السفياني نائبا ثانيا لرئيس مجموعة الجماعات الترابية طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع    الجزائر.. محامي صنصال يعلن مثوله أمام وكيل الجمهورية اليوم الإثنين    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز 'بوينغ 787-9 دريملاينر'    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر        العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    جماعة أكادير تكرم موظفيها المحالين على التقاعد    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة        لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    الأمن الإقليمي بسلا… توقيف شخصين للاشتباه في تورطهما في حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    ياسمين بيضي.. باحثة مغربية على طريق التميز في العلوم الطبية الحيوية    إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    نقابة: مشروع قانون الإضراب تضييق خطير على الحريات وتقييد للحقوق النقابية    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    جمعية تنتقد استمرار هدر الزمن التشريعي والسياسي اتجاه مختلف قضايا المرأة بالمغرب        استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    المحكمة تقرر تأخير محاكمة حامي الدين في قضية آيت الجيد وتأمر باستدعاء الشاهد خمار الحديوي (صور)    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    "الكونفدرالية" تتهم الحكومة ب"التملص" من التزاماتها بعد تأخر جولة شتنبر للحوار الاجتماعي    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    مخاض ‬في ‬قطاع ‬الصحة..‬    الاشتراكي الموحد يرحب بقرار اعتقال نتنياهو ويصفه ب"المنصف لدماء الشهداء"    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..        الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمّد بنيسف.. رسم النقود المغربية فكرّمته إسبانيا
نشر في هسبريس يوم 20 - 04 - 2013

هو ‬فنان ‬رحالة، ‬عودنا ‬على ‬حماماته ‬التي ‬تحط ‬هنا ‬وهناك، ‬حتى ‬أنها ‬أصبحت ‬تعيش ‬معنا ‬كل ‬يوم، ‬نخبؤها ‬في ‬أكثر ‬الأماكن ‬سرية، ‬ونفرح ‬بها ‬محلقة ‬جانحة ‬على ‬الأوراق ‬النقدية ‬المغربية ‬التي ‬صممها.‬
