تخلد الطبقة العاملة اليوم عيدها الأممي، وتشهد شوارع كثير من مدننا، على غرار مختلف جهات العالم، مسيرات وتجمعات عمالية بالمناسبة، ويحضر في الواجهة الموضوع الاجتماعي وواقع الإصلاحات في بلادنا. من المؤكد أن فاتح ماي لهذه السنة يأتي ضمن أجواء من الجدل بين الحكومة والمركزيات النقابية على خلفية الدعوة الأخيرة لجلسة الحوار الاجتماعي، كما أنه يأتي ضمن استمرار النقاش حول اتفاق 26 أبريل 2011، وحول مأسسة الحوار الاجتماعي، وأيضا حول قانون الإضراب وقانون النقابات، بالإضافة طبعا إلى ما تعبر عنه النقابات من مطالب بشأن الأوضاع المادية والمهنية للشغيلة، وواقع الحريات النقابية وغير ذلك... وفضلا عن المطالب النقابية المشروعة التي سترفع خلال تظاهرات فاتح ماي، فإن المسيرات والشعارات والخطب لن تخلو من الهدفية السياسية والحزبية، ذلك أن بعض ما ينشر في الأيام الأخيرة من تصريحات و»تهديدات» هي في العمق مواقف سياسية بلبوس نقابي، وهذه حكاية أخرى في واقعنا النقابي ليس هنا هو مقام التفصيل فيها. إن الملف الاجتماعي يفرض اليوم، بلا شك، نفسه، ويجسد أولوية وطنية لابد من توجيه اهتمام السلطات العمومية إليها، وذلك بغية إنجاح الإصلاحات الكبرى المهيكلة (المقاصة، التقاعد، الضرائب...)، ومن أجل التخفيف من حدة تداعيات الأزمة الاقتصادية على الفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا، وحتى لا تكون هذه الطبقات هي وحدها من يتحمل تبعات الأزمة. وفي السياق نفسه، فإن النجاح في تقوية دينامية الاقتصاد الوطني، وتعزيز إنتاجيته وتنافسيته، من شأن ذلك توفير حركية اقتصادية وتنموية في البلاد تكون لها انعكاسات إيجابية على الأوضاع الاجتماعية، وهنا، بقدر ما تبدو مسؤولية الحكومة مهمة، فإن للقطاع الخاص بدوره مسؤولية أساسية، وذلك من خلال حرصه ومساهمته في تقوية الاستقرار الاجتماعي في البلاد، وتمتين أسس دولة القانون في المجال الاقتصادي، وحماية السلم الاجتماعي... وإنه لمن المستحيل اليوم التعاطي مع الإشكالية الاجتماعية من دون استحضار مختلف السياقات الوطنية والخارجية، السياسية منها والاقتصادية، وبالتالي، فإن كل الأطراف المعنية مطالبة اليوم بالانخراط في حوار جدي، مسؤول وناضج هدفه استكمال المنجز السياسي والمؤسساتي الذي تحقق في السنوات الأخيرة، بإنجازات على الصعيد الاجتماعي بما يساهم في تحسين الأوضاع المعيشية لشعبنا، ويصون كرامته. إن الحوار، وتعميق التشاور الدائم والتفكير المشترك، والسعي لترسيخ علاقات اجتماعية جديدة، هو المدخل للتعاطي مع كل قضايا الإشكالية الاجتماعية في بلادنا.