تتميز العلاقات الديبلوماسية المغربية الفرنسية بقدر كبير من القدم والنموذجية والاستثنائية بفعل تداخل جملة من العوامل التاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية والجيوستراتيجية، الأمر الذي مكن هذه العلاقة من خلق آليات ديبلوماسية جديدة ومتجددة في حالات مرور البلدين بغيوم دبلوماسية. وقد ساعد عامل الثقة المتبادلة بين البلدين على مواجهة كل الإشكالات التي تعترض البلدين، مما جعل السياسة الخارجية الفرنسية تتعاطى مع قضايا المغرب بواقعية سياسية وذلك عبر تصريف مواقف سياسية ثابتة أبرزها دعم الحل السياسي التوافقي المتعلق بمبادرة الحكم الذاتي للصحراء المغربية سواء تعلق الأمر بحكومة يمينية أو يسارية. في هذا الإطار ستصدر الخارجية الفرنسية في الحكومة الاشتراكية الحالية بيانا تضمن ثلاث نقط رئيسية متعلقة بهذا النزاع. أولها دعم فرنسا لحل عادل ودائم ومتفق عليه تحت إشراف الأممالمتحدة، وثانيها دعم فرنسا لمجهودات كريستوفر روس بغية مواصلة الإشراف على المفاوضات بين الأطراف المعنية. وثالثها دعم باريس لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 معتبرة إياه قاعدة جدية وذا مصداقية لحل متفاوض عليه. في هذا الإطار سيشير السيد باسكال كانفين الوزير الفرنسي المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية المكلف بالتنمية عقب مباحثات أجراها مؤخرا بالرباط مع الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون السيد يوسف العمراني بالقول : «إن مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب هو الأساس الوحيد الذي يحظى بالمصداقية على طاولة المفاوضات لإيجاد حل لقضية الصحراء»، مشيرا إلى أن «موقف فرنسا يظل ثابتا بخصوص قضية الصحراء»، وموضحا أن هذا الموقف يتمثل في دعم «إيجاد حل سياسي تحت إشراف الأممالمتحدة يحترم قرارات مجلس الأمن الدولي». بتحليل عناصر مواقف الخارجية الفرنسية نستنتج ما يلي : أولا: إن السياسة الفرنسية في تعاطيها مع هذه القضية لم تتغير؛ وعلى هذا الأساس تباحثت الخارجية الفرنسية مؤخرا مع كريستوفر روس؛ فموقف فرنسا من قضية الصحراء المغربية لا يتغير بتغير الحكومات، لكون السياسة الخارجية لفرنسا تحاول تحقيق الالتزام بين احترام مبادئ الشرعية الدولية وضمان مصالحها الخارجية الأكثر أهمية في المغرب بوصفه صديقا تقليديا لهذا البلد وشريكا استراتيجيا توحده معه تقاطع المصالح والأهداف. ففرنسا تتبنى النظرية الواقعية، وهي نظرية تقوم على المصالح وتبادل المصالح. ثانيا: إن الرهانات السياسية لتسوية قضية الصحراء المغربية تدمجها فرنسا في إطار بناء شمولي لصرح الاتحاد المغاربي، بحيث من البديهي أن مستقبل هذه البلدان ينبغي النظر إليه في إطار إقليمي؛ فهذا النزاع المفتعل يثقل منذ مدة طويلة اقتصاديات كل بلدان المنطقة ويعوق النهوض بالاتحاد المغاربي مما يفقد كلا من المغرب والجزائر نقطتين من ناتجهما الداخلي الخام. وهي رسالة سياسية واضحة إلى الجزائر بضرورة رفع العراقيل المصطنعة لبناء اتحاد مغاربي قوي موحد في خدمة مصالح إفريقيا الشمالية وأوروبا على حد سواء. ثالثا: إن دعم فرنسا لحل سياسي لقضية الصحراء المغربية من خلال مبادرة الحكم الذاتي يستهدف تحقيق التوازن الإقليمي في المنطقة ؛ وهو الأمر الذي يلتقي مع نفس الرؤيا لدى فاعلين دوليين آخرين كالولايات المتحدةالأمريكية؛ فهذه المبادرة لن ترهق الجزائر، كما أنها لن تضعف المغرب مما يجعلها حلا سياسيا تفاوضيا ووسطيا، يمكن من تفادي القطيعة بين المحورين المركزيين في بناء تنظيم المغرب العربي؛ وهو الأمر الذي سيخدم في نهاية المطاف المصالح الفرنسية لأن هذه المنطقة أصبحت تفرض على فرنسا انشغالات وقلقا على الصعيدين الأمني والاقتصادي. رابعا: توحد الانشغالات الجيوستراتيجية في المنطقة بين المغرب وفرنسا لدرجة التطابق خصوصا على مستوى تداعيات الحرب على الجماعات الإرهابية في مالي وثبوت تورط البوليساريو في دعم الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة، الأمر الذي جعل الحكومة الاشتراكية مقتنعة بأهمية ضمان الاستقرار السياسي في هذه المنطقة. في المقابل على الدبلوماسية المغربية أن لا تبقى حكرا على أجهزة وزارة الخارجية بوصفها ممثلا للخطوات الدبلوماسية التقليدية، بل ينبغي التفكير في توسيع هامش الدبلوماسية الموازية، التي تمثلها بالأساس الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني والفاعل الاقتصادي؛ فاليوم غدت التكتلات الاقتصادية الورقة الرابحة في تغيير التوازنات السياسية. وعلى المغرب أن يستغل كونه بوابة إفريقيا التي تحولت إلى سوق مغري لاقتصاديات الدول الأروبية. لكن هذه السوق تعرف منافسة قوية، ليس فقط بين المنافسين التقليديين لفرنسا كالولايات المتحدةالأمريكية والصين، بل أيضا بفعل ولوج فاعلين اقتصاديين عرب كقطر والإمارات العربية المتحدة؛ إذ من الممكن أن يستفيد المغرب من هذا التنافس إذا ما أحسن استثمار تنوع شركائه الاقتصاديين مع تقوية علاقاته الاقتصادية مع شريكه الاستراتيجي الأول فرنسا لكون هذه الأخيرة غدت تدرك أكثر من أي وقت مضى أن مستقبلها الاقتصادي يمر بالضرورة عبر ضمان الاستقرار السياسي ببلدان إفريقيا الشمالية؛ وليس بخلق كيان سياسي ضعيف غير قادر على ضمان الأمن بمنطقة تعج بأخطار متعددة. *أستاذ بكلية الحقوق بالمحمدية مستشار لدى مركز الدراسات الدولية