الرسام التشكيلي عبد الحي الملاخ كنت دائما قريبا من اليسار متحمسا لأفكاره برزت موهبة الفنان عبد الحي الملاخ في فن الرسم، منذ سن مبكرة؛ فقد نال جوائز عدة خلال سنوات دراسته الابتدائية، وهو ما حفزه على توثيق علاقته بهذا الفن، إلى حد أنه تخلى عن العمل الوظيفي القار، ورافق عالم اللوحة في دروبها الملتوية المسكونة بالمدهش واللامتوقع. في هذه المذكرات التي خص بها الملاخ بيان اليوم، يستحضر مسقط رأسه بمراكش، وغربته بفرنسا، ومرسمه الذي تعرض لحريق مدبر –على حد قوله- ومعارضه التشكيلية الفردية والجماعية على حد سواء، ودهشة الرسم الأول، وأيام الدراسة حيث لحكاية الرسم حضورها وسطوتها، وتجربة الاشتغال على الرموز الدينية والروحانية، وظروف تأسيس النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين وإسناد مسؤولية رئاستها إليه، إلى غير ذلك من الذكريات. لقد كان للحرق الذي تعرض لها مرسمه أثر بالغ على تجربته التشكيلية، حيث أنه انعطف إلى أسلوب آخر في التعبير، يتأسس على رموز الكف والعين والجداول.. محققا بصمة خاصة وموقعا متميزا بين التشكيليين المغاربة، وقد لجأ إلى هذا الأسلوب في التعبير، لدفع الشر عن لوحاته بعد حادث الحريق الذي لا يزال ساكنا روحه ومخيلته، يطارده إلى اليوم.. - 3 - حصلت على استقلالية عن والدي حيث أنه جهز لي مرسما بالبيت، على اعتبار أننا كنا نقطن في بيت كبير، وأصبحت لي غرفة مستقلة، خاصة بي وحدي، لا يزورها إخوتي، بها مكتبتي وآلتي الموسيقية وطاولتي وكل الأدوات التقنية التي أشتغل عليها، وكذلك أقوم باستقبال أصدقائي الفنانين في كل وقت إن شئت بطبيعة الحال، بدون أي إزعاج لعائلتي، لأن أبي كان يشجعني على الرسم ويهيئ لي الظروف من أجل العمل، بيد أن الظروف المادية كنت أوفرها بنفسي لأنني كنت أشتغل آنذاك على أحجام صغيرة وأعرضها للبيع بحوالي عشرين درهما أو ثلاثين درهما، مما يوفر لي الإمكانيات التي تسمح لي بشراء الأصباغ المائية والأوراق التي أشتغل عليها، كما أنني في المدرسة كانت مادة الرسم التي تعد صعبة بالنسبة لزملائي التلاميذ، الذين ليس لهم أي تكوين أو أي موهبة، وكنت دائما محط طلب بالنسبة إليهم من أجل القيام بواجباتهم المدرسية في مادة الرسم، مقابل علب لونية، يأتيني زميلي بعلب لونية، وأنا أقوم بإنجاز الموضوع، وأحتفظ بالعلب، وأعطيه في المقابل المادة المرسومة، كان هذا في أواسط الستينيات. لم أدرس التشكيل على المستوى الأكاديمي، بل اجتزت باكالوريا أدبي، والتحقت بجامعة فانسن بفرنسا، وتخصصت في الفلسفة، لمدة سنتين، وبعد ذلك عدت إلى الرباط، وأقمت فيها لمدة سنة واحدة، وانتقلت بعدها إلى الدارالبيضاء ومكثت بها منذ سنة 1972 إلى يومنا هذا. أريد أن أرجع إلى الوراء شيئا ما، لأن هذه المراحل في تكويني كلها مهمة، وهي أنه في صيف سنة 1965 قمنا في إطار جمعية الرسامين التشكيليين الشباب بمراكش، بتنظيم معرض فني بمدينة الجديدة، وكان هذا المعرض الجماعي بقاعة الحفلات، التي هي قاعة الرياضات الآن، كنا سبعة فنانين فقط، من شارك في هذا المعرض، غير أنهم سلكوا في ما بعد مسارات أخرى، وانصرفوا عن فن الرسم، منهم من مات ومنهم من لا يزال على قيد الحياة، وكنت أنا الوحيد بينهم الذي لازم مهنة الرسم، وكان من بين من اشترى من عندي لوحة في إطار هذا المعرض الجماعي، شخصية بارزة، أعتقد أنه كان وزيرا آنذاك، وهو الدكتور عبد الكريم الخطيب، ودفع لي مقابل هذه اللوحة ثلاثة مائة درهم، أعتبر هذا الحدث بمثابة بداية لتشجيعي على العمل التشكيلي والمواظبة عليه والسير بموهبتي إلى الأمام، وكذلك اعتبار الفن له قيمة مادية، له مقابل محترم. إقامتي بفرنسا كانت أواخر الستينيات، ونحن نعلم ماذا كانت تمثله هذه الفترة من تاريخ فرنسا، حيث ثورة الشباب، وكنت أنا كذلك متحمسا، وكنت دائما قريبا من اليسار، متحمسا لأفكاره، أشتغل في هذا الإطار، على مستوى أسلوبي الفني وطريقة تعبيري، تشبعت بهذه الأفكار، وقلت في نفسي إنني لا بد أن ألتزم في فني وأسير به إلى مستوى عال وأن أتفرغ له.