فنان ‬من ‬العيار ‬الثقيل، ‬يشهد ‬لنفسه ‬بالعبقرية، ‬ويطالب ‬العالم ‬بأن ‬يحتفي ‬به ‬قبل ‬مماته.. ‬في ‬لوحته ‬سحر ‬يستحوذ ‬عليك، ‬وقوة ‬تنفذ ‬إلى ‬أعماقك ‬بعذوبة ‬مغلفة ‬بالأسى، ‬ذلك ‬أنه ‬رسم ‬الإنسان ‬في ‬كثير ‬من ‬لحظات ‬ضعفه ‬وصراعاته ‬ضد ‬الفقر ‬والاضطهاد ‬والجهل ‬والجوع..‬ معاناة ‬ترجمها ‬على ‬الوجوه ‬الحزينة ‬التي ‬صادفته ‬في ‬الممشى ‬الرحب ‬في ‬تطوان ‬البيضاء، ‬في ‬هذا ‬الحوار ‬كثير ‬من ‬بوح ‬الرسام ‬الذي ‬ما ‬فتئ ‬يتشبث ‬بنظرته ‬المواربة ‬وبحماماته ‬التي ‬تحلق ‬في ‬سماء ‬إشبيلية، ‬وتحديدا ‬في ‬ساحة ‬‮«‬لاخيرالدا‮»‬، ‬في ‬هذا ‬الحوار ‬أيضا، ‬كثير ‬من ‬الكلام ‬الذي ‬خلف ‬الكلام، ‬للفتى ‬الذي ‬يحتفظ ‬بالجوائز ‬الثلاث، ‬والتي ‬عُدَّت ‬سابقة ‬في ‬تاريخ ‬جامعة ‬إشبيلية ‬للفنون ‬التشكيلية ‬الجائزة ‬الأولى ‬للصباغة ‬الزيتية‪،‬ ‬الجائزة ‬الأولى ‬للرسم ‬القديم، ‬الجائزة ‬الأولى ‬للمناظر ‬الطبيعية. ‬
بحضور ‬صديقه ‬الروائي ‬المبدع ‬بهاء ‬الدين ‬الطود، ‬صاحب ‬‮ «البعيدون‮»‬ ‬و «أبو ‬حيان ‬في ‬طنجة‮»‬، ‬والذي ‬كان ‬شاهدا ‬على ‬النبش ‬في ‬عوالم ‬بنيسف، ‬سأستهل ‬الحديث ‬بالسؤال ‬التالي: ‬
البدايات ‬هي ‬منبع ‬الخصب، ‬كيف ‬كانت ‬بدايات ‬الفنان ‬الكبير ‬أحمد ‬بنيسف؟
لا ‬أذكر ‬شيئا ‬آخر ‬عن ‬علاقتي ‬الأولى ‬بالحياة ‬سوى ‬أني ‬كنت ‬منذ ‬البدء ‬رساما، ‬لم ‬أع ‬بوجودي ‬إلا ‬وأنا ‬رسام، ‬الفقيه ‬‮«‬السي ‬الحسن‮»‬ ‬في ‬‮«‬المسيد‮»‬ ‬الذي ‬كنت ‬أحفظ ‬على ‬يديه ‬القرآن، ‬كان ‬كثيرا ‬ما ‬يضربني ‬على ‬أصابعي، ‬لأني ‬بدل ‬أن ‬أكتب ‬القرآن، ‬كنت ‬أرسم ‬على ‬اللوح، ‬أما ‬في ‬مرحلة ‬الابتدائي ‬والثانوي، ‬فقد ‬كنت ‬قد ‬رسمت ‬جميع ‬المعلمين ‬والأساتذة ‬الذين ‬تتلمذت ‬على ‬أيديهم، ‬وقد ‬تسبب ‬لي ‬ذلك ‬في ‬العديد ‬من ‬الخصومات ‬والمشاكل ‬مع ‬والدي ‬ومع ‬المعلمين، ‬الذين ‬كانوا ‬باستمرار ‬يعاتبوني ‬على ‬عدم ‬الاهتمام ‬بالدراسة ‬وصرف ‬جل ‬أوقاتي ‬في ‬رسم ‬الوجوه ‬والسحنات... ‬إلا ‬أنني ‬كنت ‬أجتهد ‬في ‬الابتدائي ‬والثانوي ‬كي ‬يتحقق ‬لي ‬ولوج ‬مدرسة ‬الفنون ‬الجميلة، ‬وهو ‬حلم ‬راودني ‬منذ ‬أن ‬علمت ‬بوجود ‬تلك ‬المدرسة..‬
عشت ‬بعد ‬ذلك ‬مغامرة ‬التحدي، ‬وكنت ‬دائما ‬أومن ‬بأن ‬الحظ ‬لا ‬يحالف ‬الكسالى، ‬فكان ‬علي ‬أن ‬أعمل ‬وأجتهد، ‬وكثيرا ‬ما ‬يُقال ‬لي ‬أنني ‬محظوظ، ‬إلا ‬أنني ‬أقول ‬إني ‬مجتهد ‬ومكافح.. ‬وما ‬زلت ‬لحد ‬الآن ‬في ‬مرحلة ‬البحث ‬والمثابرة ‬من ‬أجل ‬رسم ‬اللوحة ‬التي ‬لم ‬أرسم ‬بعد.‬. وأنا ‬نكاية ‬بكل ‬المتطفلين ‬الذين ‬يستسهلون ‬الفن ‬التشكيلي ‬والإبداع ‬عموما، ‬أقول: ‬ولدت ‬عبقريا، ‬لكني ‬أتمنى ‬أن ‬أموت ‬رساما.‬
منحك ‬الفن ‬التشكيلي ‬شهرة ‬واسعة ‬وحظوة ‬بين ‬الناس، ‬ونجاحات ‬باهرة، ‬فما ‬الذي ‬امتلأتَ ‬به ‬بعد ‬هذا ‬المشوار ‬العريض ‬والغني؟ ‬
أصبحت ‬أنظر ‬إلى ‬الحياة ‬بمنظور ‬مختلف ‬تماما، ‬ربما ‬بسبب ‬ذلك ‬أصبحت ‬أكثر ‬عزلة ‬وأكثر ‬ميلا ‬إلى ‬الانزواء، ‬ففي ‬مرسمي ‬كم ‬من ‬مرة ‬أحسست ‬أني ‬أطير ‬خارج ‬هذا ‬العالم، ‬أشعر ‬في ‬كثير ‬من ‬الأحيان ‬أني ‬أنتمي ‬إلى ‬عالم ‬آخر...‬قد ‬يحدث ‬معي ‬أن ‬أبقى ‬لفترة ‬طويلة ‬غير ‬راض ‬عن ‬اللوحة ‬التي ‬رسمتها، ‬وأنا ‬أعرف ‬جيدا ‬مكمن ‬الخلل ‬فيها ‬وكيف ‬يمكنني ‬أن ‬أقوم ‬بتصحيحه ‬أو ‬معالجته، ‬غير ‬أن ‬يدي ‬لا ‬تسعفني، ‬إلا ‬أنه ‬وبعد ‬مضي ‬أيام ‬وليالي ‬في ‬محاولاتي ‬لضبط ‬الخطأ، ‬يحدث ‬معي ‬هكذا ‬فجأة، ‬أن ‬تسعفني ‬يدي ‬فأصحح ‬ما ‬فا ‬تني ‬في ‬اللوحة، ‬فكيف ‬يمكن ‬تفسير ‬ذلك؟؟
هناك ‬من ‬الناس ‬منْ ،‬حين ‬أحكي ‬لهم ‬ما ‬يحدث ‬معي، ‬يعتبرها ‬فلسفة، ‬ويذهب ‬إلى ‬القول ‬إنها ‬فلسفة ‬آثمة، ‬فمن ‬الصعب ‬شرح ‬أشياء ‬كهذه، ‬غير ‬أني ‬غالبا ‬ما ‬أردد: ‬‮«‬ماكيعْرَفْ ‬الحال ‬غير ‬صاحب ‬الحال‮».
كيف ‬يقرأ ‬بنيسف ‬المشهد ‬التشكيلي ‬المغربي؟
في ‬الحقيقة، ‬يمكنني ‬القول ‬بأننا ‬خطونا ‬خطوات ‬عملاقة ‬في ‬هذا ‬المجال، ‬لكن ‬على ‬المستوى ‬الفردي، ‬وليس ‬على ‬المستوى ‬المؤسساتي، ‬ليس ‬هناك ‬مؤسسات ‬لا ‬خاصة ‬ولا ‬رسمية، ‬نحن ‬لا ‬نملك ‬لحد ‬الآن ‬حتى ‬وزارة ‬الثقافة، ‬نحن ‬لدينا ‬فقط ‬وزارة ‬الشؤون ‬الثقافية، ‬ولهذا ‬ففي ‬رأيي ‬أن ‬الخطوات ‬التي ‬وقعناها ‬في ‬مجال ‬الفن ‬التشكيلي ‬تعتبر ‬معجزة، ‬لذلك ‬فالرسام ‬المغربي ‬اليوم ‬لا ‬يقل ‬أهمية ‬عن ‬أي ‬رسام ‬عالمي ‬آخر.. ‬ولكن ‬لسوء ‬الحظ، ‬نحن ‬لا ‬نتوفر ‬على ‬قاعات ‬وطنية ‬في ‬المدن ‬الكبرى ‬في ‬المستوى ‬المطلوب، ‬لا ‬نتوفر ‬على ‬جائزة ‬وطنية ‬للفنون ‬التشكيلية، ‬لا ‬نتوفر ‬على ‬معرض ‬دولي ‬سنوي ‬يقام ‬خصيصا ‬لرصد ‬الحركة ‬التشكيلية ‬بالمغرب ‬وخارجه، ‬نحن ‬لا ‬نملك ‬متحفا ‬للفن ‬المعاصر، ‬هناك ‬قاعة ‬وطنية ‬يتيمة ‬مستواها ‬رديء ‬هي ‬قاعة ‬باب ‬الرواح، ‬قاعة ‬ممتازة ‬ولكن ‬تشييدها ‬سيء، ‬ليس ‬هناك ‬إعلام ‬حقيقي ‬متخصص ‬في ‬الفن ‬التشكيلي، ‬وبالتالي ‬ليس ‬هناك ‬نقاد ‬حقيقيون..
ومع ‬ذلك، ‬أحب ‬التأكيد ‬على ‬أن ‬ما ‬تراكم ‬لحد ‬الآن ‬في ‬مجال ‬الفن ‬التشكيلي ‬يعتبر ‬ذا ‬قيمة ‬كبيرة ‬، ‬بالنظر ‬إلى ‬الإمكانيات ‬الضعيفة ‬والهزيلة ‬التي ‬تقدم ‬للفنان، ‬وأنا ‬في ‬هذه ‬المرحلة ‬من ‬العمر، ‬لم ‬يعد ‬يمكنني ‬أن ‬أزيف ‬الحقائق ‬أو ‬أخفي ‬الواقع ‬بالغربال..‬
أنتم ‬كمؤسسين ‬وكرواد ‬للفن ‬التشكيلي ‬المعاصر ‬وأقصد ‬هنا ‬جيل ‬مدرسة ‬الفنون ‬الجميلة ‬بتطوان ..
(يقاطعني)
نحن ‬لسنا ‬روادا ‬ولسنا ‬مؤسسين، ‬نحن ‬جيل ‬التضحية، ‬نحن ‬القنطرة ‬التي ‬سيُعبَرُ ‬منها، ‬الدليل ‬القاطع ‬على ‬هذا ‬الكلام ‬هو ‬أننا ‬لا ‬نملك ‬ذاكرة ‬تشكيلية. ‬هناك ‬فنانين ‬مغاربة ‬أنتجوا ‬وأعطوا ‬الكثير ‬ولكن ‬من ‬يذكرهم ‬اليوم، ‬لذلك ‬فأنا ‬لن ‬أستغرب ‬أنه ‬بعد ‬عشر ‬سنوات ‬لن ‬يكون ‬هناك ‬من ‬سيذكر ‬المكي ‬مغارة ‬أو ‬الورديغي ‬أو ‬بنعلام...‬
ماذا ‬يحدث ‬عندنا، ‬الذي ‬يحدث ‬هو ‬أن ‬الناس ‬تقتني ‬اللوحات ‬فتضعها ‬في ‬البيت، ‬وينتهي ‬الأمر، ‬فبدل ‬أن ‬تقتني ‬بعض ‬المؤسسات ‬الرسمية ‬لوحات ‬الفنانين ‬الحقيقيين، ‬حتى ‬تشمل ‬المتعة ‬والتواصل ‬كافة ‬الناس، ‬ثمة ‬أعمال ‬تبقى ‬حبيسة ‬جدران ‬الغرف ‬والصالونات، ‬أنت ‬تلاحظين ‬معي ‬أن ‬جل ‬المكاتب ‬في ‬جل ‬المؤسسات ‬فارغة ‬تماما ‬إلا ‬من ‬صورة ‬الملك ‬أطال ‬الله ‬عمره، ‬ولكن ‬أين ‬لوحات ‬الفنانين ‬الكبار؟
وهنا ‬أذكر ‬أن ‬الحسن ‬الثاني ‬نفسه ‬رحمه ‬الله ‬تساءل ‬يوما: ‬إن ‬كل ‬من ‬يفكر ‬في ‬مشروع، ‬يفتح ‬مقهى، ‬أليس ‬هناك ‬من ‬يفكر ‬في ‬متحف ‬أو ‬قاعات ‬عرض ...‬؟
إن ‬المصلحة ‬الذاتية ‬الصرفة ‬تحكم ‬كل ‬العقليات ‬في ‬بلادنا، ‬لذلك ‬نحن ‬لا ‬نتطور، ‬ليس ‬هناك ‬من ‬يفكر ‬في ‬الفنان، ‬لأن ‬السائد ‬عندنا ‬هو ‬أن ‬الفنان ‬لا ‬بد ‬أن ‬يكون ‬‮«‬مزلوطا‮»‬، ‬وأن ‬يكون ‬دائما ‬مبعث ‬شفقة، ‬حتى ‬عندما ‬يراه ‬أحدهم ‬يقول: ‬إنه ‬فنان ‬كبير ‬ولكني ‬أعطيته ‬بالأمس ‬خمسين ‬درهما ‬لكي ‬‮«‬يتعشى‮»‬.. ‬وهذا ‬حاصل ‬عندنا ‬في ‬المغرب ‬وأنا ‬أعرف ‬هذا ‬جيدا... ‬وفي ‬النهاية ‬لا ‬يمكنني ‬القول ‬إلا ‬أن ‬ذلك ‬بكل ‬تأكيد ‬يعتبر ‬علامة ‬تخلف ‬ليس ‬إلا..‬
ولكني ‬أعتقد ‬أن ‬هناك ‬رغم ‬ذلك ‬اعتراف ‬بك ‬داخل ‬المغرب ‬؟
اعتراف ‬بي ‬لأنني ‬نجحت ‬في ‬الخارج، ‬وهنا ‬أنا ‬لا ‬أريد ‬أن ‬أنافق ‬أحدا، ‬ولو ‬كنت ‬بقيت ‬في ‬المغرب، ‬لما ‬تحقق ‬لي ‬هذا ‬الحضور، ‬فحضوري ‬والاعتراف ‬بي ‬جاء ‬من ‬الغرب ‬وليس ‬من ‬المغرب.‬
لذلك ‬أردد ‬دائما ‬في ‬مناسبات ‬كثيرة ‬وأقول ‬أنا ‬لست ‬في ‬حاجة ‬إلى ‬اعتراف ‬بعد ‬مماتي، ‬لا ‬أريد ‬تكريما ‬بعد ‬موتي، ‬وعلى ‬من ‬يفكر ‬في ‬تكريمي ‬أو ‬الاحتفاء ‬بي ‬غدا ‬بعد ‬أن ‬أرحل ‬عن ‬هذا ‬العالم، ‬فعليه ‬أن ‬يكرمني ‬اليوم، ‬ومن ‬يريد ‬الاحتفاء ‬بي ‬فليحتفي ‬بي ‬اليوم... ‬أما ‬بعد ‬موتي ‬فما ‬الفائدة؟ ‬
علمت ‬من ‬مصدر ‬مقرب ‬أنك ‬في ‬مرحلة ‬التهييء ‬لتشييد ‬مؤسسة ‬بنيسف ‬للفن ‬التشكيلي، ‬ماذا ‬عن ‬هذا ‬المشروع ‬الهام؟ ‬
هناك ‬عروض ‬من ‬إشبيلية ‬ليقدموا ‬لي ‬كل ‬ما ‬أنا ‬في ‬حاجة ‬إليه ‬لتشييد ‬هذه ‬المؤسسة، ‬ولكني ‬كنت ‬وما ‬أزال ‬مصرا ‬على ‬أن ‬تكون ‬المؤسسة ‬التي ‬أريدها ‬أن ‬تحمل ‬اسمي ‬واسم ‬زوجتي ‬أي ‬‮«‬بنيسف ‬فيلاسكيس‮»‬ ‬يكون ‬مقرها ‬في ‬تطوان ‬وتحديدا ‬في ‬المدينة ‬العتيقة، ‬وقد ‬اشتريت ‬بيتا ‬ذا ‬واجهتين، ‬وقررت ‬إصلاحه ‬وتهيئته ‬ليصبح ‬قابلا ‬لاستيعاب ‬متحف ‬دائم ‬لأعمالي ‬على ‬اختلاف ‬أساليبها ‬ومراحلها ‬في ‬الطابق ‬الأول، ‬ثم ‬معرضا ‬دائما ‬لكبار ‬الرسامين ‬المغاربة ‬الذين ‬اقتنيت ‬أعمالهم، ‬والذين ‬لهم ‬علاقة ‬بتاريخ ‬المدينة ‬في ‬الطابق ‬الثاني، ‬كما ‬قررت ‬أن ‬أخصص ‬الطابق ‬الأعلى ‬لمقصف ‬أو ‬مقهى ‬يطل ‬على ‬المدينة ‬العتيقة ‬ويضم ‬كذلك ‬مكتبة ‬وقاعة ‬للمحاضرات ‬واللقاءات ‬الثقافية، ‬ليكون ‬مكان ‬تأمل ‬لكل ‬زائر ‬لهذه ‬المؤسسة، ‬غير ‬أن ‬المشكل ‬هو ‬أن ‬أحد ‬المنعشين ‬العقاريين ‬بدون ‬وجه ‬حق ‬وبدون ‬رخصة ‬أيضا، ‬بنى ‬عمارة ‬مقابلة ‬لمبنى ‬المؤسسة، ‬وحجبتْ ‬بذلك ‬المشهد ‬الذي ‬يطل ‬على ‬المدينة ‬العتيقة، ‬الشيء ‬الذي ‬أغاظني ‬كثيرا ‬وقدمت ‬شكاية ‬في ‬الموضوع، ‬ومازلت ‬لم ‬أتلق ‬ردا..‬
ففي ‬الوقت ‬الذي ‬أفكر ‬فيه ‬بالقيام ‬بشيء ‬لأجل ‬مدينتي ‬ووطني، ‬أصدم ‬بهذا ‬السلوك.. ‬المثل ‬المغربي ‬يقول: ‬ «‬شْكُونْ ‬شافو ‬لكْ ‬ألمَكَحْلة ‬الظلام‮»‬ ‬أو ‬مثل ‬المثل ‬المغربي ‬الآخر ‬الذي ‬يقول : ‬‮«‬بحال ‬اللي ‬كتكب ‬ما ‬وَرْدْ ‬في ‬العطارين‮».‬
مؤسسة ‬بنيسف ‬للفن ‬التشكيلي، ‬من ‬مشاريعي ‬الحياتية، ‬ولحسن ‬حظي ‬اليوم ‬أنني ‬مرتاح ‬ماديا ‬فلست ‬في ‬حاجة ‬إلى ‬أن ‬أبيع ‬إحدى ‬لوحاتي ‬كي ‬أتدبر ‬قوت ‬يومي، ‬لذلك ‬فكرت ‬في ‬مشروع ‬إيجابي ‬لبلدي، ‬غير ‬أني ‬لو ‬استمرت ‬هذه ‬العراقيل ‬فسأكون ‬مضطرا ‬لإنشاء ‬المؤسسة ‬هنا ‬في ‬إشبيلية ‬بما ‬أن ‬كل ‬الظروف ‬متوفرة، ‬ولكني ‬رغم ‬ذلك ‬سأشعر ‬بأسف ‬شديد، ‬كوني ‬لن ‬أحقق ‬حلما ‬راودني ‬منذ ‬زمن ‬في ‬بلدي.‬
أنت ‬فنان ‬كبير ‬معني ‬بالإبداع ‬والخلق، ‬ولكنك ‬بكل ‬تأكيد ‬إنسان ‬عربي ‬معني ‬كذلك ‬بالوضع ‬الراهن، ‬كيف ‬يتفاعل ‬بنيسف ‬مع ‬ما ‬يحدث ‬من ‬حراك ‬عربي؟
الرسام ‬في ‬رأيي ‬يصبح ‬مؤرخا ‬للمرحلة ‬التي ‬يعيش ‬فيها، ‬موثقا ‬لحياته ‬التي ‬يعيشها، ‬والدليل ‬على ‬ذلك، ‬أنك ‬في ‬كل ‬المتاحف ‬العالمية ‬ومن ‬حسن ‬الحظ ‬أن ‬العالم ‬العربي ‬لا ‬يتوفر ‬على ‬متاحف ‬حقيقية ‬ ‬تجد ‬أن ‬تاريخ ‬الإنسانية ‬كله ‬موجود ‬فيها ‬ومرسوم ‬على ‬جدرانها، ‬وهذا ‬العبد ‬الضعيف ‬ركز ‬كثيرا ‬على ‬هذا ‬الموضوع ‬، ‬فكثير ‬من ‬أعمالي ‬شاهدة ‬على ‬ذلك، ‬فقد ‬رسمت ‬المسيرة ‬الخضراء، ‬ورسمت ‬أول ‬لقاء ‬بين ‬الفلسطينيين ‬والإسرائيليين ‬في ‬مدريد، ‬رسمت ‬الربيع ‬العربي ‬وهذه ‬اللوحة ‬اقتنتها ‬مؤسسة ‬‮«‬مشيش ‬العلمي‮»‬ ‬بالقنيطرة، ‬رسمت ‬انقلاب ‬الصخيرات ‬سنة ‬1971... ‬لقد ‬اشتغلت ‬على ‬هذا ‬الموضوع ‬جماليا ‬وفنيا، ‬كما ‬أعتبر ‬أيضا ‬أني ‬وثقت ‬له ‬وأرخته ‬عبر ‬اللوحة، ‬فبطبيعة ‬الحال ‬أنا ‬لا ‬أرسم ‬كي ‬أرسم.
* من العدد 11لمجلّة هسبريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.