اختفاء صحيفة أو توقفها عن الصدور يخلف، من حيث المبدأ، لدى كل المشتغلين في القطاع والمنشغلين به، غصة من حزن. آخر ما حملته لنا الأخبار منذ أيام قليلة هو قرار القائمين على صحيفة «لوسوار» بتوقيف صدورها بسبب ضائقة مالية، وقبلها كانت قد توقفت المجلة الأسبوعية «أكتييل»، ثم الجريدة الورقية «هيسبريس»، حتى نكتفي فقط بهذه العناوين الثلاثة التي أفلت في الفترة الأخيرة. ليس المهم هنا أن نبدي اتفاقنا أو اختلافنا مع الخطوط التحريرية لهذه الصحف، ولكن أن نلتقط من إشارة توقفها مؤشرا يهم القطاع برمته، ويجب أن ينشغل به كل المدافعين عن التعددية وعن حرية الرأي والتعبير في بلادنا. في افتتاحية آخر عدد من «لوسوار» قبل احتجابها، كتب مديرها أن السلسلة المؤطرة لعملية إنتاج صحيفة هي في حاجة إلى تغيير شمولي، وهو بذلك كان يلفت إلى بعد اقتصادي محض في مسلسل صناعة وإنتاج الصحف في بلادنا، ويثير الانتباه إلى مشاكل واختلالات تعاني منها يوميا المقاولات الصحفية، ما يجعل الموضوع يستحق أن يدرج على طاولة الاهتمام الحكومي، بغاية توفير مقومات تأهيل وتطوير الصحافة، من خلال النهوض بمقاولاتها، وجعلها مستقرة ومتينة من الناحية المالية والتدبيرية والجبائية، ثم أيضا بلورة نموذج مغربي مفتوح على التطور بخصوص تمويل ودعم المقاولات الصحفية الجادة. ولكن القضية، مع ذلك، لا تطرح فقط من حيث الأبعاد الاقتصادية والمالية والضريبية، وإنما هي لا تخلو من بعد سياسي كبير، يبدأ في إنشاء الصحف نفسها، وعلاقة ذلك بالسلطة السياسية وباللوبيات الاقتصادية والإدارية، الواضح منها والخفي، ثم يتواصل البعد ذاته جليا من خلال سيف الإشهار والإعلانات وباقي أشكال الدعم الأخرى، ما جعل القطاع في السنوات الأخيرة يعيش كثير حركات «دوباج» يتم شحن بعض العناوين والأشخاص عبرها، ومن ثم إدخال القطاع برمته في منحدرات السطحية والإسفاف والريع. المشكلة تكمن في توالي السقطات والخيبات التي يصفع بها هذا التوجه، ولكن من دون أن يتعظ مخططوه، وفي كل مرة تتم العودة من جديد إلى «الدوباج» لنفخ هذا والزيادة في حجم «سنطيحة» ذاك، والغريب أنه عندما يكون البلد كله في حاجة إلى هؤلاء «المنفوخين» كي يدافعوا عن قضاياه، يختفون أو يصمتون، لأنهم بلا مصداقية وبلا أصوات أو أفكار أصلا. إن ورش النهوض بقطاع الصحافة في بلادنا، وبالرغم من حرية التنافس بداخله، يعتبر من الأوراش المهيكلة وذات الأهمية السياسية والإستراتيجية الواضحة، ويجب الانكباب على الإصلاحات المطلوبة فيه باستعجال وجدية، وهي للإشارة، لا تتعلق فقط بالقوانين والتشريعات، على أهمية ذلك. المغرب اليوم في حاجة إلى صحف لها المصداقية والرصانة والخلفية الوطنية من أجل المواكبة والفعل في مختلف الديناميات، وأيضا للتفاعل والتأثير، باسم الوطن، في كل ما يجري من حولنا وقريبا منا، وإن تحقيق هذا الرهان لن يكون بالاستمرار في «الدوباج»، ولن يكون بالتحكم المبتذل، ولن يكون بقتل المصداقية السياسية، والاحتفاء، بدلها، بالتفاهة واللامعنى، لأن كل هذا ليس سوى لعبة خطيرة بلا أي فائدة لا للبلد ولا لشعبه ومؤسساته وصورته ونموذجه المتميز. ومع ذلك، إن اختفاء صحيفة يخلف لدينا غصة حزن. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته