من بين القضايا الأدبية التي باتت موضوع نقاش وتداول ملحين، يظل موضوع النقد العربي وإمكانات تطوره، من بين المواضيع التي تلقي بظلالها على سؤال المغايرة والتجديد في حقلنا الثقافي. وتضيف الورقة الموضوعة للنقاش في ندوة «وظائف النقد الأدبي العربي اليوم» -التي سهرت على تنظيمها وزارة الثقافة ضمن فعاليات الدورة التاسعة عشر للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، بمشاركة النقاد نبيل عبدالرحمان المحيش وسعيد بنكراد ونجيب العوفي، وتسيير عبد الرحيم العلام- أنه أمام التطور الكبير الذي حققته الذائقة الإبداعية العربية، خلال السنوات القليلة الماضية، كتابة وتداولا وتثمينا، أصبح من الضروري مساءلة النقد الأدبي العربي حول مدى مواكبته، سواء لهذا الغنى في إنتاج النصوص، أو لمختلف النظريات والمناهج النقدية الحديثة، التي وصلتها الآلة النقدية الغربية. وأشار العلام إلى أن وظائف النقد لم يعد مفكرا فيها حسب مستوى الاهتمام السابق، وإن كانت هذه الوظائف قد طالها التغيير. وأكد على أن مجتمعاتنا تعيش انتعاشة أدبية غير مسبوقة، وهو ما يستلزم حركية نقدية توازيها، بعيدا عن مخاطر الانفلات. واعتبر العلام كذلك أن وظائف النقد مرهونة بتجديد وظائف الأدب. وقدم العوفي تأملات نقدية في مهام النقد الأدبي العربي وأحواله، واعتبر أن مهمة النقد تكمن في صيانة لغته النقدية بكيفية محكمة ومضبوطة ودقيقة منهجيا مع إصابة الموضوع، بمعنى أن يكون نقدا محضا. وعرف مفهوم النقد-حسب المعاجم القديمة- باعتباره تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها. وانتقد الكتابات النقدية التي كانت سائدة خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي والتي كانت تعبر عن المرحلة البنيوية، أنها عبارة عن نقد عار، كان يعيد كتابة النص الأدبي، مما أفضى به إلى نقد شكلاني، لا يسبر أغوار النص، وبالتالي جعل النصوص متساوية في الميزان ومتماثلة في القيمة. وصنف النقد إلى أربعة أنواع: الأكاديمي والاحترافي والصحافي، معتبرا هذين الأخيرين أكثر عضوية ولصوقا بالمشهد الثقافي، أما الأكاديمي فمجاله الحيوي هو الجامعة، حيث أن طقوسه معرفية بالدرجة الأولى، وحيث أن الجامعة هي حارسة القيم الرمزية، والمحك المعرفي لأجيال النقاد. وذكر كذلك أن النقد الأدبي هو فاعلية أدبية علمية، وليس أدبا خالصا ولا علما خالصا، إنه في منزلة بين المنزلتين. يشتغل على نصوص وجدانية ومجازية، من قبيل الشعر والقصة والرواية وغيرها، دون عقلنتها، لكنه يتقاطع بالرغم من ذلك مع علوم اللغة والاجتماع والتاريخ والفلسفة والرياضيات والفيزياء وغير ذلك من أحدث التقنيات العلمية.. خصوصا بالنسبة لمن يوغلون في مجرات النقد. كما ذكر أن مهمة النقد هي نقد النصوص وتقييمها، وعيا بأن من صحح مقياسا في اللغة والأدب، كمن صحح مقياسا في الحياة. وخلص إلى القول إنه مع حرية الإبداع التي تكون مشفوعة بحرمته، لكن من الضروري حضور النقد كمسائل ومراجع ورقيب وحسيب. غير أن من أسباب أزمة النقد الأدبي، هو غياب نقد النقد في حد ذاته، غير أن هذه الأزمة علامة على مخاض لا بد منه للخروج إلى ما هو أنفع وأنجع. وركز نبيل عبدالرحمان المحيش مداخلته على النقد الرقمي، وحدد له أربع وظائف: العامة والمنهجية والتعليمية والإيديولوجية الأخلاقية. واعتبر أن وظيفة النقد تجاه الأدب الرقمي العربي -الذي تطور نتيجة لتطور الاتصال- واجب حضاري بامتياز، وأن على الناقد الأدبي الرقمي أن يتوفر على عدة جديدة استجابة لمكونات بنية النص الرقمي. وأوضح بنكراد من جهته أن من مهام النقد، الكشف من الخارج عن ما يجري في الداخل، والدفع بالمشخص داخل النص لاستكناه جوهره، وتقديم انفعالات مجسدة في فعل مرئي، والنفخ داخل النص للكشف عن مضامين أخرى والانفتاح على أفق آخر. فهناك بياضات في النص –يضيف بنكراد- ووظيفة النقد ملء هذه البياضات، ذلك أن المشكل ليس في النظريات، بل كيفية التمكن من الإمساك بعشق النص، وهو ما يفترض سلسلة من المعارف، وهي ثلاثة أنواع: المعرفة النصية، أخذا بعين الاعتبار أن النص الأدبي له ميكانيزماته وينبغي التعرف عليها. وهناك المعرفية النظرية، بالنظر إلى أن الكائن البشري منتج للمعاني، وبالتالي فإن المعرفة بها تظل أساسية، كما أن النص لكي يبنى ينبغي أن يتخلص من نص الواقع. ثم هناك المعرفة التي لها صلة بالتلقي. وخلص بنكراد إلى القول إن مردودية النظريات رهين بامتلاك هذه المعارف.