العلمية التي تلقوها في كبريات المعاهد السينمائية العليا، إذ برعوا فيه من حيث الموضوع و أسلوب التصوير، كما أخرجوا الكاميرا من الأستوديو إلى الشارع و الحياة، منتصرين لقيم المحبة، و التبادل ، و التسامح، و ملتزمين بمبادئ فلسفة التاريخ خاصة لدى نيتشه التي ترى إلى التاريخ كحوار بين الماضي و الحاضر بعيدا عن التصورات المقولبة (Visions stéréotypées ) و نزعات الأفلام الدعائية و المؤدلجة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.