شكلت نتائج وتوصيات دراسة حول واقع الترجمة بالفضاء المتوسطي، أنجزت بمبادرة من مؤسسة «عبر أوروبا» ومؤسسة آنا ليند الأورو-متوسطية، موضوع نقاش خصب، يوم الاثنين الماضي بالرباط، في المكتبة الوطنية. وصرحت جيزلين غلاسون، مديرة مؤسسة «عبر أوروبا» ومحررة الدراسة حول الترجمة في المنطقة الأورو-متوسطية، لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الدراسة تتوخى تسليط الضوء على الرهانات الثقافية والسياسية للترجمة في المبادلات الأورو-متوسطية. وقالت غلاسون، في مداخلتها، إن الدراسة بحث في أغوار ميدان ظل مهملا في شبكة العلاقات الأورو-متوسطية، ويتعلق الأمر بواقع الترجمة في الأدب بمفهومه العام وفي المعارف والعلوم الإنسانية والاجتماعية. ولاحظت المتحدثة أن هذا الواقع يكشف اختلالا ولا مساواة كبيرة على المستويين الكمي والكيفي في المبادلات، مسجلة أن العديد من الدول الأوروبية تشهد ترجمة كتاب من العربية (اللغة التي تمثل 221 مليون قارئ عبر العالم) مقابل ألف ترجمة بلغات أخرى، ولو أن السنوات الخمس والعشرين الأخيرة عرفت تزايدا ملحوظا في ترجمة الكتب العربية. وكشفت الدراسة أن الانجليزية، وبدرجة أقل الفرنسية، ليست فقط اللغات الأكثر ترجمة إلى العربية والتركية والعبرية، بل هي أيضا، إلى جانب الألمانية، اللغات التي تعبر منها الترجمات نحو لغات أخرى أقل شهرة. وسواء تمت ترجمة الكتب مباشرة أو عبر لغة ثالثة، فإن الدراسات بينت قوة الحضور الأنغلو-سكسوني والفرنسي والألماني، والدور المهيمن للثقافات الغربية في تغذية السوق الثقافي. إنه بالتالي وجه آخر لثنائية المركز-الهامش في بناء العلاقات والمبادلات الثقافية داخل الاتحاد من أجل المتوسط. واعتبر الخبراء المشاركون أن استمرار النهج الاستشراقي القائم على الأحكام الجاهزة وآليات الرقابة والرقابة الداخلية يعتبر بمثابة مصفاة تمر عبرها صورة الآخر المختزلة. وتستشرف هذه الدراسة، التي طالت كل حلقات سلسلة الترجمة (من كتاب وناشرين ومكتبات وبرامج لدعم الترجمة ووسائل إعلام ...) سبل تثمين الدور الهام الذي تضطلع به ترجمة إبداعات التخييل والفكر (الأدب، العلوم الإنسانية والاجتماعية، المسرح ...) في أفق تعزيز المثاقفة على الصعيد المتوسطي. كما تروم هذه الدراسة، التي تم عرض نتائجها، وضع لبنات برنامج أورو-متوسطي في مجال الترجمة بشكل هيكلي. وهو مشروع يعرف مساهمة مجموعة من الفاعلين، شملت مؤسسة عبد العزيز آل سعود (الدارالبيضاء) وبانيبال (لندن) وسيفبير (اسطنبول) والمجلس الأوروبي لجمعيات المترجمين الأدبيين (بروكسيل) ومدرسة الترجمة بطليطلة ومعهد غوتة.