مهنية عالية وتشويق لا متناه وجوه وشخصيات نسائية وحكايات من عمق الواقع المغربي وفضاءات وأمكنة لم يتم تغيير ملامحها بل يبدو وكأن هناك إصرارا للحفاظ على طابعها الأصيل ورونقها الطبيعي، تلك هي الصورة التي ينقلها المسلسل الدرامي «بنات للامنانة» في طبعته الثانية والذي يشد المشاهدين والمشاهدات المغاربة خلال شهر رمضان والذي تجسد أدواره بمهنية عالية الممثلات السعدية أزكون وسامية أقريو ونورا الصقلي والسعدية لديب وهند السعديدي، ومريم الزعيمي والفنان ادريس الروخ، والفنان اللامع أحمد الناجي، وعبد الله ديدان... مسلسل «بنات للامنانة» في موسمه الثاني اختار مبدعوه الخروج من عالم فتيات شابات حالمات يتخبطن في مشاكل لا تبرح محيطهن العائلي حيث العلاقة تحكمها سلطة الأم الحازمة إلى عالم يواجهن فيه تعقيدات الحياة اليومية بتفاصيلها، وتحديات ضمان العيش وظواهر مجتمعية خطيرة بات حضورها يتوسع مع تزايد نشاط مافيا الاتجار في المخدرات، ومافيا العقار والتهريب والفساد الإداري والرشوة حيث يتم استغلال الدين وحاجة الناس وفقرهم وجهلهم بدواليب الإدارة، كما يتم استغلال الصورة النمطية التي تروج حول النساء لتحقيق غايات بهدف الحصول على المال، أو الموقع أو المكانة الاجتماعية. بهذه التيمة تمكنت سلسلة «بنات للامنانة» للموسم الرمضاني الثاني من حيازة إعجاب وانبهار جمهور المشاهدين المغاربة بها وبشخوصها من النساء اللواتي يرفرفن كالفراشات في السلسلة بالرغم من طابع الأزمة والحزن الذي يسم أدوارهن في هذا الجزء، والذي حاولن كسره من خلال الألوان الزاهية المستعملة في تصميمات الملابس التي ترتديها. المهنية العالية والاحترافية والتشويق المتناهي التي طبعت إنتاج السلسة منذ الجزء الأول والذي كان قد شارك فيه نخبة من الفنانين، نورا الصقلي، وسامية أقريو، السعدية لديب، ورشيدة الحراق، ونعيمة لمشرقي وهند السعديدي، والسعدية أزكون، وإدريس الروخ، وياسين أحجام، تجعلك تحس وكأنك لست أمام عمل فني إبداعي، بل وكأنك أمام مشاهد منقولة عبر كاميرا الواقع من إحدى المدن التاريخية الصغرى بشمال المملكة، تحاول بطلات «بنات للامنانة»أن تنقل لمشاهدي القناة الثانية تلك العوالم التي تنبع من الواقع اليومي لكثير من النساء اللواتي قذفت بهن الأقدار في معترك الحياة غير متسلحات لا بتعليم أو حرفة، حيث انتقلت الأخوات الأربع وبشكل باهر في هذا الجزء الثاني من فتيات حالمات يملأ شغف الحب قلبهن بل ويحيط بكينونتهن، إلى كائنات يقاتلن من أجل فرض ذواتهن كنساء بل وأحيانا من أجل البقاء، بعد أن تم الاستحواذ على المنزل الذي كان يأويهن رفقة والدتهن والأراضي التي كانت عائداتها توفر مصدرا لمستلزمات العيش، يرتمين في أحضان المجهول هربا من الضياع والتشرد... المسلسل بالرغم من ارتباط عنوانه باسم نسائي، إلا أنه لا يحاول أن يقدم نظرة أنثوية للمشاكل التي قد تعترض النساء، بل يقدم ملامح مما يعتمل داخل المجتمع من قضايا وطموحات قد تحملها النساء كما قد يحملها الرجال، كما يقدم لمحة عن نموذج لنجاح إبداعي نسائي يبرهن على أنه إذا تم الانتصار على تلك النظرة التي تضع فاصلا بين الجنسين من المبدعين، وإذا اجتمعت الثقة وروح التعاون وتوفرت الإمكانيات يمكن أن يقدم الفنان المغربي الأفضل. وحسب عدد من المتتبعين فإن سلسلة «بنات للامنانة»، تمكنت من إحراز نجاحها للموسم الثاني على ثلاث واجهات، الأولى ترتبط بطبيعة العمل الذي أغلب بطلاته هن نساء إذ استمد فكرته من نص «بيت برنادا ألبا» للشاعر الإسباني فرديريكو غارسيا لوركا، وبمنهجية الكتابة التي تم اعتمادها لتنقل وبعناية تفاصيل حياة عائلة تتألف من نساء فقط، والتي تعد الدينامو المحرك لهذا العمل، حيث تم الارتكاز على العمل الجماعي عبر ورشة عمل نسائية لكتابة فصول الأحدا ث الطارئة داخل البيوت وخلف الأسوار ضمت كلا من الممثلة نورا الصقلي وسامية أقريو ونرجس المودن ورفيقة بنمومن، وبشرى ملاك، فجاءت حبكة القصة شيقة ومشوقة وبأسلوب يترجم بشكل دقيق نمط عيش الأسر بمدن الشمال وينقل أسرار النساء والفتيات. فيما الواجهة الثانية ترتبط بذلك الاستعمال المتكامل لمختلف الإمكانيات التي تم توفيرها أو وفرها الطاقم نفسه، سواء من الناحية الإبداعية كعمل فني تلفزي، من ناحية التمثيل والإخراج والتصوير أو أعمال الديكور والأزياء، حيث تمكن المخرج من جعل تلك الوجوه الفنية تبصم العمل بأدائها متناهي الجودة في تقديم الشخصيات والأدوار، ومن إعطاء القيمة لمختلف جوانب العمل سواء تعلق الأمر بالمكان أو الساكنة أو الديكور التقليدي أو الأزياء المغربية من قفطان وجلباب مغربي. أما الواجهة الثالثة للنجاح الباهر الذي مازالت تحققه حلقات السلسة فيتمثل في توفقه في إظهار الوجه السياحي لمنطقة ومدن تحتضنها مقدمة جبال الريف من الجهة الغربية بطبيعتها الخلابة، إذ نجح الطاقم الفني الذي تنتمي أغلب عناصره لمدن الشمال، وبالأخص لمدينة شفشاون، حيث تدور أحداث المسلسل من نقل المشاهد عبر الأزقة والدروب الضيقة والأسوار الشامخة للمدينة بل ولوج البيوت العتيقة بالمدينة والتي تتميز بنمطها المعماري الأندلسي، وإظهار ذاك النمط البسيط للعيش الذي يميز ساكنة المنطقة التي تم إشراكها في أحداث المسلسل ونقل حديثه التلقائي باللهجة المحلية. هذا النجاح، بالرغم من أن صفوه باتت تعكره الدعوى القضائية الاستعجالية التي رفعتها هيئة العدول ضد القائمين على المسلسل اتجاه ما اعتبرته «إهانة» و»إساءة» لصورة العدول في المجتمع المغربي تضمنتها أحداث المسلسل، فإن نسبة متابعة حلقاته لحد الآن لازالت تعرف اتساعا كبيرا وشبكة أصدقاء لالة منانة تتسع يوما بعد يوم.. وحلقة بعد أخرى..