أمس الثلاثاء فقدت مصر شاعرها الشعبي الكبير أحمد فؤاد نجم، وأمس أيضا تذكر الكثيرون من خارج مصر، في كافة البلدان العربية، وفي المغرب أيضا، صوت هذا الشاعر وكلماته الانتقادية الحادة، واستحضروا الأغاني السياسية التي التصقت لسنوات بالتظاهرات الطلابية والاحتجاجات الشبابية، والتي أبدعها نجم بمعية رفيقه الراحل الشيخ إمام، وكانا قد شكلا معا ظاهرة فنية حقيقية حضرت في مختلف الانشغالات الشعبية العربية طيلة عقود. عادت أمس إلى ذاكرة الكثيرين كلمات أغاني مثل: جيفارا مات، شيد قصورك، كلب الست، كلمتين يا مصر، يعيش أهل بلدي... وغيرها، وخفقت المشاعر مستحضرة النضالات الطلابية والاجتماعية المختلفة، وأيضا قراءات نجم وبحة إمام، وحدة الكلمات المرتكزة إلى حس اجتماعي شعبي ينتصر للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. استحضار المنجز الشعري والغنائي للراحل أحمد فؤاد نجم يمنحنا اليوم فرصة التأمل في أهمية ارتباط الإبداع بمعيش الناس البسطاء وقضاياهم، وأيضا بلغتهم، ذلك أن نجم لم يكن يتسلق متاهات التجريد لتقديم أشعاره، وإنما كان يصر على لغة المصريين البسطاء، حتى أنه اعتبر من أشهر وأهم شعراء العامية المصرية. أحمد فؤاد نجم حضر باستمرار كشاعر مبدع، وكمواطن له مواقف ضمن مختلف الحراكات الشعبية المصرية، بما في ذلك الحراك الأخير الذي أسقط نظام حسني مبارك، وتغنى الشباب بكثير من أشعاره لأيام في ميدان التحرير وفي مختلف ساحات الاحتجاج بالمدن المصرية، ومثل هو نفسه سندا لاحتجاجات الشباب بالحضور المباشر، وبالتصريحات والمواقف إلى آخر رمق في حياته، حتى أن هؤلاء الشباب هم أبرز من كان حاضرا أمس عند تشييعه بالقاهرة، وحملوا نعشه على الأكتاف تحية لمساره ولصدقه. يحضر أحمد فؤاد نجم، فضلا عن لغته المباشرة الحادة والقاسية تجاه الأنظمة في مصر وخارجها، بصورته الشعبية العفوية مرتديا جلباب المصريين البسطاء، وغارقا إما في الحديث مع الناس أو متأملا حول ذاته وبلده وفيهما، أو مقبلا على الحياة ومنتشيا بانتشاره وسط كادحي مصر وفقرائها وشبابها وعمالها... هي الصورة الدالة على قوة الصدق، ومتانة الارتباط والانصهار بالناس وحمل قضاياهم وهمومهم والتعبير عنها والدفاع عنها... ليست المناسبة لتقييم نقدي للمنجز الشعري والغنائي للراحل أحمد فؤاد نجم، مع رفيقه الراحل الشيخ إمام أو بعد وفاته، وإنما المناسبة تتيح لنا التأمل في المسار والتجربة، أي في إخلاص الفقيد للغة شعبه والكتابة بها، وأيضا في الالتحام بقضايا هذا الشعب وبسطائه والتعبير عنها والانخراط المباشر في النضال الميداني من أجلها. هذا ما أتاح لنجم حب الناس، وإقبالهم العفوي على إبداعاته، واحتضانه بينهم لأنه منهم ومثلهم، ولم يكن غريبا عنهم أو عن همومهم، وحتى عن ملابسهم وكلامهم. الرحمة لشاعر مصر ومغني شعبها... هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته