«تجاورات غنائية» في رواق باب الكبير بالرباط يحتضن رواق باب الكبير بالرباط معرضا جماعيا للفنون التشكيلية، تحت شعار «تجاورات غنائية»، بمشاركة كل من عبد السلام الأحرش وبنيونس عميروش ومحمد الشريفي ونور الدين الأحرش ويوسف زهاري. فقد غطت جنبات الرواق ألوان مختلفة تم الاشتغال عليها بتقنيات متعددة، تتوسطها تركيبات فنية. ويقف زائر المعرض على خمس تجارب أو خمس نظرات متقاطعة إلى الحياة والوجود والمعيش اليومي تجسد خمس مقاربات للإنسان وقضاياه، اعتمادا على اتجاهات ومدارس فنية مختلفة. ويقول الناقد الفني ابراهيم الحيسن في كلمة ضمنها دليل المعرض وعنونها ب»معرض الخمسة»، إن الفنان محمد الشريفي، وبتأرجحه بين التشخيص والتجريد، يبدع لوحات صباغية مشحونة بحمولات لونية مفاهيمية، حيث الأزرق النيلي يحيل على الامتداد وبعد النظر والحلم، والألوان الحالكة ترمز إلى انسداد الأفق. وأضاف أن بنيونس عميروش يبدع من جهته لوحات تندرج ضمن التصويرية الجديدة، وفيها يستعين بصور و»بوستيرات» يقوم بإلصاقها إلى جانب أسطوانات نوستالجية كثيرة، كما يلبس قماشاته شظايا ورقية ملونة متنوعة إلى جانب كتابات وتخطيطات تجريدية مبهمة كامتداد لتأملاته العميقة في تشكيل الفكرة،ما يمنح العمل الفني لديه بعدا غرافيكيا متحولا. أما الفنان نور الدين الأحرش فقد اختار -حسب ابراهيم الحيسن- رسم وجوه آدمية ضمن وضعيات جانبية، متناظرة في الغالب، تختزل في نظراتها بعضا من تساؤلاتها، جاعلا منها موضوعا جماليا يتسع لأبحاثه الصباغية القائمة على التنويع في المعالجة والتركيب وهو بهذا الاختيار يشتغل على بنية هذه الوجوه بأشكالها المتعالية يصوغها بأسلوب تلويني مفعم بالعديد من المواد والألوان الاصطلاحية والأشكال الورقية «لإبراز نتوءات وتجاعيد على السند». وعن لوحات ومنشآت عبد السلام الأحرش قال الناقد إن هذا الفنان يسعى ضمن تشكيل حركي تتمحوره شخوص إقلالية مكسوة بالسواد والبياض، إلى التعبير عن الإنسان في حدود صراعه الأنطولوجي مع الطبيعة والذات حيث تبدو شخوصه في شكل منحوتات مصغرة جدا على هيئة جموع مندفعة ومتصارعة، إلى جانب أخرى متراقصة على أنغام إيقاعية. أما بخصوص الفنان يوسف زهاري، فقد اعتبر كاتب مقدمة الدليل، أنه يتلاعب بالمادة وبإبدالاتها البصرية فوق السند وتجريديته هي بالتأكيد غنائية صداحة، يعتمد فيها على أسلوب المسح والترك والاستبقاء بطريقة مليئة بالقوة والحركة أحيانا، وتركه للون خالصا في وحشيته أحيانا أخرى، الأمر الذي يمنح العمل الفني أوجها متعددة من التلقي البصري الذي لا يكتمل سوى باعتماد النظر واللمس، على اعتبار أن المرء لا يستطيع بلوغ جوهر الأشياء إلا بعد توتر وانفعال شديدين. ويقول الفنان عبد السلام الأحرش في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء حول سر اشتغاله على اللونين الأبيض والأسود، إنه مر من مرحلة الاشتغال على الألوان ثم جاءت مرحلة الاشتغال على الخط العربي ثم جاءت مرحلة الاشتغال بورق الجرائد في إبداع المنشآت، «ثم جاءت هذه المرحلة التي أوظف فيها اللونين الأبيض والأسود، فضلا عن الخط العربي الذي أحوله بنية مبيتة إلى خربشات، حتى لا يطغى المعنى على الجمالية لدى المتلقي. ويشتغل الفنان عبد السلام الأحرش على شخصياته بتقنيات تتراوح بين استعمال السلك والقماش والصمغ وصباغة الإكليريك، ويلصق الكل بجمالية لافتة على سند أسود أو أبيض يحوي خربشات الخط العربي، كما أن منشآته تتميز بوجود شخصيات متحركة بيضاء أو سوداء تحمل عصيا يضعها بحساسية متناهية في أوضاع تنم عن قدر كبير من الجمالية. أما محمد الشريفي فقال في تصريح مماثل عن تجربته التي عنونها ب»ضفاف»، إنها تحيل على السفر وعلى المراكب الشراعية، ويمكن اعتبارها تجربة تربط الصوفية بالوجودية، معتبرا أن التصوف فلسفة ترتبط بالروحانيات، ومن ثمة جاء اشتغاله على القلق الوجودي الذي يعتري الإنسان بصفة عامة. واعتبر أن تجربته تنبني على متناقضين اثنين، هما البحر الذي يحيل على الغرق واليابسة التي تحيل على الأمان، وما يتيحه الاشتغال التشكيلي على الرمزين من تعبير عن العبور من الخطر (البحر) إلى الأمان ( اليابسة). وأضاف أنه يحاول من خلال عمله طرح إشكالية بحث كل شخص عن هذا الأمان، فهناك من يجده في الدين وهناك من يجده في الهجرة وهناك من يجده في الماديات، لكن الأعمق لديه في الاشتغال هو الأمان الروحي الداخلي للإنسان في توازنه مع هذا الكون. ويمكن للجمهور اكتشاف خبايا « تجاورات « الفنانين الخمسة وخوض مغامراتهم لتجاوز النماذج الفنية المألوفة، إلى غاية السادس والعشرين من شتنبر الجاري.