السينمائي عبد الكريم الدرقاوي المخرج عليه أن يتحرك مثل الجن عند إلقاء نظرة على فيلموغرافية السينما المغربية، لا بد أن يلفت انتباهنا أن إدارة التصوير لنسبة كبيرة من هذه الأفلام، وراءها شخص بعينه، هو عبد الكريم الدرقاوي؛ مما يؤكد على الثقة التي يضعها فيه المخرجون السينمائيون على اختلاف مشاربهم وأجيالهم. في هذه الجلسة الفنية مع كريمو –كما يحلو لأصدقائه أن ينادونه- يروي لبيان اليوم، العديد من الوقائع، ويستحضر العديد من الوجوه والفضاءات: مسقط رأسه بوجدة، التكوين السينمائي ببولونيا، العمل التكاملي مع شقيقه مصطفى، حيث يتضافر الإخراج مع إدارة التصوير لإنجاز العمل الناجح، صداقة الكتاب، الدارالبيضاء التي يعشقها والتي أبى إلا أن يجعل منها المكان الرئيسي لأحدث الأفلام التي تولى إخراجها: وليدات كازا.. لعبد الكريم الدرقاوي مشاريع سينمائية وتلفزيونية عديدة، وقد دفع بعضها إلى المسؤولين عن الإنتاج، وفي انتظار أن تسمح له الظروف من أجل إخراجها إلى حيز الوجود، يقرأ ويتأمل ويقاوم اليأس. - 6 - ما هي الأفلام التي توليت إخراجها؟ أخرجت فيلم رماد الزريبة بصحبة مصطفى الدرقاوي ومحمد الركاب وعبد القادر لقطع وسعد الشرايبي ونور الدين جنجار، وكما يتضح فقد كان إخراج هذا الشريط السينمائي جماعيا، والفيلم الثاني الذي أخرجته هو الناعورة بصحبة المرحوم إدريس الكتاني، وبعد ذلك أخرجت فيلم زنقة القاهرة بمفردي، عن قصة وسيناريو للمرحوم العربي باطما، وحوار عبد الرحمن الخياط، ثم فيلم وليدات كازا، وهو آخر فيلم أخرجه بمفردي حتى الآن. كيف عشت تجربة الإخراج، بعد ممارسة طويلة لإدارة التصوير؟ أعتقد أن الفرق القائم بين الإخراج والتصوير، يكمن في المسؤوليات. فمدير التصوير يكون مسؤولا عن الصورة والإنارة والتواصل مع التقني الكهربائي، ومع المسؤول عن الآلة، فإذن مسؤوليته محدودة، في حين أن المخرج هو كل شيء، عيله أن يفكر مليا في السيناريو، والحوار، وعليه أن يراقب الصوت، وعليه كذلك أن يختار التقنيين الجيدين، من بينهم مدير التصوير، كما أنه مسؤول عن الممثلين، فالفيلم يمكن أن ينجح لكون ممثلين جيدين يشاركون فيه، مثلما أنه يمكن أن يفشل لكون الكاستينغ أو اختيار الممثلين غير ملائم للقصة، وعلى المخرج كذلك أن يسهر على المونطاج، الذي يعتبر بمثابة الكتابة الثالثة، فهو مرحلة مهمة جدا، وعلى المخرج كذلك أن يبحث عن الفلوس (يضحك)، وهي مهمة صعبة، لا بد من منتج، إن المخرج لا يعد فقط رئيس جوق، إنه أكثر من رئيس جوق، فهذا الأخير يقف في مكان واحد وينظم الإيقاع، في حين أن المخرج عليه أن يتحرك مثل الجن، بصرف النظر عن الموهبة. لأنه إذا كان موهوبا، سيصنع فيلما جيدا، أما إذا كان عديم الموهبة، فإن عمله سيكون متواضعا. ما هي خصوصيات الأفلام التي قمت بإخراجها والقاسم المشترك بينها؟ هناك مسألة لا بد لي أن أشير إليها في هذا السياق، وهي معروفة ومتفق حولها بين المهنيين والممارسين في هذا الميدان، مفادها أنه منذ هوميروس صاحب الإلياذة، لا يمكن الحديث عن موضوع جديد تم تناوله، ما هو الجديد إذن؟ إنها الطريقة التي نوصل بواسطتها الموضوع إلى المتفرج، وهي كذلك الحساسية التي يتم من خلالها إيصال الفكرة، فخصوصيات الأفلام التي قمت بإخراجها، هي أنني تناولت القصة التي وقع اختياري عليها، وليس أي قصة أخرى، أتلقى العديد من السيناريوهات، ولكنني قد لا أتجاوب مع أي منها، أختار فقط ما يتوافق مع حساسيتي، ومع فكري وقدراتي الذاتية، وأتعامل معه ليس وفق طريقة أورسن ويلز، وليس وفق أسلوب عبد القادر لقطع، ولا مومن السميحي، ولكن بطريقتي الخاصة، وحساسيتي الخاصة. حصل خلاف بيني وبين كاتب سيناريو شريطي الأخير وليدات كازا نور الدين وحيد، وأعتقد أنه كان على خطأ، اعتبارا لأنه كان يحسب أن السيناريو هو بمثابة إنجيل حتى لا أقول القرآن، حيث لا يجوز أن ندخل عليه أي تعديلات، فكودار وأورسن ويلز ومصطفى الدرقاوي ويوسف شاهين وغيرهم، عادة ما نجدهم يصورون في الوقت ذاته الذي يتم فيه تعديل السيناريو، كاتب سيناريو وليدات كازا، لم يفهم هذه المسألة، وبلغ به الأمر إلى متابعتي قضائيا، ولكنه في نهاية الأمر فشل في الدعوى، وحسب اعتقادي أنه ليس المهم أن يخسر أحد الدعوى أو يربحها، بل الأدهى هو الخسران بسبب طريقة التفكير الخاطئة، هذا هو الأمر الخطير..