استحضر المجلس الوطني لحقوق الإنسان وجمعية أصدقاء مراكز الإصلاح وحماية الطفولة وجمعية عدالة مجموعة من التجارب المقارنة بكل من فرنسا وبلجيكا والولاياتالمتحدةالأمريكية للتقعيد لفلسفة العقوبات البديلة عن الإيداع في السجن بالمغرب، وذلك خلال الندوة الدولية التي تم تنظيمها أول أمس الأربعاء بالرباط حول العقوبات البديلة، إذ تم التأكيد أن عددا من الدول الديمقراطية باتت تعمل بشكل متزايد على إدماج هذه العقوبات في نظامها الجنائي بالنظر لما حققه تفعيلها من إسهام إيجابي في التقليص من جهة من حالات العود وعدد النزلاء بالمؤسسات السجنية. وأشاد محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، خلال هذه الندوة التي نظمها المجلس بشراكة بين جمعية أصدقاء مراكز الإصلاح وحماية الطفولة وجمعية عدالة، إقدام الهيئة الوطنية للحوار حول إصلاح منظومة العدالة على إدراج مبدأ العقوبات البديلة ضمن الهدف الفرعي الثالث المتعلق بتجديد السياسة الجنائية في إطار الهدف الاستراتيجي الثالث المتعلق بتقوية الحماية القضائية والحقوق والحريات، مشيرا أن المجلس سواء في صيغته السابقة أو الحالية مافتئ يرافع حاثا السلطات العمومية من أجل إدماج العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية في المنظومة الجنائية الوطنية كضرورة مستعجلة وذلك في أفق تحديث النظام العقابي وأنسنة العقاب. وذكر في هذا الصدد بما تضمنه التقرير الموضوعاتي قبل أشهر حول المؤسسات السجنية والذي أبرز حجم الاكتظاظ الذي تعرفه السجون، حيث تضم حوالي 7000 شخص محكومين بمدد أقل من 6 أشهر بسبب مخالفات وجنح بسيطة، قائلا «إن هذا يبرز أكثر من أي وقت مضى الحاجة الملحة إلى إدماج وتنويع العقوبات البديلة في المنظومة الجنائية الوطنية». ونبه الأمين العام في إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ما حققته التجارب المقارنة على هذا المستوى، وكذا ما تمخضت عنه تجربة النظام الجنائي الوطني، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات البديلة والممارسات الفضلى في المجال، ومصادر ورهانات الوساطة الجنائية وبدائل المتابعة الجنائية وبدائل الإيداع بالسجن المطبقة في الأنظمة القانونية الأروبية القارية وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية. وعلى خلاف ذلك اعتبر ذ.محمد المشيشي العلمي وزير العدل السابق، أنه لا يجب الخلط بين العدالة والقضاء بكل مفاهيمه والبدائل مع مشكل اكتظاظ السجون، مبرزا أن هذا مشكل آخر يقتضي ولو أنه يمكن القول أن إعادة النظر في العدالة الجنائية والعقوبات الجنائية من العوامل التي تساهم وتسهل في تخفيف من اكتظاظ السجون، الذي يبقى مشكلا قائما بذلته. وأكد أن العقوبات البديلة عن السجن موجودة في المجتمع المغربي بل وفي التشريع المغربي بل وطبقت قبل عقود عديدة في العديد من الجهات، مشددا في هذا الصدد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار في هذه المسألة ما يتعلق بخصوصية كل مجتمع، فالمجتمع المغربي متعدد المكونات والثقافات. وقال «إنه لا يمكن أن نستمر في الحلول السهلة بالاستيراد الأعمى ذلك الاستيراد الذي أشار إليه ألبير بيرتران في كتابه الشهير الذي عنونه ب «الدولة المستوردة»، فقد استوردنا كل شيء ولربما سوف نستورد الدولة بكامل مفاهيمها ومؤسساتها»، وهنا، يشير المشيشي، «يمكن أن نستورد كثيرا من الأشياء ولكن لا يمكن استيراد العدالة لأن هذه الأخيرة تعد شيئا خاصا بالرغم من أنه تحكمها مبادئ كونية». واعتبر المشيشي الذي يعد أحد رجالات القانون في المغرب والذي خبر المجال بشكل قريب من خلال مهنته كأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، ووزارة العدل التي كان على رأسها، أن العقوبات البديلة عن الإيداع في السجن بالمغرب تبقى إشكالية ترتبط بعدم التفعيل فحسب، موضحا «أن البدائل كانت موجودة ولازالت لكن المشكل الأكبر لدينا في المغرب ليس في استحداث مؤسسات جديدة أو ابتكار قواعد جديدة بل المشكل يتمثل أساسا في عدم تفعيل ما هو لدينا من ترسانة قانونية وآليات قائمة، حيث أن القضاء الجنائي يضم وسائل عديدة، لكن هذا التشريع ميت لأنه يبقى حبيس الورق، فيما البعض من هذه الآليات والتشريعات غير مفعل بشكل كامل أو مفعل بشكل معوج». واقترح تفعيل ما يتضمنه التشريع وما يتوفر عليه المجتمع المغربي من مؤسسات تقليدية من مثل الأمناء الذين يحاولون حل المشكل قبل أن يتطور ويصل إلى المحتسب والقاضي اللذين بيدهما العقاب، فضلا عن الغرف الصناعية والتجارية والجمعيات المهنية، والتي هي منظمة تنظيما محكما ولها مجالس تتمتع بسلطات تأديبية، مشيرا إلى أنه يمكن توسيع القضاء التأديبي والمهني لتقليص اللجوء إلى القضاء. وكشف مشيشي الذي شارك ضمن هيئة إعداد ميثاق وطني لإصلاح منظومة العدالة، عن حجم النقاش وطوله وعمقه واتساعه الذي عرفته الهيئة حول السياسة الجنائية والتي تمكنت من وضع الأحكام والقواعد التي على الدولة أن تتبعها لوضع سياسة جنائية. من جانبه اعتبر عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بطنجة، عبد الإله أونير أن منظومة القانون الجنائي الوطني لم تواكبها سياسة وطنية لمحاربة الجريمة، معلنا أن الدولة فشلت في عملية محاربة الجريمة، وهذا ما يبرز حجم الاكتظاظ الذي تعرفه السجون، معلنا عن وجهة نظره بخصوص الهيئة الوطنية لإصلاح منظومة العدالة التي قال إنها لم تقدم أية إشارة حول فلسفة العقوبات البديلة عن الإيداع في السجن، علما أن المجتمع المغربي التجأ إلى هذه الآلية منذ سنين بعيدة، حيث كانت تتدخل الجماعة في إطار الوساطة الجنائية لفض نزاع بين طرفين أو إجراء صلح يقبل فيه الطرفان بتنازلات . يشار إلى أن الندوة الدولية التي امتدت فعالياتها طيلة يوم الأربعاء الماضي، شهدت مشاركة خبراء قانونيين من المغرب وفرنسا وبلجيكا والولاياتالمتحدةالأمريكية فضلا عن خبراء وقضاة ومحامين ومهتمين من المغرب، تم خلالها تقديم عروض تمحورت حول الوساطة الجنائية كإطار قضائي، ثم البدائل عن المتابعات الجنائية من قبيل مسطرة الصلح والوساطة والغرامات الإدارية، والأمر بالأداء وتذكير مرتكب المخالفة بمقتضيات القانون والآثار الجنائية المترتبة عن فعله، ثم إعادة التأهيل بدل العقاب المعمول به في الولاياتالمتحدةالأمريكية في حق المنحرفين من القاصرين والبالغين، وهي حلول ترمي إلى إعادة تأهيل المتهمين بدل معاقبتهم مما يمكن من تقليص تعاطي المخدرات ومعدل الجريمة، بل وتحسين الأمن وتقليص تكاليف العدالة الجنائية.