مهرجان كناوة وموسيقى العالم يسدل ستار فعاليات دورته السادسة عشر اختتمت يوم أمس الأحد الدورة السادسة عشر لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة، دورة غنية عن حق بما لذ وطاب من الفقرات الفنية الشيقة، لمعت في سماءها نجوم قدمت من افريقيا والعالم ناهيك عن الفنانين المغاربة والفرق التراثية مثل كناوة، عيساوة، حمادشة هذا الخليط غير المتجانس، وحده مهرجان الصويرة يمتلك قدرة التوفيق بين اختلافاته وتقديمها على أطباق مغرية شكلا ومضمونا، يسهر على تحضيرها وتأطيرها جنود خفاء يقفون خلف الكواليس، لإسعاد جمهور يقدر بمئات الآلاف تستقطبهم الصويرة الى احضانها من كل أنحاء العالم، كل عام. وبمناسبة الدورة السادسة عشر للمهرجان التي ودعتنا الى لقاء يتجدد، عانت مدينة الصويرة خلال نهاية الأسبوع الماضي ضغطا بشريا شديدا، ودروبها الضيقة اختنقت بالعابرين ممن يكتشفون كنوزها لأول مرة أو الذين يعودون الى ذاكراتهم وذكرياتهم بعد الغياب، عفوا، اقصد عانت الصويرة المكان، أما الصويرة الروح ففي قلبها مكان لكل عاشقيها، من كل الاطياف، لكنها لا تعانق إلا الرومانسيين والحالمين الذين تجذبهم دندنة السنتير الكناوي، وسحرية الإيقاعات، ممزوجة بصوت الموج وصخب النوارس وهي تلهو في الفضاء. هذا ليس غريبا على مدينة استقبلت الهة الموسيقى كالراحل جيمي هندريكس عام 1968 واحتضنت موجة الهيبيزم في سبعينات القرن الماضي وأنجبت فنانين وموسيقيين كبار رغم كون التراث الكناوي والسنتير ظلا السمة البارزة للمدينة، وهويتها الفنية، وفي العزف على آلة السنتير اعطت المدينة العديد من الاسماء البارزة أولهم نذكر عضو ناس الغيوان الذي حمل معه روح الصويرة الى الدارالبيضاء ومن تمة الى العالم، المرحوم عبد الرحمان باكو، عائلة غينيا، عائلة باقبو وعائلة بوسو، للذكر لا الحصر، عائلات كناوية تتوارث الحكمة والأسرار، امتدادا للثقافة الافريقية التي تطلق لفظة « غريو « على الأسر التي تتوارث الموسيقى باعتبارها طقسا سريا مازال ساريا حتى الآن. الشباب سنة بعد أخرى يحضر الشباب بكثافة لمتابعة فقرات المهرجان شبان وشابات يجولون في أطراف المدينة بأشكال لباسهم ومظاهرهم، لا نقول الغريبة، بل المختلفة، يلهون ويضحكون بأصوات عالية، يتوقفون يتجادلون في ما بينهم، تراهم يفترشون الرمل ويستمتعون بما يمنحه المشهد البحري من جمال، بل يسحبون معهم عدتهم وآلاتهم الموسيقية ويصنعون مهرجانهم الخاص، يشاركهم في ذلك شباب أفارقة رأوا في المناسبة فرصة للجمع بين الممتع والمفيد فتراهم يغنون ويرقصون، ويمارسون التجارة في الشارع العام يبيعون بعض التحف والمشغولات الافريقية استقدموها من بلدانهم. صور تتشخص كنقط تلاقي مع التظاهرات الموسيقية الكبرى في العالم لكنها لا تجعل من مهرجان الصويرة «وودستوك» جديد كما يحلو للكثيرين تسميته، وذلك لأن مهرجان الصويرة مجال للقاء الأخوي، دون شعارات أو ايديولوجيات، الكل يستمتع بالموسيقى وحسب. المهرجان ابتدأ مهرجان الصويرة صغيرا كحجم، كبيرا كفكرة، وتحول مع السنين من مهرجان رافقت انطلاقة دوراته الاولى بعض العشوائية الى مهرجان رصين ومحكم التنظيم، وبعد أن كان سنة 1998 يقام على بمنصة وحيدة بحضور جماهيري لم يتعد آنذاك العشرين ألفا، صار عدد منصاته ثمانية، وتضاعف عدد جمهوره ليقارب نصف مليون خلال الدورات الأخيرة، مهرجان انتزع مكانته في الاجندة الثقافية للمغرب عن استحقاق وانتزع سمعة دولية طيبة إذ هو المهرجان المغاربي والأفريقي الأول الذي انضم إلى الشبكة الدولية للمهرجانات الموسيقية، التي تضم 24 مهرجانا تحظى باستقلالية فنية، وتمثل سبع دول من أوروبا وأفريقيا وأمريكا الشمالية، وهي شبكة تسعى إلى تعزيز المبادلات وتبادل الخبرات في مجال التنظيم والإبداع الفني والتنمية، ودراسة تطور قطاع المهرجانات وتمثيلها داخل الهيئات المهنية. وانتزع كذلك اعتراف الخاص والعام، من خلال جودة فقراته الموسيقية، فهذه الدورة مثلا تم خلالها استضافة ماسيو باركر أمهر عازف على الساكسفون في العالم وظاهرة موسيقى الفانك الذي أحيى حفلا كبيرا ليلة السبت الماضي. أو الكوبي عمر سوزا عازف البيانو الكبير الذي قدم عرضا شيقا من فن الجاز عقبه التحم مع لمعلم الكبير محمود غينيا في حفل مزج موفق، ليلة الجمعة من على منصة مولاي الحسن، وخلال نفس الامسية احيى الفنان الافريقي الكبير عازف آلة الباص ريتشارد بونا حفلا من موسيقى الجاز لقي استحسانا كبيرا بالنظر الى جمعه بين الخصوصية الافريقية وعالمية موسيقى الجاز. مساء السبت الماضي أيضا حقق حفل حميد القصري رقما قياسيا على مستوى كثافة الحضور اختنقت به الساحات المجاورة لمنصة مولاي الحسن وامتد الحفل الى ما بعد منتصف الليل. نذكر كذلك اللقاء الفني الذي جمع الفنانة البريطانية ذات الاصل الافريقي إيسكا متونغوازي إلى جانب لمعلم الكناوي عبد الكبير مرشان التي وتعد هذه ثاني تجربة من نوعها في المغرب وفي إطار التظاهرة ذاتها. وصرح عبد الكبير مرشان عقب الحفل مباشرة قائلا: «أعتقد أنها فنانة كبيرة، لم تحدث أية تعقيدات خلال تعاوننا سواء على مستوى الغناء أو العزف. الأمور سارت على ما يرام فيما بيننا». الى ذلك تألقت مغنية الجاز الفنانة المغربية أوم على خشبة ميديتيل مساء الجمعة الماضي، في حفل حضره جمهور عريض تمتع بالعرض الباهر والصوت الساحر لأوم . اما حفل الختام فقد أحياه الفنان الكناوي الكبير، خبير تجارب المزج الموسيقي باعتباره رائدا في هذا المجال، المعلم مصطفى باقبو مع الفنان ويل كالون الذي يعد من أبرز العازفين على الطبل في العالم، في دويتو موسيقي اتاح للجمهور اكتشاف عالمين موسيقيين مختلفين في اللحظة نفسها. من جهة أخرى لم يتنازل المهرجان عن احدى اهم فقراته التي دأب على برمجتها بشراكة مع البعثة الفرنسية وهي «شجرة الكلمات»، الخاصة بالتعريف بالتقاليد «الكناوية»، وإبراز المواهب الجديدة في هذه الموسيقى، ضمن سياسة المهرجان التي يقول منظموه إنها تسعى إلى إبراز مواهب جديدة في هذا الفن المغربي الأفريقي الأصيل، وفرصة يلتقي خلالها الفنانون بجمهور من المثقفين يسودها نقاش ودي بينهما. وبما أن منظمي المهرجان قد أضافوا، انطلاقا من الدورة الماضية ، فقرة منتدى الحوار والتبادل، لمناقشة مواضيع آنية، في سياق يعرف تحولات اجتماعية وسياسية، بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتضمن هذه السنة طرح العديد من الاسئلة وإلقاء مجموعة من العروض الفكرية بمشاركة باحثين مغاربة وأجانب، لمناقشة قضايا تهم حركية المجتمعات وانشغالات شباب العالم، حيث جرى التباحث حول موقع الشباب في المجتمع، ومستوى التعليم ودرجة حرية الإبداع المنصوص عليها في الدستور. وشهد مشاركة وزير الثقافة محمد الامين الصبيحي، بعد أن كان محمد نبيل بنعبد الله من أبرز المشاركين في أولى حلقاته النقاشية، السنة الماضية. هذا، وبخصوص المنتدى تقول نايلة التازي مديرة المهرجان: «في المغرب الذي يتغير، نحن بحاجة لأماكن حيث تتبادل الأفكار من دون لغة خشب، ويبرز مثالنا الديمقراطي المغربي بكل تميزه». اختتم مهرجان الصويرة وهو التظاهرة الثقافية التي حافظت على طابعها الموسيقى التقليدي مع إضفاء الكثير من التجديد عليها سنة بعد أخرى. ومهما يكن من أمر فان هذا المهرجان الذي يستمد من التميز المغربي هويته وقوته وشرعية وجوده، ظل يقدم نفسه باعتباره وجها احتفاليا تمتزج فيه الموسيقى الأمازيغية والأفريقية بموسيقى العالم، وعلى الرغم من انتشاره وكونيته واستقطابه لنجوم العالم اللامعة في سماء الموسيقى، يبقى شعار المهرجان، كما أريد له، الانطلاق من المحلي لبلوغ العالمية من خلال الانفتاح على الآخر من خلال تراث تاكناويت الذي يسيطر على أقوى اللحظات في برنامجه.