لا أحد يجادل في أن الرئيس المصري محمد مرسي، هو أول رئيس ينتخب في مصر من قبل الشعب المصري. وبذلك يستحق منا تقديرا على هذا النجاح الذي حققه، كما يستحق منا الشعب المصري تحية إكبار وإجلال، لأنه انتخب بوعي ومسؤولية رئيسا يدير شؤونه، ويدبر أمره ويرعى مصلحته. وهذا يبيح له، باعتباره رئيسا منتخبا، أن يصدر إعلانا دستوريا يحصن فيه قراراته من الإلغاء والرفض، ولا ضير في ذلك. وإلا فما معنى أن يصدر رئيس دولة هو أعلى سلطة فيها أمرا أو مرسوما، ويعترض عليه مثلا نائب عام أو قاض ويرفضه، ولا يعمل به. وكأن القاضي مقدس لا يتسرب الشك إليه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مما يجعل الرئيس يفقد هيبته ومكانته وسلطته أمام الشعب الذي انتخبه. وهذا لا يعني البتة القبول بجميع ما يصدره، دون إبداء رأي أو ملاحظة أو وجهة نظر، لكنها لا يجب أن تصل إلى الإلغاء النهائي والفعلي دون مناقشة أو حوار، لأن هذا من الأعراف الديمقراطية المتعارف عليها. أما الاعتراض فيجب أن يكون ضد مرسوم لا يخدم مصلحة الشعب أو البلد. وجميع رؤساء الدول في العالم يصدرون مراسيم لا يعترض عليها أحد، وتصبح سارية المفعول بمجرد إصدارها. لأن دستور كل بلد وقوانينه تعطي لرئيس الدولة صلاحيات واسعة، تبيح له إصدار المراسيم واتخاذ القرارات. وهذا ما تريد المعارضة في مصر نزعه عن الرئيس محمد مرسي انطلاقا من خلفيات معينة، وأهداف محددة، تبتعد عن المصلحة العليا للبلد المصري. وكأن محمد مرسي ليس رئيسا لدولة مصر، ولا يحق له اتخاذ أي قرار. مع أنه كان من المفروض عليها أن تتعاون معه، وتضع يدها في يده، وتسعى بما تملكه من جهد وقوة لخدمة بلدها. لكنها لم تفعل ذلك، بل بادرت إلى اتهامه بالديكتاتوربة والسيطرة المطلقة والتفرد في اتخاذ القرار، وهي كلها أوصاف بعيدة عنه ولا يجوز وصفه بها، أو إطلاقها عليه في هذه الظرفية الدقيقة الحاسمة من تاريخ مصر. رغم أن إطلاقها أو التفوه بها في وسائل الإعلام، وكتابتها في الصحف، يعد ديمقراطية حقيقية طبقها هو بعد وصوله إلى الحكم. في وقت لم يكن أحد من المصريين، سواء كان مواطنا عاديا، أو زعيما سياسيا، أو منتخبا برلمانيا، أو كاتبا مثقفا، أو فاعلا جمعويا، أو مناضلا حقوقيا، يستطيع أن يتلفظ بمثل هذه العبارات في عهد نظام حسني مبارك البائد، الذي مارس على الشعب المصري أبشع صنوف التعذيب والقمع والقهر، لمدة قاربت ثلاثين سنة. وإذا تلفظ بها أو فاه ببعض منها يكون مصيره القتل أو السجن، رغم أنه لم ينتخب من قبل الشعب المصري، بل تولى رئاسته مباشرة بعد اغتيال الرئيس السابق لمصر محمد أنور السادات، الذي تولى هو الرئاسة بعد وفاة جمال عبد الناصر ولم ينتخبه الشعب المصري، وجمال عبد الناصر تولى هو بدوره الرئاسة بعد ثورة الضباط الأحرار بقيادة محمد نجيب، التي عرفت فيما بعد بثورة 23 يوليوز 1952م، والتي انقلبوا فيها على الملك فاروق، وأطاحوا به من الملك، وسقطت معه الملكية التي حكمت مصر قرونا طويلة. في حين أن الرئيس المصري محمد مرسي جاء عن طريق صناديق الاقتراع، التي بوأته هذه المكانة الكبيرة في تاريخ مصر، وعلى الجميع أن يخضع لقراراته وينفذها، ويعمل بها، لأنها لن تكون إلا في صالح مصر. أما إذا كان مصير أي إعلان أو مرسوم يصدره هو الرفض، فمعنى هذا أن دولة مصر لن تكون لها كلمة مسموعة، ولا راية مرفوعة، مادام رئيسها الفعلي المنتخب بطريقة ديمقراطية، ترفض قراراته ومراسيمه، من قبل من هم أدنى منه سلطة في هرم الدولة المصرية، التي يسعى جاهدا لخدمتها منذ تولى رئاستها، ويسير بثبات لتحقيق نهضتها وازدهارها. ولعل ما يدعو إلى الدهشة والاستغراب، هو أن هؤلاء الذين يرفضون مراسيمه وقراراته، هم من أصحاب النظام السابق الذين خدموه سنين عديدة. فالهيأة القضائية المصرية التي تتدخل الآن في كل شيء، وتعارض كل شيء لا يخدم أهدافها ومصالحها، هي هيأة نصبها الرئيس الأسبق حسني مبارك. فقد نصب أعضاء المحكمة الدستورية العليا، ونصب النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، ونصب عددا من أعضاء نادي القضاة. ومادام التغيير قد حصل في مصر وانتفض الشعب ضد نظامه السابق، الذي كان يعد من أعتى الأنظمة، وأكثرها طغيانا واستبدادا وأسقطه عن طريق ثورة ميدان التحرير المجيدة، وجاء برئيس جديد منتخب من لدن الشعب بطريقة ديمقراطية شهد الجميع بنزاهتها، فقد آن الأوان كي تتغير هذه الهيأة، وتعين في مكانها هيأة قضائية أخرى من قبل الرئيس محمد مرسي، ويتم القطع مع النظام السابق وتركته الثقيلة وبذلك تكتسب الهيأة القضائية الجديدة شرعيتها الحقيقية. لأن تعيينها من قبل الرئيس المصري محمد مرسي هو تزكية من قبل الشعب المصري، الذي انتخب هذا الرئيس وقاده إلى حكم مصر. أما الإبقاء عليها فهو إبقاء على جزء كبير من النظام السابق، وهذا ما لم يفعله الرئيس محمد مرسي. كما أن بعض رؤساء الأحزاب المصرية الذين يتشدقون اليوم بالكلام، وينتقدون ويعارضون ويذكون نعرات التفرقة والانقسام، هم من كانوا بالأمس من أمتن أعمدة نظام حسني مبارك، ومن كبار أنصاره الذين كان يعتمد عليهم في تحقيق مقاصده، وتمرير أهدافه، وتثبيت أسسه وأركانه، وبأمثالهم استقام وتقوى زمنا طويلا. وفي مقدمة هؤلاء محمد البرادعي الذي كان مديرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعمرو موسى الذي كان وزيرا للخارجية، وكلاهما لم ينضم إلى الثورة في ميدان التحرير إلا في أواخر أيام نجاحها وانتصارها، عندما تيقنا وعرفا بأن نظام حسني مبارك في طريقه إلى الزوال والسقوط و الاندثار. وكأن كل واحد منهما أراد حفظ ماء وجهه، فالتحق بركب الثوار الأبطال في ميدان التحرير. ومع ذلك لم ينتقم مرسي منهما، ولم يقف حجر عثرة أمام تزعمهما للمعارضة، أو تشكيلهما لأحزاب سياسية، مما يبين رغبته في الحفاظ على أمن واستقرار مصر. في حين نجد أن دولة ليبيا مثلا التي أسقطت ثورتها ديكتاتورها الطاغي، ونظامه المتجبر ما تزال تعتقل جميع رجاله، ومن كانوا يدورون في فلكه وتحاكمهم وهذا ما لا نجده في مصر حتى الآن. وهذا يبين مكانة رئيسها المتفتح، الذي يسعى إلى تكريس الديمقراطية البناءة وتطبيقها على أرض الواقع، لأنه يدرك تمام الإدراك أن التقدم لايمكن أن يتحقق إلا بها. ولو كان ديكتاتورا أو متجبرا أو متفردا بالقرار، لبدأ بتغيير كلي وجذري في مختلف دواليب الدولة، ولوقف موقفا معاديا من خصومه، أو من أصحاب النظام السابق. ولكنه اختار التأني والثبات والتغيير الهادئ والهادف، الذي يخدم مصلحة مصر وشعبها. وتلك سمة من سمات الحكماء والعقلاء. وانطبق عليه قول الشاعر الكبير الشيخ مربيه ربه ابن الشيخ ماء العينين: وللمتأني في الأمور إصابة ومن يتبع الرأي المعجل يندم ولذلك لم يتسرع ولم يتبع الرأي المعجل. لأن رغبته تتجلى في الإصلاح، وتحقيق النجاح والفلاح لدولة مصر ولشعبها. فلم يهرب من الشعب كما قالت إقبال إلهامي، ولم يخدعه كما قال زعماء جبهة الإنقاذ، بل انحاز إليه وحكمه بواسطته وعن طريقه. وتحقق فيه قول الرئيس الأمريكي السابق أبراهام لنكولن في تعريفه للديمقراطية الذي يقول فيه «بأنها هي حكم الشعب بواسطة الشعب عن طريق الشعب»، وبذلك ازداد مرسي شهرة، زادته تمسكا بما يفعله. لأن ما يفعله لا يخرج عن المصلحة العامة لمصر، التي لا يريد له معارضوه تطبيقها، لأن كثيرا منهم يخشى على مصالحه الذاتية، وثرواته الشخصية، التي راكمها على حساب الشعب المصري في فترة النظام السابق. لذلك على الشعب المصري أن يفهم هذه الحقيقة الواضحة، ويعرفها معرفة جيدة، ويترك التنابذ والتشرذم والاختلاف، ويتكتل ويتوحد من أجل النهوض بمصر، والإسهام في تحقيق تقدمها وتنميتها، حتى تستعيد كما كانت مكانتها في العالم العربي والإسلامي والإفريقي ويناصر الرئيس المصري المنتخب، الذي ارتضاه وصوت عليه وقاده إلى رئاسة جمهورية مصر العربية. التي سيقودها بلا شك إلى النهضة والسمو والرقي والازدهار، بعد أن جرب أنظمة عسكرية لم تجلب له إلا التخلف والانحطاط والانكسار. *أستاذ بجامعة ابن زهر بأكادير